رفع السودان من قوائم الإرهاب: دعاية لترامب وتحفيز لنتنياهو

رفع السودان من قوائم الإرهاب: دعاية لترامب وتحفيز لنتنياهو


25/10/2020

عبر حسابه على موقع تويتر، فاجأ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الشعب السوداني، باقتراب موعد رفع اسم بلاده من قوائم الإرهاب، التي ظلّ السودان يتصدّرها، عبر ثلاثة عقود.

تمّت إضافة السودان إلى قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب، عام 1993، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، وذلك بتهمة إيواء جماعات تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية

استقبل الشعب، والدولة، هذا الخبر باحتفاء كبير؛ إذ إنّه سيمكّن البلاد من الوصول للشبكات المالية العالمية، التي ظلت في حرمان تامّ منها، طيلة حكم نظام الإخوان البائد، كما أنّ هذا القرار يعطي انطباعاً عاماً بأنّ السودان ينتقل، وبسلاسة، إلى حكم مدني ديمقراطي، ويحقّق مسيرة الإصلاح الثوري التي سعى إليها الشعب في انتفاضة كانون الأول (ديسمبر).

اقرأ أيضاً: هل يدرج السودان قريباً حزب الله اللبناني على قوائم الإرهاب؟

اشترط ترامب على الحكومة الانتقالية، برئاسة عبد الله حمدوك، دفع مبلغ مالي قدره 335 مليون دولار، كتعويضات لضحايا الهجمات، على السفارتَين الأمريكيتَين في كندا وتنزانيا، عام 1998، وكذلك حادث المدمرة الأمريكية في اليمن، عام 2000، بينما يرى مراقبون أنّ لهذا القرار أبعاداً أخطر من مساعدة السودان.

لمصلحة من؟

هذا القرار سيمنح السودان، أحد أكبر دول أفريقيا جنوب الصحراء، الحقّ في الحصول على المساعدات الأجنبية مرة أخرى، وفرصاً استثمارية، وسيخفّف من الديون، التي تجاوزت 60 مليار دولار، فضلاً عن المساعدات العسكرية، وإعادة فتح سوق المال أمام الشركات، وسيعزّز مصداقية حكومة حمدوك، لا سيّما في ظلّ ما تواجهه من احتجاجات شعبية تطالب بالإسراع في عملية الإصلاح الاقتصادي، والتي ستصبح أكثر سلاسة مع رفع البلاد من قوائم الإرهاب.

اشتراط هذه التعويضات من قِبل ترامب، يجعل من قراره، محض دعاية انتخابية

لكنّ اشتراط هذه التعويضات من قِبل ترامب، يجعل من قراره، محض دعاية انتخابية، تظهر للناخب، مدى قوّة بلاده، وهي دعاية يحتاجها ترامب أيّما احتياج، في ظلّ وجود منافسه الأكبر، جوزيف بايدن.

اقرأ أيضاً: ماذا فعل الترابي بالسودان؟

وبحسب البروفيسور المشارك في معهد الدراسات الدولية في جامعة كيبيك بكندا، الدكتور وائل صالح؛ فإنّ قرار واشنطن، المتضمّن رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب، مقابل تعويضات ضحايا أمريكيين، في هذا الوقت تحديداً، يصبّ في صالح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يستعد لمعركة انتخابية شرسة، الشهر المقبل، ويصبّ في صالح  المجلس الانتقالي السوادني.

اقرأ أيضاً: هذا ما تستفيده السودان بعد رفع اسمها من قوائم الإرهاب

وهناك منافع متبادلة تصبّ في مصلحة الجانب الأمريكي، وكذلك السوداني، الذي يرغب في إدماج بلاده في المجتمع الدولي من جديد، وتطبيع علاقاته بالدول الأخرى، في أقرب فرصة ممكنة، كما أبلغ صالح "حفريات"، أما بخصوص من  سيدفع التعويضات حقيقة، "فهناك قولان: أولهما؛ أنّ المجلس الانتقالي السوادني هو من سيدفع مستنداً إلى التصريحات السودانية الرسمية،  ورأي آخر يدّعي أنّ دول عربية ترغب في مساعدة السودان، للخروج من أزمته الطاحنة، التي سبّبها له حكم البشير الإسلامي، وهي من ستتكفل حقيقة بدفع مبلغ التعويضات، أو على الأقل جزء كبير منه، في كلّ الأحوال؛ ما يهمني هنا، كباحث في الإسلاموية، الإشارة إلى التكلفة الباهظة لحكم نظام الإخوان في السودان، على كلّ المستويات".

اقرأ أيضاً: أبرز ردود الفعل على قرار ترامب رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب

  إذ كان تقسيم السودان أهمّ ملامح الخراب في ظلّ حكم جماعة الإخوان المسلمين التي توصف بالإرهابية، الذي استمرّ لثلاثة عقود، بعد انقلاب عسكري دبّرته الجبهة القومية الإسلامية (الفرع السوداني لجماعة الإخوان المسلمين)، وأطاحت من خلاله حكومة شرعية منتخبة، فما يهمّني، يقول صالح، هو "تخيّل مدى التكلفة التي ستتحملها الحكومات القادمة، لدول مثل قطر وتركيا وإيران، مع سجلاتهم المعروفة للقاصي والداني، في دعم الجماعات المتطرفة".

ما علاقة إسرائيل؟

تداولت وسائل إعلام عالمية، في الأسابيع القليلة الماضية، عدّة تقاير حول مشروع لتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل، كان آخرها ما نشرته صحيفة "والا" العبرية، عن زيارة وفد إسرائيلي، الخميس الماضي، إلى الخرطوم، برفقة مسؤولين من الولايات المتحدة، لمناقشة قرار التطبيع، الذي زعمت الإعلان عنه هذا الأسبوع، ويرى الدكتور وائل صالح؛ أنّ الانقسامات في التحليلات حول مسألة تطبيع السودان علاقتها مع إسرائيل، تعكس تشوشاً في اتخاذ مثل هذا القرار، فهناك من يقول إنّ رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب مرتبط في الأساس بالتطبيع مع إسرائيل، وهناك تحليلات تستند إلى تصريحات رسمية سودانية تقول إنّه لا علاقة بين الأمرين، لكنّ بعض الحكومات العربية المعاصرة، صارت تؤمن بأنّ هذا الصراع (العربي الإسرائيلي)، قد أهدر أجيالاً كاملة، لذا آن أوان تدمير هذه الدائرة الجهنميّة من الصراع، ونستطيع القول إنّ بعض قادة المجلس الانتقالي السوداني المؤثرين، يؤمنون بهذا الحلّ.

هناك منافع متبادلة تصبّ في مصلحة الجانب الأمريكي، وكذلك السوداني

ويؤكّد رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، بمركز "الأهرام" للدراسات السياسية والإستراتيجية، هاني رسلان، وجود تسريبات على نطاق واسع فى الخرطوم؛ بأنّ هناك صفقة أو خريطة طريق تمّ الاتفاق عليها، ترتكز هذه الاتفاقية على تحقيق مصالح مشتركة، للإدارة الأمريكية، وللحكومة الانتقالية في السودان، والتي تواجه اعتراضاً شعبياً كبيراً، وانقسامات سياسية منذ عدّة أشهر.

د. وائل صالج لــ"حفريات": هناك منافع متبادلة تصبّ في مصلحة الجانب الأمريكي، وكذلك السوداني، الذي يرغب في إدماج بلاده في المجتمع الدولي، وتطبيع علاقاته بالدول الأخرى

يتابع رسلان، في تصريح لـ "حفريات": "هذا الاتفاق مرسوم كالآتي: فور أن يعلن ترامب، عبر تويتر، عزمه على رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، تشرع الحكومة السودانية في تحويل مبالغ التعويضات، على أن يتبع ذلك ترحيب حكومة السودان، بشقّيها المدني والعسكري، وعندما يكتمل تحويل المبلغ، يوقّع ترامب قرار رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب، وهذه المبالغ المحوّلة من قبل الحكومة السودانية، تعوّض بها أسر الضحايا بتوقيع أمريكي سوداني مشترك، على ألّا يحدث ذلك إلّا بعد إنجاز قانون منح الحصانة للسودان في الكونغرس، بألّا يُحاكم في قضايا أخرى ذات صلة بالإرهاب".

اقرأ أيضاً: المدعية العامة للجنائية الدولية في السودان... هل يُحاكم البشير في لاهاي؟

يضيف رسلان: "إذا تمّ هذا الترتيب ستُجرى مُكالمة هاتفية مُشتركة بين ترامب والبرهان وحمدوك ونتنياهو، تفتح الباب لتطبيع قادم، وبهذه الصفقة يُحقِّق السودان مراده، في الخروج من قائمة الإرهاب، ويؤمّن نفسه من المُلاحقات القضائية في ملفات أخرى، ويُحقِّق ترامب مكاسب انتخابية بإنجاز ملف التعويضات، مع وضع السودان على بداية طريق التطبيع".

حصاد الإرهاب

تمّت إضافة السودان إلى قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب، عام 1993، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية، وذلك بتهمة إيواء جماعات تصنّفها الولايات المتحدة إرهابية، مثل حزب الله.  وأدّى هذا التصنيف إلى إقصاء السودان من حقل الاقتصاد العالمي، ما قاد إلى زيادة نسب التضخم وأسعار الفائدة، وسحب الاستثمارات الأجنبية، وإجبار الشركات المحلية على التحوّل إلى السوق السوداء، وتمكين الفساد وانتشار عمليات غسيل الأموال؛ حيث واجه الاقتصاد السوداني سقوطاً مدوّياً أكثر مما هو عليه، بعد انفصال جنوب السودان، عام 2011، والذي حمل معه حوالي ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط، وثلثي إجمالي الصادرات، ومع تفاقم الاضطرابات الاقتصادية، التي تطورت إلى نقص الوقود، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وهو ما أدّى، في النهاية، إلى تظاهرات شعبية عارمة، أثمرت بعزل عمر البشير ونظامه.

تمّت إضافة السودان إلى قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب، عام 1993

على مدار الأشهر القليلة الماضية؛ اتّخذت الحكومة الانتقالية في السودان قرارات إصلاحية مهمّة، شملت: حظر ختان الإناث، وإلغاء قوانين الردّة، ومحاكمة البشير، وفتح تحقيق في القمع الدموي الذي انتهجته قوات "الجنجويد" في إقليم دارفور، وانتهت بتوقيع اتفاقية سلام مع الجماعات المتمردة.

 وبحسب مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"؛ فإنّ المسؤولين الأمريكيين يتوقّعون أن يتخذ السودان خطوات جادّة، في الأيام المقبلة، لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، ليصبح خامس دولة عربية تفعل ذلك، ويحقق فوزاً دبلوماسياً لترامب في الأسابيع التي تسبق الانتخابات الرئاسية، لكنّ محللين يقولون إنّ هذه الخطوة قد لا تحظى بشعبية لدى سكان السودان.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية