دفعة جديدة من وثائق بن لادن .. هذا ما كشفته

دفعة جديدة من وثائق بن لادن .. هذا ما كشفته


08/06/2022

بعد أكثر من عقد من مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في 2 أيار (مايو) 2011 في عملية استمرت (48) دقيقة بقيادة فرقة البحرية الأمريكية "سيلز"، رفعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية السرّية عن المزيد من الوثائق التي عثر عليها في أبوت آباد.

ووفقاً لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، فإنّ "سيلز" شرعت، في آخر (18) دقيقة من الغارة، في جمع محركات الأقراص الصلبة وغيرها من الأجهزة الإلكترونية، التي ثبت أنّ الوقت الإضافي الذي تم قضاؤه في جمع المواد كان "ذا قيمة"، حيث أدى على الأرجح إلى مقتل قادة آخرين من القاعدة الرئيسيين في الأسابيع والأشهر التي تلت ذلك.

ومنذ ذلك الحين، رفعت أجهزة الاستخبارات الأمريكية السرّية تدريجياً عن الوثائق التي تم العثور عليها في أبوت آباد، وأطلقتها للجمهور على مراحل، ففي تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، رفعت وكالة المخابرات المركزية السرّية عن جميع الملفات الموجودة في المجموعة التي يزيد عددها عن (470) ألفاً تقريباً.

 وسلطت المجلة الأمريكية الضوء على أول دراسة شاملة للأرشيف في وثائق "بن لادن" لنيللي لحود التي كشفت في كتابها حقيقة بن لادن وعائلته والقاعدة. ويقدّم الكتاب نظرة من خلف الكواليس عن بن لادن ومنظمته في العقد بين 11 أيلول (سبتمبر) وغارة أبوت آباد مطلع أيار (مايو) 2011، على حدّ وصف "فورين بوليسي".

 (6) آلاف صفحة

الباحثة لحود، التي يتركز عملها الأكاديمي على تطور إيديولوجية تنظيمي "القاعدة" والدولة الإسلامية "داعش"، وسبق لها التدريس في "ويست بوينت"، فحصت أكثر من (6) آلاف صفحة من الوثائق باللغة العربية التي تشكل مراسلات بن لادن الداخلية مع شركائه وتأملاته الشخصية.

وكشفت لحود أنّ بن لادن "تواصل مع أعضاء القاعدة الآخرين عن طريق حفظ الملفات الإلكترونية على بطاقات SIM الهاتفية، التي تم نقلها إلى وجهاتهم عبر شبكة البريد السريع"، مشيرة إلى أنّ الكشف عن تلك الشبكة أدى في النهاية إلى "زوال" بن لادن.   

شاب عراقي يلقي نظرة على صورة زعيم القاعدة المقتول أبو مصعب الزرقاوي في صحيفة عراقية ببغداد في 13 يونيو / حزيران 2006

واستطردت قائلة: "لكن لمدة (6) أعوام - من 2005 إلى 2011 - مكنته من التواصل مع مرؤوسيه في منطقة وزيرستان الباكستانية وأماكن أخرى"، موضحة "في الواقع، كان بن لادن مسؤولاً بالكامل عن القاعدة حتى وفاته، ولكن في تلك المرحلة، كانت القاعدة التي كان يقودها بعيدة كلّ البعد عن قوتها السابقة."

 خريف القاعدة

وفقاً للحود، فإنّ تنظيم القاعدة تم "إضعافه بشدة في الأشهر التي تلت هجمات 11 أيلول (سبتمبر)"، على عكس الصورة التي سعى فيها قادة القاعدة لإبراز التنظيم باعتباره عملاقاً في الحركة الجهادية العالمية، وهو تصور يتشاركه العديد من المسؤولين الحكوميين الغربيين ومحللي الإرهاب الذين غالباً ما يخلطون بين القاعدة والحركة الجهادية العالمية الكبرى.

 

سلطت المجلة الأمريكية الضوء على أول دراسة شاملة لأرشيف وثائق "بن لادن" لنيللي لحود التي كشفت حقيقة بن لادن وعائلته والقاعدة

 

وكتبت لحود أنّه "بحلول عام 2004، كان التنظيم قد دُمّر تقريباً، وقد قُتل أو اعتُقل معظم كبار قادته، وفي ذلك العام اشتكى العديد من القادة لأسامة بن لادن من "المحن" و"المشاكل" العديدة للقاعدة، فقد أشار أحدهم إلى "الضعف والفشل والافتقار إلى الهدف الذي حلّ بالتنظيم بعد 11 أيلول (سبتمبر)"، بينما سلط آخر الضوء على الوضع المالي الصعب للجماعة، وحقيقة أنّ الضغط الباكستاني قد أوقف التخطيط لهجمات إرهابية في الخارج، وأعرب آخر عن أسفه لمقتل (22) شقيقاً، واعتقال السلطات الباكستانية لـ (600) آخرين"، واصفة تلك المراسلات بـ"فيلم رعب" مستمر.

وبحسب لحود، أراد بن لادن من مساعديه تركيز جهودهم على التخطيط لهجمات إرهابية دولية، لكنّ المجموعة كانت ببساطة غير قادرة.

 

فحصت لحود أكثر من (6) آلاف صفحة من الوثائق باللغة العربية، تُشكّل مراسلات بن لادن الداخلية مع شركائه وتأملاته الشخصية

 

لم تجد لحود أيّ دليل على أنّ القاعدة دبرت الهجمات الكبرى المنسوبة إليها خلال هذه الفترة، بما في ذلك تفجيرات مدريد 2004 وتفجيرات لندن 2005، على الرغم من أنّ التغطية الإعلامية لمثل هذه الأحداث كانت تربطها في كثير من الأحيان بالقاعدة، حتى عندما كان الارتباط ضعيفاً في أحسن الأحوال، على حدّ قول الباحثة، التي أشارت إلى أنّ "العملية الوحيدة بعد 11 أيلول (سبتمبر) التي وجهها بن لادن بنفسه هي الهجومان في مومباسا، وكينيا، في تشرين الثاني (نوفمبر) 2002، استهدفا فندقاً مملوكاً لإسرائيل، وطائرة نفاثة إسرائيلية، ممّا أسفر عن مقتل (13) شخصاً، وقد تمّ التخطيط لتلك الهجمات قبل 11 أيلول (سبتمبر)."

ورأت لحود أنّه "من الواضح أنّ بن لادن كان محبطاً من عدم قدرة مجموعته على شنّ هجمات دولية. لقد أراد أن تركز شبكته على مهاجمة الأمريكيين حصرياً، بهدف تحقيق توازن رعب مع الولايات المتحدة. ومن وجهة نظره، فإنّ تنفيذ عمليات واسعة النطاق داخل الولايات المتحدة فقط يمكن أنّ يجعل الأمريكيين يضغطون على حكومتهم للتخلي عن الشرق الأوسط"، مضيفة: أنّ "إجبار الولايات المتحدة على طرد قواتها العسكرية من المنطقة كان هدفاً طويلاً لبن لادن، والتزامه باستراتيجية "العدو البعيد" جعله على خلاف مع الجماعات الجهادية الإقليمية التي تعمل تحت اسم القاعدة."

تنظيم القاعدة تم إضعافه بشدة في الأشهر التي تلت هجمات 11 أيلول (سبتمبر)

بدأت هذه الجماعات التابعة للقاعدة في الظهور في عامي 2003 و 2004، وأشهرها جماعة الجهادي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، جماعة التوحيد والجهاد، التي أعادت تسمية نفسها بالقاعدة في العراق، بعد أن أدى الزرقاوي قسم الولاء لأسامة بن لادن في أواخر عام 2004.

التوترات بين القاعدة وجماعة الزرقاوي هي "أرض ممتلئة"، على حدّ تعبير لحود، التي أكدت وجهة النظر القائلة إنّ القيادة المركزية للقاعدة لم تكن قادرة على السيطرة على الأحداث على الأرض في العراق.

 

لحود: بن لادن تواصل مع أعضاء القاعدة الآخرين عن طريق حفظ الملفات الإلكترونية على بطاقات SIM الهاتفية

 

بحلول عام 2007، كانت الجماعة التي تتخذ من العراق مقراً لها، والمعروفة الآن باسم دولة العراق الإسلامية، قد قطعت على ما يبدو الاتصال بالقاعدة بالكامل. بعد (3) أعوام، اقترح بن لادن إعادة تسميتها، ربما إمارة العراق الإسلامية، لكنّ الحقيقة هي أنّه لم يكن لديه سيطرة على عملياتها.

كان لبن لادن تأثير أكبر إلى حدّ ما على فروع القاعدة في شمال أفريقيا: "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، واليمن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية"، ولكنّ لحود أشارت إلى وجود توترات وخلافات في هذه الجماعات أيضاً.

زعيمة الكفر العالمي

على نطاق أوسع، أدرك بن لادن انفصالاً استراتيجياً أساسياً بين الفروع الإقليمية من خلال استراتيجياتها الموجهة محلياً ورؤيته الخاصة للجهاد العالمي. كان موقفه، كما كتب في عام 2010، أنّه "لن ندخل في صراع مع الأنظمة المحلية إلا عندما يستنزف زعيمة الكفر العالمي -أي أمريكا- من سلطاته ويوشك على الانهيار"، حسبما نقلت عنه لحود.

 

لحود: بحلول عام 2004، كان التنظيم قد دُمّر تقريباً، وقُتل أو اعتُقل معظم كبار قادته

 

بعبارة أخرى؛ كان من الضروري أوّلاً مهاجمة وهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية كشرط مسبق ليكون تنظيم "القاعدة" قادراً على تنفيذ جهاد فعّال ضد الحكام المحليين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على حدّ قول لحود.

 العلاقة بين القاعدة وإيران

رأت لحود أيضاً القليل من الأدلة على وجود تحالف بين القاعدة وإيران، وهي دولة غالباً ما ينظر إليها المسؤولون والمحللون الغربيون في الحكومة الغربية على أنّها تدعم التنظيم، ولا سيّما في الأعوام التي أعقبت 11 أيلول (سبتمبر)، مشيرة إلى أنّه "صحيح أنّ إيران وفرت ملاذاً لأولئك الأعضاء الذين فرّوا من أفغانستان وباكستان في أواخر عام 2001"، غير أنّها قالت: إنّ "العلاقة كانت مشحونة منذ عام 2002 فصاعداً، حيث احتجزت إيران عدداً من قيادات القاعدة وعائلاتهم، ممّا دفع بعضهم إلى الإضراب عن الطعام ومحاولة الهروب الجريئة."

وأوضحت لحود أنّ "هذه الإجراءات، جنباً إلى جنب مع اختطاف القاعدة للمسؤولين الإيرانيين لغرض التوسط في تبادل الأسرى، أدت في النهاية إلى قيام إيران بالإفراج عن معظم المعتقلين بحلول عام 2011."

 القاعدة وطالبان

على الرغم من أنّها لم تجد أيضاً دليلاً على وجود علاقات ودية بين طالبان والقاعدة، أشارت لحود إلى أنّ بن لادن كان يبجل الملا عمر، الذي قاد طالبان حتى وفاته في عام 2013، لكنّه "كان يشك بشدة في أولئك الذين اعتبرهم على استعداد لخلافته."

كانت طالبان، في نظر بن لادن، منقسمة بين معسكر "صادق" من القادة الأتقياء ومعسكر ثانٍ يخضع للاستخبارات الباكستانية، ممّا أثار قلق زعيم القاعدة بشأن مستقبل علاقة القاعدة بالجماعة، خاصة إذا كانت طالبان ستدخل في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة - كما فعلوا لاحقاً، على حدّ وصف لحود التي شددت "يجب أن تقودنا مخاوف بن لادن إلى التشكك في الادعاءات القائلة بأنّ عودة طالبان إلى السلطة تعني حتماً إعادة تنشيط القاعدة."

مواضيع ذات صلة:

وثائق جديدة تكشف خطط بن لادن لضرب أهداف أخرى بعد 11 سبتمبر

صعود وسقوط أسامة بن لادن.. لماذا يستمرّ بإلهام ‏‏الإرهابيين؟

الوصايا "العشرون": صهر بن لادن يروي خلافات القاعدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية