رسمياً وشعبياً... هل انقلب العراقيون على إيران؟

رسمياً وشعبياً... هل انقلب العراقيون على إيران؟

رسمياً وشعبياً... هل انقلب العراقيون على إيران؟


22/01/2024

الانتهاكات التي تمارسها إيران للسيادة العراقية عبر ضرب أهداف فيها، وسياسة الإملاءات التي تتبعها مع الميليشيات التابعة لها، والتي تسببت بأزمات كثيرة، دفعت العراق، حكومة وشعباً، لانقلاب ضمني على إيران، لأنّ بغداد تسعى للنأي بنفسها عن الصراع الدائر في المنطقة، بهدف محاولة إعادة البناء وتصويب الأوضاع والخروج من النفق المظلم الذي تمر فيه منذ أعوام طويلة.

وفي الوقت الراهن يمكن القول إنّ الدعاية الإيرانية المحمومة التي تسعى لإقناع العراقيين بأنّه لولا نظام الملالي لما كان هناك عراق، وأنّ إيران خامنئي هي التي دافعت عن العراق ضد الاحتلال الامريكي وتنظيم داعش الإرهابي، هذه الدعاية سقطت، لأنّ العراقيين على اختلاف مذاهبهم وخلفياتهم السياسية أصبحوا يدركون أنّ 90% من مشاكلهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية ناتجة عن الإيرانيين، لهذا فإنّ من الضروري اتخاذ أيّ إجراءات للتخفيف من سطوتها، ويجب وضع حد للأبواق العراقية المروجة لضرورة استمرار النفوذ الإيراني في العراق، وفق ما نقلت شبكة (سكاي نيوز).  

الهجوم الذي استهدف أربيل يوم الإثنين الماضي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد تعالت بشكل لافت الأصوات المناهضة لإيران، وبدأت الحملات التي تدعو لمقاطعتها سياسياً واقتصادياً، ومقاطعة منتجاتها في العراق.

وأطلق مدونون وناشطون عراقيون حملات واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي لمقاطعة السلع والمنتجات الإيرانية، تعبيراً عن استنكارهم للهجوم الصاروخي الذي شنته إيران مؤخراً على أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، وراح ضحيته مدنيون من بينهم أطفال، حسبما نقلت شبكة (إيران إنترناشيونال).

الحكومة العراقية تعتزم اتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية وتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بعد "العدوان الإيراني" على مدينة أربيل

واستقبل رواد مواقع التواصل هذه الحملة بحماسة وتفاعل كبيرين، وتعج المواقع بالدعوات لتوسيع نطاق المقاطعة.

ويشارك في الحملات التي انطلقت تحت وسم "خليها تخيس"، أي "دعها تتلف" بالعامية العراقية، آلاف الناشطين والمدونين والصحفيين والفاعلين في الرأي العام، بهدف زيادة الضغط نحو مقاطعة المنتجات الإيرانية التي تنتشر بكثرة في العراق، لا سيّما منتجات الألبان، وغيرها من البضائع والسلع.

وعبر حساباتهم على مختلف المنصات نشر نشطاء صوراً للسلع الإيرانية، وصوراً دعائية مصممة للترويج للحملة وشرح أهدافها، وتحقيق استجابة متقدمة نحوها، ممّا يمكن أن يشكل ضغطاً اقتصادياً على إيران، التي تتخذ من الساحة العراقية سوقاً استهلاكية كبيرة لصادراتها، فضلاً عن وجود عدد من المعامل الخاصة بالمواد الغذائية.

 

سقطت الدعاية الإيرانية التي تسعى لإقناع العراقيين بأنّه لولا نظام الملالي، لما كان هناك عراق، وأنّ إيران خامنئي هي التي دافعت عن العراق ضد الاحتلال الأمريكي وتنظيم داعش

 

وقال مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل حسين، في لقاء مع شبكة (سكاي نيوز عربية): "إنّ هذه الحملات الشعبية تكتسب أهميتها من كونها صادرة من قبل فعاليات شبابية ومنظمات مجتمع مدني، تحث على مقاطعة السلع والبضائع الإيرانية الصنع، ردّاً على العدوان وسياسات طهران التوسعية في العراق والمنطقة العربية عامة، وسعيها لعسكرة المجتمعات وتشكيل الجماعات المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري لخدمة أجندات طهران، وهو ما يظهر أكثر في العراق.

من جهة أخرى، يقول الكاتب والمحلل العراقي علي البيدر: "الحملة تعبّر ولا شك عن رد فعل شعبي لاستنكار ما جرى، وهي حالة إيجابية، لكن من حيث جداوها فمن الصعب أن تؤثر بشكل واسع على وجود المنتجات والبضائع الإيرانية في الأسواق العراقية الغارقة بتلك المنتجات، ولا توجد بدائل منافسة لها من حيث الأسعار، كونها بصفة عامة رخيصة، ممّا يفسر إقبال المستهلكين عليها أكثر من غيرها.

وفي الإطار ذاته، نظم مئات الآلاف من الأشخاص أمس مسيرات في مدينتي دهوك وزاخو بإقليم كردستان العراق، وأدانوا الهجوم الصاروخي الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على أربيل الأسبوع الماضي مخلفاً ضحايا من المدنيين.

وقال مشرف إدارة زاخو المستقلة كوهدار شيخو خلال مشاركته في هذه المسيرات الاحتجاجية: إنّ هجوم الحرس الثوري الإيراني على أراضي إقليم كردستان العراق "عمل إرهابي، وبعيد عن القيم الدينية والإنسانية".

وأضاف المسؤول في إقليم كردستان العراق قائلاً: "لقد أثر هذا الهجوم على أهالي المنطقة ومدينة زاخو، واليوم يريد أهالي المدينة أن يبعثوا برسالة، عبر هذه المسيرات، إلى العالم بأننا أصحاب سلام"، وفق وكالة (فرانس برس).

استهداف أربيل كان القشة التي قصمت ظهر البعير إذ تعالت الأصوات المناهضة لإيران، وبدأت الحملات التي تدعو لمقاطعتها

أمّا على الصعيد الرسمي، فإنّ الحكومة العراقية تعتزم اتخاذ إجراءات قانونية ودبلوماسية كتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي بعد "العدوان الإيراني" على مدينة أربيل، وهو ما قد يسفر عن قرارات تُدين طهران، في موقف يُعدّ "تغييراً نوعياً" في علاقة البلدين.

ووصف رئيس الوزراء الاتحادي محمد شياع السوداني القصف بأنّه "عمل عدواني واضح"، مؤكداً عزم حكومته اتخاذ "إجراءات قانونية ودبلوماسية"، وأمر بتشكيل لجنة تحقيقية مكوّنة من (5) شخصيات، على رأسهم مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، للتحقيق في الحادث، حسبما نقلت وكالة (واع) الرسمية.

وأكد الأعرجي، بعد أن اطلع ميدانياً برفقة أعضاء اللجنة التحقيقية، على موقع القصف الإيراني في أربيل، بأنّ ادعاءات إيران "باستهداف مقر للموساد في المحافظة، لا أساس لها من الصحة".

هذا، ووصف مجلس أمن إقليم كردستان الهجوم الصاروخي الإيراني بأنّه "انتهاك صارخ لسيادة إقليم كردستان والعراق"، ودعا الحكومة الاتحادية والمجتمع الدولي إلى "عدم الصمت تجاه هذه الجريمة".

 

مدونون وناشطون عراقيون يطلقون حملات واسعة لمقاطعة السلع والمنتجات الإيرانية، تعبيراً عن استنكارهم للهجوم الصاروخي على أربيل

 

من جهته، أبلغ رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، بضرورة تحرك المجتمع الدولي بعد هجوم الحرس الثوري الإيراني على أربيل.

بدورها، أعربت الخارجية العراقية عن استنكارها الشديد وإدانتها لـ "العدوان الإيراني" على مدينة أربيل، معلنة عن توجهها لتقديم شكوى لمجلس الأمن، وقد دافع المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني عن طهران، مؤكداً أنّها تحترم سيادة الدول الأخرى ووحدة أراضيها، لكنّها في الوقت نفسه تستخدم "حقها المشروع والقانوني لردع تهديدات الأمن القومي".

وفي هذا السياق، قال أستاذ العلوم السياسية معتز النجم، في تصريح نقله موقع (شفق نيوز): إنّ "العراق ينضوي داخل المجتمع الدولي، والقصف الإيراني يعتبر دليل إدانة يستطيع مجلس الأمن من خلاله إصدار قرارات تستهدف وتدين إيران، خاصة أنّ المواقف الدولية متعاطفة مع العراق".

وأشار النجم إلى أنّ "رفع العراق شكوى ضد إيران أمام مجلس الأمن يُعدّ تغييراً نوعياً في طبيعة وفلسفة النظام السياسي العراقي، إذ أصبح يدرك هذا النظام أنّ مصلحة العراق هي العليا، وابتعد عن المصالح الفئوية والعناوين الضيقة والأجندات الخارجية، وهذا اختبار لحكومة السوداني".

ويتابع: "كما أنّ هناك تغييراً نوعياً في طبيعة استهداف إقليم كردستان، حيث كانت الاستهدافات سابقاً تتم عن طريق جماعات مسلحة، لكنّ القصف الأخير يحمل تطوراً في النوع والكم، فقد أتى الاستهداف من خارج الحدود العراقية، وتم بإطلاق نحو (13) صاروخاً باليستياً بعيد المدى، لذلك المشهد تعقد بشكل كبير".

ويضيف أنّ "الإشكالية اليوم تقع على عاتق السوداني، فهو القائد العام للقوات المسلحة، وهو من يتحمل مسؤولية الدفاع عن إقليم كردستان باعتباره جزءاً من العراق".

 من جانبه، يشكك المحلل السياسي محمد زنكنة بـ "تقديم شكوى عراقية ضد إيران إلى مجلس الأمن"، مبيناً أنّ "هذه الشكوى لن يكون لها أيّ قيمة -هذا إن قدّمت فعلاً- لأنّ العراق لا يجرؤ على الشكوى ضد إيران".

وقال المحلل السياسي في حديثه لوكالة (شفق نيوز): إنّ ضربة إيران من مصلحة أمريكا، لأنّه كلما ارتفع مستوى الاضطرابات في العراق والشرق الأوسط، زادت حجة بقاء الولايات المتحدة في البلاد والمنطقة، في ظل المطالبات العراقية بإخراجها من البلاد، لذلك الأمريكان ينتظرون واقعة كبيرة لكي تناشدهم الحكومة العراقية البقاء".

ويذهب إلى القول: "ولولا الضوء الأخضر الأمريكي، لما استطاعت إيران قصف مواقع لها علاقة بالولايات المتحدة، ولما استطاعت الميليشيات الاعتداء على أربيل، لذلك واشنطن هي التي ترخي الحبل لإيران لإثبات حجة تماديها في الشرق الأوسط والسيطرة الكاملة على الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري".

 

البيدر: الحملة تعبّر عن رد فعل شعبي، وهي حالة إيجابية، لكن من حيث جداوها فمن الصعب أن تؤثر بشكل واسع على وجود المنتجات والبضائع الإيرانية

 

وفي هذا السياق، قال السياسي العراقي مثال الآلوسي، عضو البرلمان سابقاً ومؤسس حزب الأمة: إنّ "هناك أهدافاً إيرانية للقصف الأخير؛ أهمها أنّ طهران -بعد تمكنها من القرار السياسي والأمني العراقي- تحاول استغلال الظرف الإقليمي وانشغال الدول والعالم بحرب 7 تشرين الأول (أكتوبر) بين حماس وإسرائيل، للهيمنة المطلقة على العراق وإقليم كردستان وعلى منطقة الشرق الأوسط".

وأضاف الآلوسي لوكالة (شفق نيوز) أنّ "ادعاءات إيران بوجود مقرات للموساد مردودة عليها، لأنّها منذ أكثر من (10) أعوام تقصف يومياً قرى في السليمانية وتتجاوز على الحدود في البصرة وديالى وغيرها، فهل تلك المناطق جميعها موساد؟".

وقد لاقت هجمات الحرس الثوري مساء الإثنين الماضي على إقليم كردستان العراق إدانات دولية وإقليمية واسعة، وبررت إيران هجماتها على الأراضي العراقية بوجود "مواقع للموساد" الإسرائيلي، وهو ما نفاه المسؤولون العراقيون، ومسؤولو إقليم كردستان العراق، الذين أكدوا أنّ الصواريخ الإيرانية استهدفت مواقع مدنية، وأنّ الضحايا هم من المدنيين الأبرياء.

مواضيع ذات صلة:

العراق في 2023: عام المفاجآت السياسية وتصاعد حدة المواجهة بين الفصائل وأمريكا

لماذا يخسر التيار المدني في العراق؟ هل يصب قانون الانتخابات في صالح الإسلاميين فقط؟

العراق: تحالف الإخوان يتصدر القوائم الخاسرة في الأنبار... ما السبب؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية