روائي فلسطيني يقيم حفلاً لتوقيع روايته على بسطته لبيع القهوة

روائي فلسطيني يقيم حفلاً لتوقيع روايته على بسطته لبيع القهوة


19/09/2019

في السابعة صباحاً من كل يوم، يغادر الروائي الفلسطيني منزله، ليس إلى مكتبه في وزارة الثقافة، أو  في اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، أو في مؤسسة ثقافية، كما كان يحلم؛ بل إلى عربته الصغيرة "البسطة" التي أقامها بالقرب من مؤسسة الهلال الأحمر الفلسطيني، في مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، منتظراً المارة، وسائقي التاكسي لشراء القهوة.

يضع هاني السالمي إلى جانب "البسطة" التي يبيع فيها القهوة عدداً من مؤلفاته الأدبية والقصصية ليقرأها الزبائن

وتعدّ القهوة بالنسبة إليه رفيقته الدائمة، التي كان يتلذّذ بتناولها عندما كان يكتب الروايات والقصص، واليوم أصبحت رفيقته في كسب الرزق، وتحدي الظروف المعيشية.
هاني السالمي (41 عاماً)؛ كاتب وروائي فلسطيني من قطاع غزة، صدرت له عدة روايات وقصص قصيرة، اختصّ بأدب الأطفال، وحاز على عدة جوائز محلية ودولية، وكان له دور في تدريب عدد من الشباب والفتيات على كتابة الرواية والقصص القصيرة، حتى أصبحوا كُتّاباً لهم أعمالهم الأدبية.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع الجوائز الأدبية أن تصنع نجوماً؟
ظروف غزة القاسية حوّلت السالمي من كاتب قصص إلى قصّة يكتب عنها الصحفيون؛ فبعد فقدانه الأمل في الحصول على وظيفة، أو مهنة، قرّر أن يجد لنفسه مهنة لتوفير ثمن رغيف خبز يطعمه لبناته الأربع.
افتتح الأديب الفلسطيني، الذي تخرّج في كلية العلوم بجامعة الأزهر، عام 2002، وحصل على عضوية اتحاد الكُتّاب الفلسطينيين، عام 2007، عربة صغيرة "بسطة" لبيع القهوة والمشروبات الساخنة، في محاولة منه للتغلب على ظروفه القاسية، التي يعاني منها منذ سبعة عشر عاماً. 
ويقدّم الروائي السالمي القهوة لزبائنه بهندامه الأنيق، ويتحدث إليهم بلغة مختلفة عن لغة الباعة، التي اعتاد عليها الزبائن، الأمر الذي دفع كثيرين من سكان المدينة إلى زيارة "بسطته" المتواضعة، لتناول القهوة، والاستمتاع بقراءة الروايات.
صدرت له عدة روايات وقصص قصيرة

الكتابة لم تعد تطعم خبزاً
ويقول لـ "حفريات" إنّ "الكتابة والأدب روح الإنسان، لكن في قطاع غزة المحاصر، لم تعد تطعم خبزاً، ولا تروي عطشاً، فعملت في عدد من المهن؛ نجار وشيّال، ومدرّب بالأدب، إلى أن زاد السوء والاحتياج في الأسرة للمصاريف، فقرّرت العمل على عربة صغيره "بسطة" لتكون مقهى يستمتع رواده بقراءة القصص وسماع معلومات ثقافية، فجمعت أدوات من المنزل لافتتاح مشروعي البسيط".

اقرأ أيضاً: رواية "الإصبع السادسة".. الهروب إلى التاريخ لفهم الحاضر

ويضيف: "في البداية كنت أشعر بالخجل، خاصة عند مرور زملائي بالدراسة، أو أحد تلاميذي في كتابة الروايات والقصص، لكنّني كسرت هذا الحاجز، واستسلمت للواقع الذي جعلني بائعاً للقهوة، بعد أن كنت كاتباً مشهوراً، فأنا أقدّم للزبائن أعمالي الأدبية والقصصية، ليطّلعوا عليها أثناء تناولهم القهوة، ليشعروا باللذة التي كنت أشعر بها عند كتابة تلك الأعمال".
ويضع الكاتب إلى جانب "البسطة" التي يبيع فيها القهوة، عدداً من مؤلفاته الأدبية والقصصية، ليقرأها الزبائن وهم يتناولون القهوة، ومن ثم يتناقشون معه فيما قرؤوا ويتبادلون الحديث معاً، وتعود به الذاكرة إلى الوراء، ويستذكر الأعمال التي خطّها بيده.
التشجيع على القراءة
ويلفت الأديب السالمي إلى أنّه تعمّد وضع الكتب والروايات أمام الزبائن الذين يأتون لشراء المشروبات، لحثهم على القراءة وعدم إضاعة أوقاتهم دون الاستفادة منها، ولإيصال رسالة للآخرين بأنّه على الرغم من امتهانه مهنة تختلف عن تخصصه الجامعي وموهبته؛ إلا أنّه يسعى لنشر الفكر والوعي في المجتمع.

اقرأ أيضاً: الروائي البلقاني الأكثر شهرة في العالم يجعل بيته متحفاً
وبيّن أنهّ يفضّل الوجود في قطاع غزة، وبيع القهوة على الرصيف، والحصول على مبلغ زهيد، بالكاد يستطع سدّ رمق أبنائه، على مغادرة غزة بحثاً عن فرصة مجهولة، معتبراً الهجرة هروباً من الواقع، وتلبية لرغبة الاحتلال بإفراغ القطاع من الشباب، وتطبيق سياسة هجرة العقول".

تعمّد وضع الكتب والروايات أمام الزبائن الذين يأتون لشراء المشروبات
ويواصل حديثه: "الهجرة أسوأ مما نتصور؛ فهي تسرق زهرة شبابنا، وتقتلعنا من جذورنا، وتبعدنا عن أوطاننا، فأنا مع السفر للتعلم واكتساب الخبرات والعودة إلى أرض الوطن، لكن لست مع الذهاب إلى طريق مجهول، والموت في بعض الأحيان، فالعمل على بسطة في بلدي أفضل بكثير من العمل في مجال آخر خارجها".
وعود كاذبة
ويشير الكاتب الغزي إلى أنّه، رغم مشواره الأدبي الطويل، الذي يزيد عن اثني عشَر عاماً؛ إلا أنّه لم يحصل على وظيفة في أيّ من المؤسسات الثقافية، أو حتى وزارة الثقافة، أو اتحاد الكتّاب الفلسطينيين، لافتاً إلى أنّه كان يتلقى وعوداً بتوفير فرصة عمل، لكن دون جدوى.

اقرأ أيضاً: هكذا قاربت رواية "طرق الرب" طُرق البيروقراطية المقدسة
ولاقت الخطوة التي اتّخذها الكاتب إعجاباً كبيراً من أصدقائه والمثقفين، ومن نشطاء التواصل الاجتماعي؛ إذ إنّهم وصفوه بالإنسان المثابر الذي قرّر أن يتحدى ظروفه الصعبة، وأن يمتهن أيّة مهنة في سبيل توفير متطلّبات أسرته، مفضلاً ذلك على الهجرة والالتحاق بآلاف الشباب الذين تركوا وطنهم، متمنين له تحقيق طموحه وإيجاد فرصة حقيقة، وأن يعود من جديد لتأليف القصص والروايات والحصول على الجوائز.
وبعد انقطاعه عن الكتابة وتأليف الروايات والقصص؛ حصل الروائي السالمي على فرصة لإصدار رواية جديدة له من خلال اتحاد الكتّاب الفلسطيني، حملت اسم "المسيحي الأخير"، تحدّثت عن أعداد المسيحيين في قطاع غزة، والتي تتناقص بشكل كبير، محاولاً فهم سبب الرحيل.
لاقت الخطوة التي اتّخذها الكاتب إعجاباً كبيراً من أصدقائه والمثقفين

توقيع كتاب على الرصيف
ورغم استعداد إحدى المؤسسات الثقافية لرعاية حفل توقيع رواية "المسيحي الأخير"، وإقامته في أحد الفنادق، إلا أنّ مؤلّف الرواية رفض ذلك، وفضّل أن يقيم حفل التوقيع على الرصيف في الشارع وسط الناس، وأمام عربته التي يُقدّم فيها المشروبات الساخنة لزبائنه؛ حيث ناقش روايته مع كُتّابٍ وأدباء حضروا إطلاق الرواية.

أصبحت مهنة بيع القهوة على الطرق والمفترقات ظاهرة منتشرة بين الخريجين الذين لم يتمكّنوا من الحصول على فرصة عمل

وعن سبب رفضه توقيع روايته بأحد الفنادق، وإقامة الحفل على الرصيف، علّل قائلاً: "شعرت أنّ التوقيع سيكون للأشخاص الأغنياء، أصحاب القرافات "ربطات العنق"، لذلك اخترت أن أقيمها على الرصيف، إلى جانب العربة التي تعد مصدر رزقي الوحيد، ليكون حفل التوقيع مميزاً، خاصّة أنّ أغلب الحضور سيكونون بملابسهم الاعتيادية، والابتسامة الحقيقية حاضرة على شفاههم، وأتناول معهم القهوة التي أعدّها لهم بحب".
وتمكّن عضو اتحاد الكتّاب الفلسطينيين من نشر عدد من الروايات والقصص، وأشهرها: "الندبة"، "سرّ الرائحة"، "حين اختفى وجه هند"، "هذا الرصاص أحبّه"، "الظل يرقص معي"، "ماسة"، "المسيحي الأخير"، "قلب طابو"، "الأستاذ الذي خلع بنطاله"، "حافلة رقم 6"، وكتب رواية "الجنة الثانية" التي تحاكي قصة الجندي الإسرائيلي المختطَف في غزة، جلعاد شاليط، التي حظيت بتقييم مرتفع، فوصلت رواياته وقصصه إلى عدد كبير من دول العالم.
وتعدّ شريحة الكتّاب والمثقفين الفئة الأقل اهتماماً في قطاع غزة؛ فهم يعانون من عجز في المصادر والتمويل، ويضطرون إلى طباعة مؤلفاتهم على نفقتهم الخاصة، نظراً إلى ضعف التمويل وشحّ الموارد، وتراجع مستوى الاهتمام بالقطاع الثقافي والنهوض به إلى الأفضل.
غلاف الرواية

مهنة منتشرة
وأصبحت مهنة بيع القهوة على الطرق والمفترقات ظاهرة منتشرة بين الخريجين، الذين لم يتمكّنوا من الحصول على فرصة عمل بعد حصولهم على الشهادات الجامعية، نتيجة ارتفاع معدلات البطالة إلى 295 ألفاً، وارتفاع نسبة الفقر إلى 80%، بينما بلغت نسبة البطالة 54%، وفق إحصاءات الاتحاد العام لنقابات عمّال فلسطين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية