ذكرى "رابعة": "طالبان" وحلم "الإخوان" الذي تحول كابوساً

ذكرى "رابعة": "طالبان" وحلم "الإخوان" الذي تحول كابوساً


17/08/2021

محمد صلاح

أطلق المصريون اسم قندهار حين كانوا يشيرون الى اعتصام "الإخوان المسلمين" في ميدان رابعة العدوية شرق العاصمة، وربما المصادفة وحدها جعلت ذكرى تحرير الميدان وفض الاعتصام تحل في التوقيت ذاته الذي تدخل فيه حركة "طالبان" الى العاصمة الأفغانية كابول وتلتهم معها باقي المدن الأفغانية، المشاهد نفسها التي طالعها الناس اثناء حكم "طالبان" افغاستان، ومؤكد انها ستعود من جديد لتغطي وسائل الاعلام، كانت سائدة داخل الاعتصام "الإخواني" الذي تنفس المصريون الصعداء بعد فضه.

والمدهش أن منصات الإعلام "الإخوانية"، لا تخجل من أن تطلب من الإدارة الأميركية خصوصاً ومن الغرب عموماً، علناً وجهاراً نهاراً، ربط التعاون الاقتصادي مع مصر بأحوال حقوق الإنسان، وفي الذكرى الثامنة لفض اعتصام رابعة لم تفوت الفرصة لتبدي غضبها من كم الاتفاقات الاقتصادية التي تربط الغرب بمصر وصفقات الأسلحة الحديثة التي نجحت مصر في إبرامها لتحديث الجيش وتطوير مصادر تسليحه وتنويعها، لتتحول، كما تدعي، العلاقة بين الغرب ومصر إلى بائع ومشترٍ بدلاً من شركة تمنح الدول الغربية حق الاطمئنان على سلامة حقوق الإنسان قبل أي اتفاق للتسليح أو صفقة طائرات!!

وإمعاناً في الفخر بما تفعلته تلك المنصات التحريضية فإن عناصر "الإخوان" المنتشرين في أنحاء العالم ومعهم بعض الناشطين الذين تمتطيهم الجماعة روجوا لادعاءات كتلك عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتنال إعجاب زملائهم من المناضلين والناشطين والناشطات. بالطبع لم يغب عن مشهد تسويق ذكرى ذلك اليوم الذي تحصن فيه "الإخوان" في الميدان الشهير الذي تحول اسمه بقرار إداري "ميدان الشهيد هشام بركات" (النائب العام السابق) كان درساً جعل الدولة المصرية وجيشها وشعبها يدركون مدى خطورة أن يتكرر اعتصام لـ"الإخوان" في ميدان آخر، أو للإرهابيين المناصرين لهم في أي مدينة أخرى.

يذكرنا التاريخ بأن في يوم 28 تموز (يوليو) 2013 توافد مئات من عناصر جماعة "الإخوان المسلمين" وبعض المتعاطفين معهم إلى ميداني رابعة العدوية في شرق القاهرة وبأعداد أقل إلى النهضة في الجيزة في توقيت متزامن، وتمركزوا فيهما حتى جرى فض الميدانين في 14 آب (أغسطس) من العام نفسه. وبمرور الأيام زاد العدد، خصوصاً في ميدان رابعة، حتى أصبح إخلاء الميدان منهم معضلة. ارتكبت الدولة وقتها خطأ فادحاً بالسماح باعتصام مسلح في قلب ميدان مهم في شرق العاصمة، بل الأدهى أنها غضت البصر عن نصب الخيام واحدة تلو الأخرى، وتركت أعداداً من المعتصمين يخرجون كل يوم يعتدون على منشآت، أو يقطعون طريقاً، أو يشعلون النار في سيارات الشرطة. كان هدف "الإخوان" في البداية الضغط على الدولة لمنع الجيش من الاستجابة لثورة الشعب في الشارع، ثم في مرحلة أخرى إعادة محمد مرسي مجدداً إلى المقعد الرئاسي، وبعدما فهموا أن عودة مرسي صارت مستحيلة أرادوا الحصول على أي مكسب ممكن، والتفاوض مع الحكم الجديد. صحيح أن الدولة في النهاية انتصرت وجرى فض الاعتصام، لكن "الإخوان" كعادتهم انتهزوا فرصة المتاجرة بعملية الفض، وسمح لقوى ودول مناصرة لهم بأن تلعب وتتآمر وتناور وتتدخل، بدعوى الوساطة تارة وحقن الدماء تارة أخرى، ثم أخيراً للإساءة إلى الحكم. كانت الدولة وقتها مرتبكة، ولم يكن العالم من حول مصر أدرك بعد حقيقة ما جرى في 30 حزيران (يونيو)، لكن مهما كانت المبررات لم يكن منطقياً أن يدوم اعتصام مسلح تحولت المنصة فيه إلى آلة تحريضية وتكفيرية ضد كل من يعارض "الإخوان"، أو ترى الجماعة أنه أحد أسباب عزل مرسي.

كان خلع محمد مرسي من المقعد الرئاسي هزيمة بالنقاط بعد سلسلة أخطاء وقع فيها "الإخوان" علناً وأمام الناس، منذ تفجر الأحداث في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، ناهيك بالطبع بخطايا تاريخية تمت الطرمخة عليها أو تبريرها أو إنكارها، أما تعنت الجماعة وعنادها واختيارها المواجهة مع الشعب المصري والجيش وكل مؤسسات الدولة، فمثّلت سقوطاً بالضربة القاضية جعلت مستقبل مصر من دون "الإخوان"، إذ صارت عودة ذلك التنظيم إلى المشهد السياسي، ليس في مصر وحدها ولكن في دول أخرى، أمراً مستحيلاً إلا خلف أجهزة الكمبيوتر أو في شوارع الدوحة وأنقرة أو أروقة مقار المنظمات الغربية... والمؤسسات الأميركية!!

معروف أن الإرهابيين في سيناء مثلاً لم يسيطروا على متر واحد في شبه الجزيرة، ونشاطهم انحصر دائماً ما بين العريش ومدينة رفح الحدودية، وهم يلجأون إلى أسلوب حرب العصابات، يضربون أو يهاجمون ثم يفرون إلى حيث يختبئون في الدروب الصحراوية أو الكهوف أو بين الناس، وتكررت محاولاتهم لاحتلال مساحة من الأرض، لكن في كل مرة كانوا يفشلون، تماماً كما فشل اعتصام رابعة. تدفع مصر مثل غيرها من الدول العربية ثمن رياح الربيع العربي، نجت من شظايا حكم "الإخوان"، وتفادت أن تتحول أفغانسان أخرى في قلب العالم العربي، وتتعامل الآن مع ما خلفته الجماعة وراءها من آثار ودمار، وإذا كانت عملية فض ميدان رابعة بمثابة علاج لخطأ فإنها تحولت علامة بالأصابع لدى "الإخوان" يندبون برفعها حالهم، لكن وقائعها سجلت نهاية الحلم "الإخواني" بالعودة إلى السلطة، وفي الوقت ذاته كانت درساً للدولة وأجهزتها وشعبها. 

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية