زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق بين البحث عن الدور وقبض الثمن

زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق بين البحث عن الدور وقبض الثمن

زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق بين البحث عن الدور وقبض الثمن


07/05/2023

ربّما لا نبالغ في القول إنّ زيارة الرئيس الإيراني لدمشق تكتسب أهميتها من عمق التحولات التي يشهدها الملف السوري على صعيد علاقات طهران مع دمشق قبل اندلاع الثورة السورية وخلالها، والانفتاح العربي والتركي على حكومة دمشق، بما فيه من عناوين إعادة العلاقات الدبلوماسية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بالتزامن مع تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاساتها على الملف السوري.

ولعل الحقيقة المؤكدة قبل تحليل مدارات هذه الزيارة أنّها تفتح مسارات تأويل جديدة، أكثر ممّا تقدم إجابات عن تساؤلات مفتوحة تُطرح حول سوريا، لا سيّما بعد المقاربات العربية التي تم طرحها مبكراً من قبل الأردن، ولاحقاً من قبل المملكة العربية السعودية، خاصةً بعد الإعلان عن اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، وبمرجعية إعادة سوريا إلى حضنها العربي بوصفه سبيلاً لإبعادها عن التأثير الإيراني.

الهدف الرئيس للزيارة يتجسد بثبيت التحالف مع دمشق في أبعاده الاستراتيجية، وقبض ثمن مساندة النظام منذ عام 2011، من خلال استرداد ديون طهران على دمشق والبالغة حوالي (36) مليار دولار

فعلى صعيد العلاقة الثنائية بين دمشق وطهران، وبعيداً عن شعارات "انتصار الإرادة السياسية لجبهة الممانعة والمقاومة، وعزم طهران على تعزيز نفوذها بمحاذاة فلسطين"، والشعار الجديد القائل "وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل"، من الواضح عبر تركيبة الوفد الإيراني، الذي ضم وزراء اقتصاد واستثمار، أنّ الهدف الرئيس للزيارة يتجسد بثبيت التحالف مع دمشق في أبعاده الاستراتيجية، وقبض ثمن مساندة النظام منذ عام 2011، من خلال استرداد ديون طهران على دمشق والبالغة حوالي (36) مليار دولار، ومنح طهران أولوية في إعادة إعمار سوريا، في مشاريع استثمارية واقتصادية متنوعة، اعترافاً من دمشق بفضل إيران عليها، وهو ما تقرّ به القيادة السورية، التي أنتجت مقاربة جديدة بعد الانفتاح العربي عليها بعنوان "إنّ دمشق قادرة على إنتاج مقاربات لا تتناقض فيها التزاماتها مع الدول العربية الشقيقة مع التزاماتها تجاه إيران"، وهي مقاربة من المؤكد ستكون تحت رحمة اختبارات دائمة، وربما تحيط بها شكوك عميقة، لا سيّما أنّها تضرب عميقاً الهدف الاستراتيجي العربي من الانفتاح على دمشق، على الأقل بضبط الدور والتأثير الإيراني في سوريا، الطامح باسترداد ديونه بالاستيلاء على أراض ومشاريع تنتمي لحقول استراتيجية سورية، تشكّل عناوين للدولة السورية لما تشكّله من دلالات على السيادة والاستقلال.

من المؤكد أنّ الكرة أصبحت في ملعب دمشق

الانفتاح العربي على دمشق، بعناوينه المعروفة التي من غير الواضح فيما إذا كانت اشتراطات: تسوية سياسية سورية، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، ووقف تهريب المخدرات من سوريا إلى الدول العربية، وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، والعلاقة الاستراتيجية بين سوريا وإيران، وترجمات هذه العلاقة مستقبلاً، ليست فقط هي عناوين الفاعلين في الملف السوري، فهناك فاعلون آخرون في هذا الملف، تكتسب مواقفهم أهمية أكبر، نظراً لتواجدهم عسكرياً على الأراضي السورية.

في مقدمة هؤلاء الفاعلين روسيا، التي رغم انشغالاتها في الحرب مع أوكرانيا، وما تردد حول تراجع دورها الميداني في سوريا بعد سحب بعض قواتها وأسلحتها للمشاركة في الحرب مع أوكرانيا، إلّا أنّ المرجح أنّها، وإن كانت تؤيد الانفتاح العربي على دمشق، إلّا أنّ إيران تُعدّ منافسة لموسكو، وربما تأخذ من حصة موسكو في سوريا، مع ظهور منافس أكثر خطورة بالنسبة إلى موسكو يتمثل في الصين، الطامحة بلعب أدوار اقتصادية وسياسية في المنطقة، بعد نجاحها بالتوصل إلى اتفاق المصالحة بين الرياض وطهران، وهو ما يعني أنّ موسكو ستكون أكثر حذراً في التعاطي مع الدور الصيني الجديد، وحدود آفاق تعاونه مع إيران في سوريا، لا سيّما إذا ما ذهبت بعيداً بإنجاز اتفاق جديد بين سوريا "حليفة إيران" على صعيد العلاقة مع إسرائيل، ولا يستبعد أنّ موسكو تُعوّل على تحالفها مع أنقرة "خاصة إذا نجح الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية" لضبط أدوار إيران وحدود تأثيرها في سوريا.

الانفتاح العربي على دمشق، بعناوينه المعروفة التي من غير الواضح فيما إذا كانت اشتراطات، ليست فقط هي عناوين الفاعلين في الملف السوري، فهناك فاعلون آخرون في هذا الملف، تكتسب مواقفهم أهمية أكبر، نظراً لتواجدهم عسكرياً على الأراضي السورية

ثاني الفاعلين أمريكا والدول الأوروبية ومعهما إسرائيل، فهذه القوى تبني مواقفها بمرجعية تطورات المفاوضات حول الملف النووي الإيراني، لا سيّما بعد تقديم إيران أسلحة لروسيا في الحرب الأوكرانية، وحدود النفوذ والتأثير الذي يمكن أن تقدمه دمشق لطهران، والتعامل مع الملف السوري بكون مستقبل سوريا سيكون جزءاً من تداعيات حرب روسيا على أوكرانيا، ومن الواضح أنّ هذا المحور ما يزال يتحفظ على الانفتاح العربي على دمشق، ويطالب بدلاً من ذلك بتقديم قيادات النظام السوري للمحاكم الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ومن المرجح أنّ هذا الموقف قابل للتعديل في حال حدوث تطورات باتخاذ مواقف جديدة من دمشق تجاه إيران وإسرائيل، يبدو أنّها ستكون مرتبطة بصورة مباشرة بالكيفية التي ستنتهي فيها حرب روسيا على أوكرانيا.

ربما لا تكون عودة سوريا إلى مؤسسات الجامعة العربية سوى مظهر شكليّ، لا يعني دمشق كثيراً بعد الانفتاح العربي عليها، لكنّ المؤكد أنّ الكرة أصبحت في ملعب دمشق، وسيكون سلوكها القادم تجاه ما يمكن وصفه بـ "المطالب العربية"، بما فيها تحقيق تسوية سياسية سورية، وتسهيل عودة اللاجئين السوريين، وإظهار ما يثبت إجراءات سورية لوقف تهريب المخدرات، معياراً رئيساً في مستقبل تلك العلاقات، ويبدو أنّ المقاربة الأردنية التي تم التأكيد عليها مجدداً في اجتماع عمّان لوزراء الخارجية العرب مؤخراً، ومضمونها "الخطوة بخطوة"؛ أي إعادة سوريا إلى الجامعة والانفتاح عليها، بالقدر الذي تستجيب فيه دمشق للمطالب العربية، سيتم اعتمادها موقفاً عربياً موحداً، يجيب عن تساؤلات حول ما الذي ستقدّمه سوريا مقابل هذا الانفتاح العربي عليها، ويخفف من تحفظات عربية على الانفتاح على دمشق.

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية