دومينو الانقلابات في أفريقيا وجهود مكافحة الإرهاب

دومينو الانقلابات في أفريقيا وجهود مكافحة الإرهاب

دومينو الانقلابات في أفريقيا وجهود مكافحة الإرهاب


02/09/2023

منير أديب

لا شك في أن الانقلابات العسكرية التي شهدتها أفريقيا خلال آخر 4 سنوات، ستؤثر مباشرةً في جهود مكافحة الإرهاب في القارة السمراء التي شهدت تنامياً لكل جماعات العنف والتطرف، بسبب الاضطرابات السياسية التي أعقبت هذه الانقلابات.

الانقلاب الأخير في الغابون هو الانقلاب الثامن في منطقة وسط أفريقيا وغربها خلال هذه السنوات، حتى قوّض حزام الانقلاب ما تبقى من جهود محلية وإقليمية ودولية في مواجهة الجماعات المتطرفة التي بات تهديدها يتعدى الأمن الأفريقي إلى ما سواها من قارات العالم.

انتقل الصراع الدولي إلى أفريقيا، حيث صراع النفوذ داخل القارة الفقيرة في كل شيء؛ صراع الأقوياء انتقل إلى بلاد الفقراء، حتى باتت أفريقيا الغنية بثرواتها مباحة أمام النفوذ الأميركي والروسي والأوروبي وولاءات هذه الدول في الشرق والغرب، وهنا وجد الإرهاب ضالته في دول تحولت ثرواتها إلى مصدر للفقر والإرهاب.

فقد شهدت قارة أفريقيا قرابة 207 انقلاباً خلال الستين عاماً الأخيرة، بما يعني عدم الاستقرار، فرسمت هذه الاضطرابات انتشاراً مطرداً للإرهاب في هذه القارة، وها هما انقلابا النيجر والغابون يُعيدان رسم هذه التنظيمات وتخطيطها وتوطينها بما يُهدد أمن العالم بأكمله.

لقد انعكست الحرب الروسية في أوكرانيا والصراع الدائر في شرق أوروبا على غرب قارة أفريقيا ووسطها، وتسأل الدول الكبرى ذات النفوذ الكبير في أفريقيا عما يحدث داخل هذه القارة، وبالتالي تتحمل هذه الدول مسؤولية تنامي جماعات العنف والتطرف في داخلها، فنشاط هذه التنظيمات يعود إلى أسباب، منها النفوذ الدولي داخل القارة الأفريقية وتحويل الصراع إليها.

7 انقلابات في ثلاث سنوات، وانقلاب الغابون هو الثامن خلال 4 سنوات في منطقة النفوذ الفرنسي، التي أصيبت بخيبة أمل، فقد خسرت فرنسا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبات نفوذها هو الأضعف داخل المستعمرات الفرنسية قديماً.

انقلاب الغابون والانقلابات السابقة منذ عام 2019 عسكرية بامتياز، ولكن تبعت هذه الانقلابات حركة جماهيرية كبيرة أرادت أن تتخلص من الوجود الفرنسي، ولعل هذا ما دفع مالي وبوركينا فاسو لتهديد الإيكواس والقوات الفرنسية إذا شنت حرباً ضد النيجر على خلفية الانقلاب الأخير فيها.

تسارع وتيرة هذه الانقلابات مع الحركة الجماهيرية التي تبعتها، وتكاتف الأنظمة العسكرية والسياسية التي سبق وانقلبت على الموالين لباريس، يؤكدان مدى احتقان العواصم الأفريقية في الغرب الأفريقي ضد المستعمر الفرنسي القديم، كما يؤكدان الصراع الدولي بين روسيا من جانب وأميركا وأوروبا من جانب آخر.

حركة الضباط في دول الغرب الأفريقي تُشبه إلى حد كبير، مع الظروف التي تنفرد بها كل عاصمة، حركة الضباط الأحرار في مصر في ستينات القرن الماضي؛ فكلتا الحركتين لبّت نداء الجماهير التي أرادت أن تتخلص من الحاكم المستبد الموالي للمستعمر.

صحيح أن بعض الأنظمة السياسية في الدول التي حدثت فيها انقلابات تبدو دستورية، حدثت فيها انتخابات ولكنها شكلية ولا تُعبر عن إرادة الجماهير، فالرئيس المعزول في الغابون، علي بونغو، هو من عائلة تولت السلطة قرابة 56 عاماً، تقدم لانتخابات الولاية الثالثة لحكمه الذي تسلمه من والده المتوفى عام 2009 عمر بونغو، ولكن الرجل كان يعاني جلطة دماغية أثرت في حركته، وربما رأى أبناء شعبه عدم قدرته على إدارة شؤون الحكم، فضلاً عن أنه ورث السلطة من والده الذي تولاها قرابة أربعين عاماً!

لسنا منحازين إلى هذه الحركات ولسنا ضدها أيضاً، ولكننا نحاول أن نفهمها وأن نضعها في سياقها، والأهم هو دراسة تأثير هذه الانقلابات في جهود مكافحة الإرهاب، سواء المحلية أم الدولية في الغرب الأفريقي، وهذا ما نسعى إلى تلمسه من وراء هذه السطور التي نحاول من خلفها استشراف مستقبل القارة.

ثمة تنظيمات متطرفة في الغرب الأفريقي تتمتع بقوة هائلة، أغلبها عابر للحدود والقارات، وبعضها يمتلك قدرة عسكرية لا تقل عن قدرة أجهزة الأمن في دولها، والبعض الآخر يمتلك قدرة اقتصادية أيضاً قد تفوق موازنة بعض العواصم الأفريقية.

من أهم هذه التنظيمات المتطرفة في غرب أفريقيا، "نصرة الإسلام والمسلمين" و"أنصار الدين" و"المرابطون" وتنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" و"أنصار الإسلام" وتنظيم "داعش" و"جبهة تحرير ماسينا"، مع تنظيمات أخرى أكثر محلية وربما أقل قدرة عسكرية.

هذه التنظيمات بدأت تتمدد بصورة ملحوظة، وستفيق القارة الأفريقية والعالم على تمدد جديد لهذه التنظيمات في ظل حالة الضعف والهشاشة التي باتت تتمتع بها منطقة الغرب والوسط الأفريقي، التي تشهد وجوداً كبيراً لجماعات العنف والتطرف، والتي بدأت تتحرك لتثبيت دعائمها بصورة أكبر، ولعل بعضها يسعى لإقامة دولة له.

لا شك في أن فرنسا وأميركا لديهما قوات في النيجر، وربما خسرتا وجودهما في كل من مالي وبوركينا فاسو منذ أول انقلاب حدث في عام 2019 ثم عام 2020 وما تلاه من انقلابات كان آخرها في النيجر، حيث القوات فقدت قدرتها في مواجهة التنظيمات المتطرفة في هاتين العاصمتين أو حتى في النيجر.

ولعل عدوى الانقلابات ستنتقل إلى دول أفريقية أخرى مرشحه لذلك، بعض الدول قد تتكرر فيها الانقلابات والبعض الآخر ستتحرك فيه قوات الجيش، ليس بالتبعية أن هذه الانقلابات ستنجح جميعاً وإن كانت كل الظروف مواتية لنجاحها، ولكنها حتماً ستؤثر في الاستقرار، وبالتالي سينعكس ذلك على نشاط جماعات العنف والتطرف في هذه الدول.

استبداد بعض الأنظمة السياسية في أفريقيا، وعدم تداول السلطة، مع الأوضاع الاقتصادية الهشة، ستساعد على مزيد من الانقلابات العسكرية، بخاصة أن أفريقيا موزعة النفوذ بين الدول الكبرى التي انتقلت بصراعها إلى داخل القارة الفقيرة. هذه الأسباب الموضوعية تجعلنا نتوقع مزيداً من التحركات العسكرية داخل قارة أفريقيا.

دول الغرب الأفريقي غنية بمواردها، فالغابون دولة نفطية غنية بالمنغنيز، والنيجر من أهم الدول المنتجة لليورانيوم، فضلاً عن المعادن الكثيرة التي فيها وفي دول الغرب الأفريقي، لكن كل هذه الدول تعيش شعوبها فقراً مدقعاً، ولعل هذه الثروات تذهب إلى دول النفوذ بأثمان بخسة مقابل حماية هذه الدول للأنظمة السياسية التي سقطت فيها بفعل الانقلابات العسكرية الأخيرة.

سيتحرك دومينو الانقلابات بالصورة التي تُهدد أمن القارة والإنسان في أفريقيا، وسيكون المستفيد الأول منها هو جماعات العنف والتطرف؛ وهو ما يجب أن ينتبه إليه العالم، ولا بد من أن يضعه المنقلبون أو الذين يسعون إلى تحرير بلدانهم نصب أعينهم.

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية