شعبية "العدالة والتنمية" التركي في تراجع.. هل بات انتقال الحزب إلى موقع المعارضة وشيكاً؟

شعبية "العدالة والتنمية" التركي في تراجع.. هل بات انتقال الحزب إلى موقع المعارضة وشيكاً؟


19/10/2021

استمرت تركيا في حالة من الاستقرار السياسي منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002 وحتى منتصف العام 2013، عندما وقعت أحداث احتجاجات منتزه غيزي، وما رافقها وأفرزته من تفاقم في حدّة الانقسام والاستقطاب السياسي في البلاد. ومن ثم جاءت قضايا وفضائح الفساد المثارة نهاية العام 2013، ووصولاً إلى محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في تموز (يوليو) 2016، ومن ثُمّ تلا ذلك الانزلاق الذي شهدته البلاد على المستوى الاقتصادي وحالة الركود المستمرة منذ العام 2018. كلّ ذلك كان لا بُدّ له من ترك الأثر على مستوى التوجّهات السياسيّة لدى الناخبين، فكان الانخفاض في نسبة الأصوات التي تمكن العدالة والتنمية من تحقيقها في انتخابات العام 2018، إلا أنّ المؤشرات باتت تشير إلى أنّ المزيد من التغيّرات الهامّة ستحملها المرحلة القادمة.

التراجع.. مؤشرات متزايدة

يُظهر عدد كبير من استطلاعات مراكز ومؤسسات الدراسات واستطلاع الرأي، وجود تراجعٍ في مستويات التأييد لحزب العدالة والتنمية، وبحيث إنها باتت تصل إلى أدنى مستوياتها منذ وصول الحزب إلى الحكم عام 2002. وتشير استطلاعات مراكز ومؤسسات مثل: "يويليم" (Yoylem)، و"TurkiyeRaporu"، و"Avrasya"، و"Istanbul Economics"، و"Aksoy"، و"Sosyo Politik"، واستطلاعات صحيفة الجمهورية (جمهوريت)، إلى توقع حصول حزب العدالة والتنمية - في الانتخابات القادمة المزمع إجراؤها منتصف العام 2023 - على نسبة لا تتعدى (40%) من الأصوات، وبعضها يتدنى بالنسبة إلى نحو الـ (33%). ويشار إلى أنّ أصوات "العدالة والتنمية" كانت قد وصلت إلى حدود الـ (50%) في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2015، ما مكنه في حينه من الانفراد بتشكيل الحكومة. في حين أنه وفي عام 2018، لولا تحالفه مع حزب "الحركة القومية" اليميني لفقد الأغلبية في البرلمان، وبالتالي كان سيغادر موقع الحكم.

إقرأ أيضاً: هل تتسبب أنشطة التجسس التركي بتوتر جديد للعلاقات بين أوروبا وأنقرة؟.. دراسة تجيب

وإذا ما أُخذ بعين الاعتبار بأنّ التوقعات تشير أيضاً إلى أنّ حزب  "الحركة القومية"، حليف العدالة والتنمية في الائتلاف الحاكم الحالي، سوف لن يتجاوز حاجز الـ (10%) من الأصوات، وهي العتبة اللازمة لأيّ حزب حتى يدخل تحت قبة البرلمان، فإنّ ذلك يعني بأنّ حزب العدالة والتنمية سيكون مُهَدّداً فعلاً بخسارة موقعه في الحكم لأول مرة منذ العام 2002.

باتت شعبية ونسب تأييد العدالة والتنمية تصل إلى أدنى مستوياتها منذ وصول الحزب إلى الحكم عام 2002

وبحسب هذه الأرقام أيضاً فإنّ الرئيس رجب طيب أردوغان سيواجه صعوبة بالغة في تحقيق الفوز بالانتخابات الرئاسيّة التي ستكون مصاحبة للانتخابات النيابية، وخاصّة في ظل صعود منافسين أقوياء وبخاصة من مرشحي الحزب الجمهوري.

ويعبّر هذا التراجع عن وجود قطاعات متزايدة من الشعب التركي، وتحديداً ضمن الفئات الأحدث سنّاً، باتت ترى في قيادات الأحزاب الجديدة فرصة لتحسين أوضاع البلاد، وبخاصّة على المستوى الاقتصادي؛ إذ إنّ التراجع الفعليّ لشعبية العدالة والتنمية قد بدأ فعليّاً في عام 2018 حين دخل الاقتصاد التركي مرحلة ركود للمرة الأولى منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002. وقد تجسّد هذا التراجع عند خسارة الحزب مدن إسطنبول وأنقرة وغيرهما من المدن التركية الكبرى، أمام حزب الشعب الجمهوري المعارض، في الانتخابات المحلية لعام 2019.

حالياً يوجد (317) مقعد من نصيب "تحالف الجمهور" بنسبة (57.63%) من المقاعد مقابل (231) للتحالف المعارض

ارتفاع في شعبية أحزاب المعارضة

بحسب الاستطلاعات أيضاً، فإنّ أهم المنافسين المتوقعين لأردوغان على منصب الرئاسة، هما كُلّ من: منصور يافاش، والمنتخب عمدة للعاصمة التركية، أنقرة، في الانتخابات المحلية لعام 2019، وهو عضو في حزب الشعب الجمهوري. إضافة إلى أكرم إمام أوغلو، والذي أصبح العمدة الحالي لمدينة إسطنبول بعد انتخابه في الانتخابات المحلية التركية عام 2019، وهو كذلك عضو في حزب الشعب الجمهوري المعارض. ويضاف إليهما ميرال أكشنار، زعيمة حزب "الخير" المعارض.

ويعتبر حزب الشعب الجمهوري أحد أبرز أحزاب المعارضة والتي تشير التوقعات إلى تزايد نسبة الأصوات المتوقع أن يحققها في الانتخابات القادمة. وهو حزب معروف بتوجهه الديمقراطي الاشتراكي، مع التزامه بالاتجاه الكمالي العلماني. وقد حصل الحزب على نسبة (22%) من إجمالي أصوات الناخبين في انتخابات العام 2018، وهو يشكل الكتلة الأهم من المعارضة في البرلمان التركي حالياً.

يبرز حزب الخير كبديل مناهض لحزب العدالة والتنمية بين الناخبين ذوي الميول اليمينية القومية

ويستمد حزب الشعب الجمهوري الجزء الأكبر من دعمه من ناخبي المدن الكبرى والمناطق الساحليّة الجنوبيّة والغربيّة، حيث تقع معاقل الحزب الأهم في منطقة بحر إيجة (وبخاصة محافظة إزمير)، إضافة إلى منطقة شمال غرب بحر مرمرة (تراقيا التركية، وأدرنة). وعادةً ما تدعمه الطبقات الوسطى والعليا، بما في ذلك الضباط المتقاعدون والبيروقراطيون، والأكاديميون، إضافة إلى طلاب الجامعات والنقابات العماليّة.

خريطة نتائج الانتخابات عام 2018.. وتظهر المحافظات التي تمكن حزب الشعب من الظفر بها (باللون الأحمر)

ومن ثم يبرز حزب الخير (Good Party)، كأحد أهم أحزاب المعارضة المُرشّحة أيضاً لتحقيق زيادة في مقاعدها النيابيّة. وهو حزب ليبرالي وسطيّ قوميّ، أسسته ميرال أكشينار بعد انشقاقها من حزب الحركة القومية عام 2017. ويركّز الحزب في مطالبه على استعادة النظام البرلمانيّ وتحقيق النزاهة في القضاء ومكافحة الفساد في مؤسسات الدولة، كما ويُعدّ من أكثر الأحزاب الداعمة لنيل تركيا عضويّة الاتحاد الأوروبي.

ويتبنى الحزب فكراً قوميّاً مدنياً وديمقراطياً، وهو أكثر اعتدالاً من "القومية العرقيّة" التي يتبناها حزب الحركة القومية. ويبرز الحزب كبديل مناهض للعدالة والتنمية بين الناخبين ذوي الميول اليمينية القومية الذين تزداد خيبتهم من كلٍّ من حزب الحركة القومية، وحزب العدالة والتنمية.

إقرأ أيضاً: "من الممكن إنشاء عالم أعدل": على من تتلو مزاميرك يا أردوغان؟

شارك الحزب في انتخابات العام 2018، وحصل على (10%) من الأصوات، وحقق (43) مقعداً. وعقب الانتخابات دخل البرلمان ضمن "تحالف الأمة" المعارض، إلى جانب حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي، وحزب السعادة. وتشير الاستطلاعات الأخيرة له كثالث حزب من حيث نسبة التصويت المتوقعة، وبنسبة تصل إلى حوالي (13%)، ليتفوق بذلك بفارق جيّد على حزب الحركة القومية. كما وتُظهر البيانات الرسمية ارتفاعاً في عدد أعضاء الحزب، إذ إنه وخلال العام 2020 وحده انضمّ له قُرابة خمسة عشر ألف عضوّ، وبحيث بات عدد أعضائه يناهز اليوم النصف مليون عضو.

ومن ثم يأتي حزب الشعوب الديمقراطي، المعارض أيضاً. والذي يصطدم مع فكر الأحزاب القومية؛ إذ يرى الحزب أنّ تركيا دولة متعددة القوميات والشعوب، وبأنّ الحلّ فيها يكون في مشروع "الأمة الديمقراطية" التي تشكل وعاء لقوميات وشعوب تركيا. وقاعدة الحزب الأهم هي في المحافظات ذات الغالبية السكانية من الأكراد (في شرق وجنوب البلاد). وفي عام 2018 تمكّن من الحصول على ما يقارب الـ (12%) من الأصوات، كما وحاز رئيسه، صلاح الدين دميرتاش، على أكثر من (8%) من الأصوات في السباق الرئاسي حينها. وتشير التوقعات إلى حيازته في الانتخابات القادمة على نسبة مقاربة من نسبة "حزب الخير"، وبمقدار  يتراوح ما بين (13-14%).

ميرال أكشنار.. زعيمة حزب "الخير".. تبرز أحد المنافسين لأردوغان على منصب الرئاسة

خليط جديد من الأحزاب.. ومزيد من البعثرة للأوراق

شهد العامان الماضيان تأسيس عدد كبير من الأحزاب السياسية في تركيا، بما في ذلك أحزاب قامت على تأسيسها وانضمت إليها شخصيات سياسية بارزة وذات وزن. في تطورٍ من المؤكد أنه سيؤثر بشكل فاعل في الخريطة السياسية لتركيا، وعلى نتائج الانتخابات القادمة.

ويأتي في مقدمة الأحزاب المرشحة للتأثير في نتائج الانتخابات القادمة، الحزبان اللذان أسسهما كُل من وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو، ووزير الخارجية الأسبق ونائب رئيس الوزراء خلال الفترة (2009-2015) علي باباجان، اللذان كانا حليفين سابقين لأردوغان، وهما: "حزب المستقبل"، وحزب "الديمقراطية والتقدم".

أما حزب المستقبل فقد تم إطلاقه رسمياً في كانون الأول (ديسمبر) 2019، وبرئاسة أحمد داود أوغلو، وهو الذي كان قد عُرف بموقفه المعارض للتحوّل الدستوري الذي جرى إقراره في عام 2016، وتحوّل بموجبه النظام السياسي للبلاد من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي. وكان داود أوغلو قد صرحّ بعد انطلاقة الحزب بأنّ الحزب الجديد سوف يدفع باتجاه وضع دستور جديد يعيد البلاد إلى النظام البرلماني. وفي مسعىً منه لاكتساب أصوات الأقليات، أعلن بأنّ الحزب يؤيّد إقرار التعليم بلغات الأقليات، وذلك في تصادمٍ صريح مع مواقف تيار الأحزاب القومية، الذي ينتمي له حزب العدالة والتنمية. وقد تضاعف عدد الأعضاء المنتسبين لحزب المستقبل سريعاً، وحالياً يقدر عدد الأعضاء فيه بنحو (32,290).

أما حزب "الديمقراطية والتقدم"، الذي شكّله نائب رئيس الوزراء الأسبق، علي باباجان بعد انشقاقه كذلك عن حزب العدالة والتنمية، فقد انتخب باباجان زعيماً له في أول اجتماع للمؤسسين في آذار (مارس) 2020. ويتبنى الحزب الليبرالية ويساند التوجه نحو تعزيز العلاقات مع أوروبا والمساعي للانضمام للاتحاد الأوروبي، وحالياً وصلت إحصائية عدد أعضائه إلى (42,398).

قد لا تتمكن مثل هذه الأحزاب من تجاوز نسبة (2%) أو (3%) لكل منها من مجموع الأصوات في أفضل الحالات، إلا أنها بتحقيق مثل هذه النسب قادرة على التأثير في الميزان النهائي الإجمالي للانتخابات، وخصوصاً أنّ مثل هذه الأحزاب مُنشَقّة عن حزب العدالة والتنمية ما يؤشر إلى أنها قد تسحب معها جزءاً من القاعدة الانتخابية للحزب.

أحمد داود أوغلو خلال مراسم الإعلان عن انطلاقة حزب المستقبل

خطوات استباقيّة

في ظلّ التراجع في شعبية حزب العدالة والتنمية، وكذلك التراجع في القاعدة الانتخابية لحزب "الحركة القومية"، فإنّ التحالف الحاكم بدأ يتجه نحو تقديم مقترح يتضمن تعديلات على قانون الانتخابات. والمقترح الأبرز من ضمنها هو خفض عتبة دخول الأحزاب للبرلمان إلى أقل من (10%) من الأصوات، وبحيث تصبح (7%)، وذلك وفقاً لما أعلن عنه زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهجلي.

في حين نقلت صحيفة "جمهوريت" التركيّة عن أوساط قياديّة في حزب العدالة والتنمية أنّ الحزب يسعى لأن تكون العتبة الانتخابية (5%)، وربما (3%)، لأن ذلك قد يسمح أيضاً لبعض الأحزاب التركية الأصغر، والقريبة من حزب العدالة والتنمية، بالدخول إلى البرلمان والانضمام بالتالي إلى تحالف العدالة والتنمية، مثل حزب "السعادة"، وحزب "الوطن الكبير". في حين يبرز التخوّف من أنّ خفض العتبة إلى هذا المستوى قد يسمح لأحزاب صغيرة مناوئة بالصعود، مثل "المستقبل"، و"الديمقراطية والتقدم"، في حين أنّ الاكتفاء بالنزول إلى حاجز الـ (7%) مرتفع بما يكفي لمنعها من ذلك.

إقرأ أيضاً: جماعة غولن وحزب العدالة والتنمية.. لماذا انفضّ التحالف؟ ومتى وكيف بدأ الصدام؟

بالاضافة إلى ذلك، تدرس المقترحات تقسيم الدوائر الانتخابية الكبيرة في المدن إلى دوائر انتخابية أصغر، وبحيث يتم زيادة عدد الدوائر الانتخابية إلى (146) دائرة، ويكون لكلّ دائرة بحد أقصى خمسة نواب، وهو ما يصعب بالتالي على الأحزاب الصغيرة والجديدة فرصة الفوز بعدد مُهمّ من المقاعد في البرلمان، ويحصر المنافسة بالتالي بين مرشحي الأحزاب الأكبر.

ورغم تباين التحليلات إلا أنّ المؤكد يبقى أنّ المتغيرات التي تشهدها تركيبة وقاعدة الأحزاب التركية سيكون لها ردود فعل وانعكاسات على المشهد السياسي في البلاد خلال المرحلة القادمة، وحتى وإن تمكن حزب العدالة والتنمية من الاستمرار في الحكم فإنه سيكون مجبراً على توسيع تحالفاته وإحداث تغيير فيها، وهو ما يتطلب بالتالي حدوث تغيير في الميول السياسية والمواقف والتوجهات التي يتبناها الحزب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية