سودانيون يواجهون كورونا بالبصل والفلفل والليمون والكحول محلية الصنع

كورونا

سودانيون يواجهون كورونا بالبصل والفلفل والليمون والكحول محلية الصنع


25/03/2020

تبدو شوارع الخرطوم وأسواقها، حتى الآن، ورغم إجراءات وتوجيهات السلطات السودانية، برفع درجة الاحتياطات من فيروس كورونا، وإعلان حالة الطوارئ الصحيّة في البلاد؛ عصيّة على الإفراغ، والناس لا يغيرون عاداتهم، هي هي، قبل الجائحة وأثناء الوباء؛ يتلقفون بعضهم بالأحضان ويجلسون متلاصقين، ويحكون القصص، ويبثون الشكاوى لبعضهم عن أزمة الخبز والوقود، ويحكون عن فلول النظام السابق والثورة والشهداء وحكومة حمدوك والمؤامرات الخارجية لإجهاض الثورة المجيدة، بينما رذاذ لعابهم يتطاير في وجوه بعضهم، غير آبهين ولا عابئين بمآلات ذلك، يمدون ألسنتهم لإرشادات وزارة الصحة ولتوجيهات منظمة الصحة العالمية، ويمضون في حياتهم، وكأنّ هذا الوباء الفتّاك محض سردّية خيالية يحكيها العالم كلّه لتسليتهم.

فسيولوجيا السودانيين

يمضي حسن إبراهيم إلى عمله بسوق أم درمان الشعبيِّة، وهو يكحّ حتى يهتز، والجميع يصافحونه ويتمنون له عاجل الشفاء، بينما يأخذونه في أحضانهم، وعندما يعطس في وجوههم دون أن يستخدم منديلاً ورقيِّاً ويبعثر رذاذه في وجهوهم، يشمتونه، حتى ولو لم يحمد الله.

سياسيون من فلول النظام السابق يدعون أنصارهم ليل نهار إلى الخروج في تظاهرات لإحراج الحكومة ولو هلك الجميع

يعتقد حسن، مثل معظم السودانيين، أنّ شدة الحرارة، التي تتاخم 40 درجة هذه الأيام بالخرطوم، كفيلة بقتل الفايروس، وأنّ السودانيين بطبيعتهم (الفسيولوجية) ربما، غير قابلين للإصابة والعدوى، وأنّ أجسادهم التي تعرضت عبر عقود طويلة لأمراض مُختلفة، على رأسها الملاريا، وقاومتها حتى أضحت بلا فعاليّة، قادرة على هزيمة الكورونا.
يقول حسن لـ "حفريات": "أمارس عملي بشكلٍ عادي، وأذهب إلى النادي مساءً لأتسلّى بلعب الورق"، يواصل: "أعتقد أنني مصاب بحالة التهابية حادة، لذلك أتناول الكثير من السوائل الدافئة، والفاكهة التي تتضمّن فيتامين سي، وبالاستمرار على ذلك لمدة أسبوع، سأكون على ما يرام، أما حكاية كورونا هذه، فلن يصدقها إلا أحمق"!
التوعية والقانون
لربما سنسمع قريباً بحسن وزملائه في العمل، وأصدقائه في النادي، وأفراد أسرته، وقد أُخِذوا إلى الحجر الصحي، هذا إذا لم يحدث لهم مكروه، تُعقب الطبيبة هاجر الضوّ، التي سمعت حكاية حسن، وتستطرد: "وباء كورونا عالمي، لكنّ علاجه فردي في المقام الأول، لكن ما يواجهنا في القطاع الصحي، ليس شُحّ الإمكانيات فحسب، فهذا أمرٌ يُمكن التغلب عليه عاجلاً أم آجلاً، وإنما ثقافة المجتمع وخضوعه للإشاعات المُرسلة والمبثوثة في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة مقاطع الفيديو التي يبثها من ليس لهم علاقة بالقطاع الصحي والطبي، فهؤلاء يقدحون من رؤوسهم؛ لذلك فمن واجب السلطات الأمنيِّة منعهم بقوة القانون، لأنّهم يخربون جهود الحكومة والخبراء والعلماء في أمر جدي وخطير، ويدفعون المجتمع برمته إلى هلاكٍ وشيك، خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار أننا دولة شديدة الفقر والتخلف، لا تمتلك الحدّ الأدنى من البنية التحتية والإمكانيات التي تجعلنا نجابه هذا الوباء الفتّاك سريع الانتشار".

اقرأ أيضاً: كورونا في لبنان: هل يُعالج عناصر الحرس الثوري في مستشفيات حزب الله؟
تلفت هاجر الضوّ، في حديثها لـ "حفريات"، إلى الدور السلبي الذي يقوم به بعض رجال الدين، بتصويرهم الجائحة وكأنها مؤامرة كُفرِّية تستهدف المسلمين، مع أنّ معظم الدول التي ينتشر فيها الوباء إلى الآن، لا تقع في نطاق المجتمعات المسلمة، لكن للأسف كثيرون يصدقون هؤلاء، لذلك على وزير الشؤون الدينية والأوقاف اتخاذ خطوات جدّية إزاءهم، وإزاء صلاتي الجمعة والجماعة أسوة بكل المسلمين في العالم.

التنصل الأكبر

بالنسبة لـ "عبد الله شاكر"، فإنّه ينبغي على الجميع التنصل من الجميع، على السوداني أن يترك تسييس المرض القاتل، لا يمكن أن يظلّ الشارع منقسماً حيال فيروس كورونا، المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية بين الخوف والهلع من تفشيه واللامبالاة، وعلى الحكومة التشديد على تطبيق الإجراءات التي أعلنتها، وألا تتقاعس في تطبيقها، خاصة أنّ بعض الشباب ما يزالون يُسِّيرون مظاهرات واحتجاجات وينظمون تجمعات سياسية، الأمر الذي يشكّل خطراً عليهم وعلى غيرهم، هؤلاء ينبغي تسخير طاقاتهم الفائضة للعمل الطوعي في التوجيه والإرشاد والنظافة، أو منعهم بالقانون إذا لم يتوقفوا، لأنّ ذلك يُشكِّلْ تهديداً مُباشراً على الأمن الصحي العام.
حزمة أوجاع
تنتاب الخرطوم حالة من القلق والخوف، فالأوضاع الاقتصادية مُتردِّية للغاية، وبالكاد، وبعد جهدٍ مُضنٍ ومعاناة طالت، تمكّنت الحكومة الانتقالية من توفير الوقود والخُبز، وقضت على الصفوف مؤقتاً، لكن ما تزال الأقاليم خارج العاصمة تعاني.

اقرأ أيضاً: "طهران تتنكر لشعبها".. فيروس كورونا يفضح التمييز الطبقي في إيران
أكثر ما يقلق السلطات الصحّية السودانية، هي ثقافة اللامبالاة التي تسم السلوك العام للسودانيين؛ فالسوداني مجبول على التمرد، وتبدو السيطرة عليه وإلزامه بالبقاء في بيته أمراً شائكاً ومعقداً، فيما تعاني وزارة الصحة والمستشفيات العامة والخاصة من شحّ في الإمكانيات يصل حدّ العدم، وبالتالي فإنّ السبيل الوحيد لمكافحة (كورونا) هو الحجر المنزلي الإلزامي، وعدم الخروج من المنزل إلاّ للضرورة القصوى.

حساء الخفافيش وشواء العناكب

يقول الطبيب يوسف السيّد لـ "حفريات": "حالتا كورونا أعلنت عنهما وزارة الصحة السودانية، أحدهم توفّي، والثاني رهن الحجر، لكنّ كثيرين يتعقدون أنّ هذه ليست الحقيقة؛ لأنّه لم تجرِ، حتى الآن، حملات فحص عامّة، فحتى هاتين الحالتين تمّ اكتشافهما صدفةً، وبالتالي فإنّ الصدفة نفسها قد تجعلنا نكتشف لاحقاً أنّ الوضع أكثر سوءاً مما نتصور، حينها لن يجدي البُكاء على اللبن المسكوب" بحسب تعبيره.

سودانيون يعتقدون أنّهم في مأمن من المرض لأنّهم لا يحتسون حساء الخفافيش ولا يتناولون طبقاً من العناكب المشوية

السودانيون مسكونون بما يسمونه "اجتماعيات"؛ فالحياة هنا لا تعرف (الفردانية) والخصوصية، البيوت مفتوحة للجميع، غادون ورائحون، الأندية الرياضية والاجتماعية تعمل بكامل طاقتها، الناس يسهرون هنا، يلعبون الورق ويشاهدون التلفاز، ويناقشون السياسة والرياضية بأصوات عالية وأنفاسٍ لاهبة وهم ملتصقون ببعضهم، لا تردعهم جائحة ولا يصدهم وباء، حفلات الأفراح جارية على قدم وساق، الصالات وأزقة الأحياء تقترح كلّ ليلة حفلاً جديداً، وأخشى أن تتحول إلى سرادق أحزان، ما لم يكفوا عن ذلك.     
في غضون ذلك، تنتشر الإشاعات، ويستغلّ البعض الظروف الصعبة، والفقر الطاغي، وثقافة الوصمة، وهذا ما يزيد الطين بلة، يستطرد يوسف السرّ، ويشير إلى انتشار الترويج في الأسواق الشعبية لبعض الأعشاب التي يدعون أنها تقي من (كورونا)، فيما الوقاية لا تكون إلاّ بالحجر فقط.

اقرأ أيضاً: الكورونا وأوهام المعجزة الدينية
وتضيف "ثقافة اعتناق الخرافة"، عبء جديد على الحكومة، فكيف يمكنها إقناع من يعتقدون أنّهم في مأمن من المرض لأنّهم لا يحتسون حساء الخفافيش ولا يتناولون طبقاً من العناكب المشويّة! وإنّ تعاطي البصل والفلفل الأخضر والليمون والكحول محليِّة الصنع إجراءات كافية للوقاية من الوباء.

عائق اجتماعي وثقافي

"ما يواجه السودان مختلفٌ تماماً، حتى السياسيون من فلول النظام السابق يدعون أنصارهم ليل نهار إلى الخروج في تظاهرات، يريدون إحراج الحكومة حتى لو أدّى ذلك إلى هلاك الجميع، بمن فيهم هم أنفسهم، إنها العدميِّة في أسطع معانيها "عليّ وعلى أعدائي"، "فالموت للوطن"، تقول هبة رحمة الله، الباحثة الاجتماعية لـ "حفريات".

اقرأ أيضاً: كيف تعرف إذا كنت مصاباً بفيروس كورونا المستجد.. وماذا تفعل؟
وتضيف: "مشكلتنا إزاء محاصرة وباء كورونا مركبة ومعقدة، فإلى جانب شحّ الإمكانيات وضيق ذات اليد، ودور رجال الدين السلبي، وعبث السياسيين، وثقافة المجتمع المُعيقة، نجد  الحكومة نفسها متراخية في تنفيذ خططها لمحاصر المرض، فلم نرَ دوريات تجوب الأسواق والأحياء لتفض التجمعات وتأمر السابلة على غير هدى من أمرهم بالعودة إلى منازلهم، كما أنّ مبادرات المجتمع المدني ما تزال قيد التشكل، وكأنّ أحداً لا يهتم، وكأنّ الكورونا محض حكاية سخيفة لا يصدقها إلا من فقدوا عقولهم، وحين تسود ثقافة تغييب العقل بهذه الطريقة، فإنّ على الجميع أن يشعروا بالخطر، وألا يكتفوا بوضع أيديهم على قلوبهم، وإنما عليهم أن يبادروا من فورهم إلى تنظيم حملات للتوعية والإرشاد، والضغط على الحكومة لتفعل برنامجها المطروح في هذا الصدد، وإلا فإنّ الكارثة لا محالة واقعة، وحينها يصبح ما حدث في إيطاليا وإسبانيا وإيران محض هامش تحت السردية السودانية العظمى.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية