رفع المئات من قوائم الإرهاب بمصر يخلط أوراق الإخوان

رفع المئات من قوائم الإرهاب بمصر يخلط أوراق الإخوان

رفع المئات من قوائم الإرهاب بمصر يخلط أوراق الإخوان


25/11/2024

هشام النجار

 عكس قرار رفع مئات من قوائم الكيانات الإرهابية الذي اتخذته محكمة الجنايات المختصة بناء على توصية النيابة العامة في مصر، الأحد، وجود إرادة سياسية بجانب سلامة الشق القانوني لفتح صفحة جديدة وبابا لعودة التائبين من جماعة الإخوان إلى حضن الوطن والمجتمع.

جاءت هذه الخطوة في توقيت إقليمي حرج وتحديات صعبة تواجهها بعض الدول العربية التي لا تزال متماسكة، وفي مقدمتها مصر، وتعد كسرًا لخطوط تواصل مُفترضة بين جماعة الإخوان في الخارج وما تبقى من حضور وتأثير لها في الداخل، ما يكرس عزلتها ويجعل ما يقوم به قادتها وناشطوها في الخارج من تحريض وتشويه وبث شائعات بلا فاعلية.

وقررت محكمة الجنايات بمصر رفع أسماء 716 من قوائم الكيانات الإرهابية دفعة واحدة، بناءً على تفاعل النيابة العامة المصرية مع توجيه رئاسي صدر عن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن التعاطي الإيجابي مع من تثبت صحة توبته وابتعاده عن النشاط الإرهابي وفتح صفحة جديدة لهم للانخراط في المجتمع.

وطلبت المحكمة استبعاد مئات من المدرجين على قوائم الإرهاب بناء على ما ظهر من مراجعة لمواقفهم القانونية ومتابعة لأنشطتهم.

وكلفت النيابة العامة الجهات الأمنية بإجراء تحريات للوقوف على مدى استمرار نشاط كافة المدرجين على قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين تمهيدًا لرفع كل من يثبت توقف نشاطه من تلك القوائم.

ولأول مرة يتم استبعاد هذا العدد دفعة واحدة من قوائم الإرهاب في مصر.

وتحتاج مصر إلى التخفيف داخليًا من عبء ملف جماعة الإخوان التي لم تعد لها قوة حقيقية في الداخل، وتُوهم الأعداد المحبوسة من المحسوبين عليها أن لها قوة كبيرة ونفوذا ملموسا، عكس ما هو حاصل فعليًا.

ويتطلب هذا التوجه البدء في احتضان من تثبت توبتهم وابتعادهم عن النشاط الإرهابي والفكر المتطرف، واقتصار التعامل القانوني مع مرتكبي العمليات الإرهابية ممن أدانهم القضاء.

وقال الخبير في الحركات الإسلامية طارق أبوالسعد لـ”العرب” إن القرار يدل على أن مصر تتمسك بتطبيق القانون، وإن الحكومة لا تبحث عن الثأر أو الانتقام من كيانات أو أفراد، والقانون هو الحكم في النهاية.

وشدد أبوالسعد على أهمية الانتقال خلال هذه المرحلة من المواجهة الأمنية إلى الفكرية لتصحيح المفاهيم وتغيير القناعات، وأن التعامل القانوني لا يكفي، فمهما طالت فترة السجن سيخرج المدان بانتهاء فترة عقوبته، لكن هذا لا يعني أنه تخلى عن قناعاته الأيديولوجية وأفكاره المتطرفة.

ووفقًا للتوجه الجديد، الذي وُصف بأنه أتى تجاوبًا مع الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتحقيقًا للعدالة الناجزة وإعلاءً للقانون، تتضاعف مسؤوليات الجهات المعنية بنشر الوعي ومجابهة الأفكار المتطرفة، نظرًا إلى كون إعلان التخلي عن الإرهاب وعن الصدام المباشر مع الدولة لا يعني التخلي عن القناعات المتطرفة والتصورات العابرة للحدود الوطنية.

ورغم الترحيب بالقرار والتوجه الذي ينطوي على رغبة في احتضان من سبق التغرير بهم من قبل جماعات متطرفة تخدم مصالح خارجية، إلا أن بعض المراقبين أعربوا عن قلقهم من أن تستغل جماعة الإخوان المناخ الحالي لإعادة إحياء خططها في السبعينات عندما جعلت عفو الرئيس الأسبق أنور السادات عن قادتها وناشطيها بداية لبناء التنظيم والعودة مجددًا أكثر قوة وخبرة بأساليب التعاطي مع الواقع المعقد.

وفي ظل ضعف الأداء النخبوي والمجتمعي في ما يتعلق بتصحيح المفاهيم الفكرية، ثمة تخوفات من عودة جديدة تشبه عودة السبعينات لجماعة الإخوان، حيث ترغب خلال هذه المرحلة في وضع قدمها داخل المشهد، وتنشيط أيديولوجيتها المتمردة على المدى البعيد.

وأبدت دوائر مصرية هواجس من زيادة قدرة استغلال جماعة الإخوان في الخارج للأحداث والأوضاع في الإقليم لنشر تفسيرات سياسية مضللة بشأن قضايا معقدة مثل الحرب في غزة ولبنان.

وحصنت مصر عمقها من تأثيرات الدعاية والتحريض المكثف والممنهج الذي يمارسه قادة وعناصر الإخوان في الخارج من خلال تقويض هيكل الجماعة التنظيمي وإلقاء القبض على غالبية ناشطيها في الداخل، ما حرم الجماعة من إحداث قلاقل ووضع خططها لإعاقة المسار السياسي الحالي.

وعبر الفصل بين تقويض الهيكل والحضور الإخواني الداخلي ظل تأثير إخوان الخارج في أقل مستوياته، ونجحت أجهزة الدولة في التصدي لمخاطر كبيرة، وتمكن السلطة من المضي في المشاريع التنموية.

ويقلل خبراء من قدرة جماعة الإخوان على استعادة سيناريو السبعينات وإعادة بناء تنظيمها في الداخل مجددًا، لأن الظروف مختلفة محليًا وإقليميًا، بالنظر إلى أن هذه المرحلة تشهد انتكاسة غير مسبوقة لتيار الإسلام السياسي على المستويات الفكرية والعسكرية ووجوده في السلطة

وجرى اختبار برامج جماعة الإخوان في الحكم وثبت فشلها في غالبية الدول العربية، كما تم اختبار شعاراتها المتعلقة بتمثيل الأمة في التصدي الحضاري والنهوض بمشاريع التحرير، ونتجت عن ذلك مآس ونكبات سوف تظل عالقة في أذهان المصريين والعرب لعقود قادمة.

وبعد مرور المصريين بالعديد من التجارب الكارثية مع جماعة الإخوان، بات من الصعب تصور منحها فرصة من قبل قطاعات داخل المجتمع بعيدًا عن أعين الأجهزة الأمنية لتجديد النشاط وخلق الحاضنة والبدء تدريجيًا في تنفيذ خطط إعادة إحياء التنظيم عبر تسييس رؤى المتدينين والانتشار في طبقات فقيرة بهدف قلب الأوضاع وشق المجتمع من داخله.

ولم يعد لدى جماعة الإخوان بعد أحداث مفصلية انخرطت فيها، بداية مما عُرف بالربيع العربي مرورًا بالصراعات والحروب الأهلية وصولًا إلى تداعيات الانخراط في محور إيران، رؤى متماسكة تسوقها جماهيريًا لنيل تعاطف شعبي، في ما يتعلق بمزاعم خدمة الدين والانتصار لقضايا الأمة.

وتراهن القيادة المصرية على الفحص الدقيق من قبل الأجهزة الأمنية المعنية، وهو الأمر الذي لم يكن على المستوى المطلوب في حقب سابقة وكان في أدنى مستوياته خلال فترة حكم الرئيس السادات، علاوة على الرهان على الوعي المجتمعي الذي يؤشر لمرحلة تمصير من بقي من جماعة الإخوان بالداخل عقب إعلان توبتهم، عكس خطط الجماعة القديمة المتعلقة بمحاولة خلق حاضنة مجتمعية لنشاطاتها.

ووفقًا لقانون تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين في مصر الصادر عام 2015، فإن إدراج أيّ تنظيم أو أشخاص على تلك القوائم يكون لفترة زمنية يمكن تكرارها ويتبعها تلقائيًا التحفظ على الأموال والإدراج على قوائم ترقب الوصول والمنع من السفر.

وبعد قرار الاستبعاد من القوائم يكون لكل مستبعد كامل حقوقه دون انتقاص، في المال والسفر والانتقال والترشح أو التصويت، فيعود مواطنًا طبيعيًا كغيره من الملايين من المصريين.

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية