
ترجمة محمد الدخاخني
فور انهيار حكومة بشار الأسد في سوريا، أخذَ "حزب الله" وإيران يُراقبان الوضع عن كثب لمعرفة الكيفية التي سيؤثِّر بها الأمر على خطوط إمداد الأسلحة بين العراق ولبنان. وحتّى قبل فرار الأسد من العاصمة، لا بُدّ أنّ الأخبار التي وردت يوم الجمعة الماضي عن استيلاء "قوات سوريا الديمقراطية"، حليفة الولايات المتحدة، على معبر البوكمال كانت قاسية، حيث كان المعبر يُستخدَم لإعادة تسليح "حزب الله".
وعلى نطاق أوسع، ما تشهده المنطقة هو شلٌّ لما يُسمَّى بـ "محور المقاومة" الذي بنته إيران على مرِّ السنين، وهو تحالف إقليمي يضمُّ دولاً وجهات فاعلة غير حكومية، بما في ذلك "حزب الله" في لبنان، و"حماس" في الأراضي الفلسطينية، وسوريا الأسد، و"قوات الحشد الشعبي" في العراق، وجماعة الحوثي في اليمن، فضلاً عن ميليشيات إسلاموية طائفية في أفغانستان وباكستان.
وفي أعقاب هجوم "حماس" على إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، سعت هذه الشبكة إلى الردّ بطريقة مُنسَّقة على الانتقام الإسرائيلي من غزة. وقد فعلت ذلك وهي ترفع لافتة استراتيجية شديدة الخطورة ابتكرتها إيران وحلفاؤها وأطلقوا عليها "وحدة الساحات"، والتي نصَّت على أنّه إذا هاجمت إسرائيل عضواً واحداً من "محور المقاومة"، فإنّ الأعضاء الآخرين عليهم التدخُّل لدعم الحليف المعني.
وقد كانت العواقب كارثية. لكن من عجيب المفارقات أنّ الأسد بدا وكأنه توقَّع المخاطر، وحاول توجيه سوريا بعيداً عن حربي غزة ولبنان. ومع ذلك، لم يكن هذا لينقذه، لأنّ تقويض الحرب في لبنان لواحد من الركائز الأساسية التي تدعم حكمه، وأعني "حزب الله"، ربما سرَّع الهجوم على المناطق التي تسيطر عليها حكومته في ذلك الوقت، حتى لو لم يكن السبب بالضرورة.
وفي لبنان، حتى لحظة سقوط الأسد، سعى "حزب الله" وإيران دائماً إلى العودة إلى وضع ما قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي. وقد كان هناك شيء غير واقعي للغاية في مثل هذا التفكير، خاصَّة بعد أن شن الإسرائيليون هجومهم على لبنان في أيلول (سبتمبر) الذي استهدف "حزب الله" وأدَّى إلى مقتل أمينه العام السابق حسن نصر الله. لكن بينما تغيَّرت الأوضاع، أصرَّ "حزب الله" وإيران على التظاهر بأنّ شيئاً لم يتغير.
وما يزال "حزب الله" يتبنّى هذا الموقف، فقد سعى أمينه العام نعيم قاسم إلى الحدّ من نطاق "قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701" في خطاب ألقاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي يوم الخميس الماضي، زاعماً أنّ القرار لا ينطبق إلا على جنوب نهر الليطاني. والواقع أنّ القرار يشمل أكثر من ذلك بكثير، ويُعزِّز قراراً آخر، وهو القرار (1559)، الذي يهدف إلى نزع سلاح جميع الميليشيات في لبنان.
أدَّت نهاية حكم الأسد إلى تحويل السياق الإقليمي بالكامل. فربما ما تزال شبكة تحالفات إيران قائمة على الورق، لكنّ محورها، سوريا، لم يعد موجوداً. والآن يجد "حزب الله" نفسه معزولاً في لبنان، في مواجهة مجتمع تُعارِض فيه معظم الفصائل السياسية بشدة احتفاظ الحزب بسلاحه. كما ولَّت الأيام التي كان فيها المسؤولون الإيرانيون قادرين على السفر إلى بيروت لإصدار التعليمات إلى نظرائهم اللبنانيين.
بالإضافة إلى ذلك، ما قيمة "محور المقاومة" إذا كانت إسرائيل قد أعادت صياغة معادلة الردع بشكل كامل لصالحها؟ وبعبارة أخرى، إذا كان الهجوم على إسرائيل يؤدي إلى تدمير انتقامي كبير لأراضي المحور، خاصَّة إيران نفسها، فإلى أيّ حد يمكن أن يشارك أعضاؤه في عمليات عسكرية مستقبلية ضد إسرائيل؟
قد يشعر "حزب الله" قريباً بردود فعل غاضبة من جانب أبناء الطائفة الشيعية في لبنان. وبالفعل، هناك الكثير من الازدراء لإيران داخل الطائفة، التي تشعر بأنّ طهران تخلَّت عنها. ولن يؤدِّي زوال الأسد السريع بشكل مريب إلا إلى زيادة عدم الثقة. وسوف يتساءل كثيرون عن الغرض من سنوات التضحية التي ذهب خلالها شباب "حزب الله" للقتال والموت في سوريا؟
ما الهدف الذي تحقَّق من فتح "حزب الله" جبهة مع إسرائيل، بخلاف دعم إيران ومصالحها؟ والآن تحولت مساحات شاسعة من المناطق ذات الأغلبية الشيعية في لبنان إلى أنقاض، وكل هذا من أجل الحفاظ على التحالف الذي تقوده إيران، والذي انهار في لمح البصر في دمشق.
بدءاً من اليوم، سيحتاج "حزب الله" والإيرانيون إلى إعادة النظر في استراتيجيتهما الإقليمية بالكامل. وكانت قوة إيران راسخة في مجتمعات مجزَّأة في دول عربية مُختلة وظيفياً، دول انحرفت في كثير من الأحيان لخدمة مصالح طهران. وقد أدَّى هذا بالفعل إلى توليد استياء كبير في مختلف المجتمعات في الشرق الأوسط.
ويتعيَّن على "حزب الله" أيضاً أن ينخرط في إعادة تقييم كاملة لأفعاله في لبنان وسوريا. فلم يَعُد بوسعه أن يتجاهل حقيقة مفادها أنّ سلوكه في الداخل أثار قدراً كبيراً من العداء في صفوف مختلف الطوائف، الأمر الذي ترك الحزب مُعلَّقاً وحده في حربه مع إسرائيل. أرغم مقتل نصر الله، وخليفته الواضح هاشم صفي الدين، إيرانَ على تولي دور قيادي في "حزب الله"، وهو ما زاد من ابتعاده عن الواقع في لبنان. ولكنّ الحزب يرفض الآن بعناد الاعتراف بالخطأ، ومن المرجح أن يستمر في الدفاع عن سلاحه مهما حدث.
وإذا فعل ذلك، فسوف يكون هذا بمثابة علامة أخرى على غطرسته وصممه. فحتى قبل بضعة أيام تعهَّد نعيم قاسم بالوقوف إلى جانب سوريا ضد "الجماعات الإرهابية"، على الرغم من أنّ مصير الأسد كان محسوماً. ومن الواضح أنّ الأمين العام الجديد ليس أكثر من واجهة للقوة الإيرانية، ولكنّ "حزب الله" سيرتكب خطأ إذا افترضَ أنّه قادر على البقاء في السياق الطائفي اللبناني الغادِر إذا ظلَّ دُميةً في يد الإيرانيين.
ربما يرتكب "حزب الله" الآن خطأ مماثلاً لذلك الذي ارتكبه الأسد. فقد رفض الأخير التفاوض عندما كانت له اليد العليا، ولم يرغب في التنازل عن أيّ شيء من موقع القوة، في مقابل مكاسب قَيِّمة؛ ولهذا السبب فقد كل شيء. ومن خلال رفضه تقديم تنازلات في لبنان، فقد يجد "حزب الله" نفسه أيضاً مضطراً إلى الاختيار بين خيارات متزايدة البؤس.
المصدر:
مايكل يونغ، ذي ناشيونال نيوز، 11 كانون الأول (ديسمبر) 2024