"شيء آخر يحدث في القلعة" يضيء ليالي القاهرة الثقافية

"شيء آخر يحدث في القلعة" يضيء ليالي القاهرة الثقافية

"شيء آخر يحدث في القلعة" يضيء ليالي القاهرة الثقافية


16/12/2023

في العام 1976 تم تصنيف القاهرة التاريخية ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، وتُعدّ قلعة صلاح الدين أو قلعة الجبل من أهم المعالم الأثرية بها، تلك القلعة التي بدأ في بنائها صلاح الدين الأيوبي العام 1176، لتكون مقر الحكم والنفوذ لما يقرب من (7) قرون، وكانت مسرحاً لأحداث تاريخية هائلة من العصر: الأيوبي، والمملوكي، والعثماني، حتى عصر محمد علي.

وما تزال قلعة صلاح الدين منارة مصرية للتراث والثقافة، ووجهة سياحية مهمة للأجانب والمصريين على حد سواء، ومن قلبها تشع ثقافة فنية معاصرة، فالأسوار نفسها التي كانت يوماً ما رمزاً مادياً للحماية والحكم، أصبحت الآن ملاذاً يحتضن ويدعم الفعاليات الفنية والثقافية المختلفة، آخرها النسخة الثالثة للمهرجان الفني المعاصر: "شيء آخر في القلعة".

 يشارك في النسخة الثالثة أكثر من (140) فناناً بصرياً من دول مختلفة؛ منها: مصر، والهند، وأسبانيا، وسويسرا، وإنجلترا، وبلغاريا، وألمانيا، والسويد، ولبنان، والعراق، وتقام فعاليات الدورة الثالثة في الفترة من 24 تشرين الثاني (نوفمبر) حتى 23 كانون الأول (ديسمبر) 2023. 

المبادرة عن قرب

"شيء آخر" هي مبادرة فنون بصرية مستقلة غير ربحية؛ تحاول دعم الفن المعاصر المصري والعالمي من خلال بينالي فني، يشرف عليه الناقد الفني والكاتب والفنان السويسري المعاصر  (سيمون نجمي)، والمدير الفني للبينالي هو الفنان والناشط الثقافي المصري مؤسس "درب 1718"،  (معتز نصر)، وكانت ملاحظة المشهد الثقافي المصري هي الدافع الأساسي وراء هذه المبادرة، ففي النصف الأول من القرن الـ (20) كانت مصر مركزاً مهماً للإنتاج الفني والثقافي في العالم، والعالم العربي بشكل خاص، وعلى الرغم من جهود الدولة الكبيرة لتطوير وإتاحة الوصول إلى الثقافة بشكل عام في عصرنا الحالي، إلّا أنّ مصر تعاني من نقص الموارد، وبعيدة بشكل ما عن المشهد الثقافي العالمي، وهو ما يمثل مفارقة مؤسفة عندما ننظر إلى دور مصر على مر أعوام طويلة، وثراء إنتاجها الفني والثقافي.

من الأعمال التصويرية في قلعة صلاح الدين

شيء آخر يحدث في القلعة

تستضيف قلعة صلاح الدين الأيوبي النسخة الثالة للبينالي الفني العالمي، ولا يقتصر الحدث الفني على معارض فنية معاصرة، تتفاعل مع أسوار، وسراديب، وحجرات القلعة، بل يمتد لتقديم عروض فنية، وورش عمل متنوعة، ومحاضرات لفنانين محليين ودوليين، وخبراء فنيين، ومن خلال برنامج متنوع حول "شيء آخر" قلعة صلاح الدين إلى مساحة كبيرة؛ لعرض أعمال فنية معاصرة، ومساحة مفتوحة للمناقشات حول أهمية الثقافة والفن المعاصر، في الإجابة عن بعض الأسئلة العميقة في مجتمعنا: كيف يمكن للمجتمع، خلال الأوقات المضطربة، أن يحاول خلق شيء ما؟ شيء آخر؟

أعمال مميزة في الدورة الثالثة 

العمل الأول الذي تفاعل معه الحضور بشكل استثنائي هو عمل المهندس المعماري والمصور  والفنان المصري (كريم الحيوان)، وأطلق عليه "بين هنا وهناك"، وهو تركيب في الفراغ تمّ تنفيذه في القصر الأحمر، الذي كان ثكنة عسكرية للجيش البريطاني، ويعكس قوة الاحتلال من داخل القلعة الحصينة، نفذ الفنان عمله داخل القصر نفسه، وهو عبارة عن أجزاء من سجاجيد كانت تستخدم في المساجد، حولها سور حديدي صغير، وستار أبيض كتب عليه: أنا موجود هنا، يتقدم نحو العمل عاملان ويخلعان حذاءيهما استعداداً للصلاة، يهرع أحد القائمين على المعرض محاولاً منعهما، لكنّ منفذ العمل طلب السماح لهما بالصلاة، ليتحول العمل الفني إلى مكان مقدّس، وفي الوقت نفسه يتم تخريب البنية الاستعمارية، في وقت ينظر فيه الغرب إلى الصلاة وكل ما يتعلق بشعائرها، بشكل فيه بعض التردد، إن لم يكن الخوف، هذا العمل والتفاعل معه يعكس مفهوم المتلقي عن الزوال والأداء، والسياسات المتعلقة بالهوية والمقاومة بدون حديث مطول.

تستضيف قلعة صلاح الدين الأيوبي النسخة الثالة للبينالي الفني العالمي، ولا يقتصر الحدث الفني على معارض فنية معاصرة، تتفاعل مع أسوار، وسراديب، وحجرات القلعة، بل يمتد لتقديم عروض فنية، وورش عمل متنوعة، ومحاضرات لفنانين محليين ودوليين، وخبراء فنيين

وكان العمل الثاني للفنانة السويسرية (كارول إيسلر)، بعنوان: "الشَّعر من خلال العدسة الاجتماعية"، فقد لفت انتباه الفنانة تعامل المصريين مع شعر النساء، وهو ما اختلف على مر العصور، فقديماً وقت قدماء المصريين، كانت المرأة تستخدم تسريحات شعر متقنة، وتتفانى في استخدام حلي الشعر القيمة؛ للتأكيد على مكانتها، اليوم أصبح دور وشكل الشعر الأنثوي مختلفاً ومتغيراً، على حسب الثقافة والدين والمعتقدات، ولهذا نرى كارول ترسم الشعر الأنثوي تارة مغطى بالحجاب، وأحياناً بضربات ملونة من الفرشاة.

خامات مُهملة يعاد تشكيلها فنياً وجمالياً

أمّا العرض الجماعي لعدد من الفنانين الهنود، فكان في غاية البساطة والحساسية، وقد اشترك في قاعة واحدة أكثر من (20) فناناً وفنانة من الهند، لعرض أعمالهم المختلفة من رسم وتصوير وطباعة وحفر، تحت عنوان: "ريونيوني" - مظهر من التاريخ، أسلاف العالم الحديث"، وقام باختيار الأعمال والتنسيق بين الفنانين الرسام والمصور الهندي (سومش شارما)، وتضمنت الأعمال المعروضة صوراً تظهر معاناة فقراء الهند أثناء قيامهم بتصنيع الأحجار، كما عبّر العديد من الأعمال عن الاضطهاد الطائفي الذي تعرّض له المسلمون في الهند، ومنعهم من القيام بالصلاة، وهدم بعض المساجد، كما أظهرت مجموعة من الصور تقدير العمال بشكل خاص لـ (أمبيداكار)، رجل القانون الهندي الذي توفي العام 1956، ولكنّه ما زال يتمتع بشعبية واسعة؛ بسبب مجهوداته في الإصلاح الاجتماعي، وعمله ضد التمييز الاجتماعي، وهو المهندس الرئيسي لدستور الهند.

بينالي "شيء آخر" نجح في تحويل القلعة التاريخية إلى صالة عرض مهولة، تتفاعل مع الأعمال المعروضة بها، كل عملٍ على حدة، وبشكل غاية في التميز والبساطة، وتفاعل الحضور من جميع الأعمار مع المعروضات جاء استثنائياً، وغيّر نظرة المشاهد إلى تلك المباني التاريخية الحصينة، ومزجها بكثير من الفن والمعاصرة.

مواضيع ذات صلة:

ميريت الثقافية: ملف عن نجيب محفوظ وحوار مع ميادة كيالي

مهرجان الجونة يكشف معاناة الشعب الفلسطيني وتجاربه الإنسانية ..تفاصيل 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية