"دعونا نتفلسف".. سرد لحياة وأفكار 25 فيلسوفاً

الفلسفة

"دعونا نتفلسف".. سرد لحياة وأفكار 25 فيلسوفاً


18/12/2018

يقدم الكاتب العراقي، علي حسين، في كتابه "دعونا نتفلسف"، حيوات وأفكار 25 مفكراً وفيلسوفاً، تناولهم الكاتب بإطار سردي جديد، سُمّي "السرد الفلسفي"؛ حيث عمدَ إلى تبسيط المفاهيم الفلسفية بأسلوبٍ شابه كثيراً "الأسلوب الصحفي"، كما صرّح لـ "حفريات".

اقرأ أيضاً: هل كان العرب عالة على الفلسفة اليونانية؟

وقال صاحب الكتاب، الصادر عن دار "أثر" السعودية، بطبعته الأولى؛ "هذا العمل محاولة متواضعة للسؤال عن الفلسفة ورجالها، وكيف استطاعوا أن يغيروا تاريخ البشرية، وأن يتركوا بصماتهم على حركة المجتمعات، وقد سنحت لي الفرص أن أفكر في الكتابة عن الفلسفة، لها ولو قدر بسيط من الوضوح، كتابة تشبه جلساتنا في المقاهي"، مشيراً إلى "مطالبة بعض الأصدقاء في جمع هذه الكتابات البسيطة في كتابٍ أسردُ فيه تأريخ الأفكار والنظريات التي ساهمت في تغيير نظرتنا إلى العالم والأشياء".

لوك فيري: كانط أكبر فلاسفة التنوير وأعظمهم شأناً وهو مدشن عصر التنوير

وتابع حسين قوله: "صحيح أنني أردتُ من خلال هذه الكتابات محاولة أن أفهمَ العالم وذاتي بشكلٍ أفضل، لكنني وجدتُ وأنا أقرأ العشرات من كتب الفلسفة، أنّ الفلسفة ليست مهمتها أن تفهم الأشياء المحيطة بنا، كما أراد ديكارت، ولا تغيير العالم كما أصرّ ماركس"، مبيناً أنّها "تعلمنا معنى الحياة، وتساعدنا على قهر المخاوف التي تشل حركة الحياة".

مئة كتاب تجعل منك فيلسوفاً

ويفتتح حسين كتابه بأول المتفلسفين؛ وهو "هيراقليطس"، الذي يعدّ أول متفلسفٍ في تاريخ البشرية، هذا فضلاً عن إدراكه لدور المتناقضات بوصفها قوة محركة للكون، كما اشتهِر بازدرائه لِمعتقدات العامة ووجهاء المدينة، وخاطبهم بلهجة لاذعة، قائلاً: "إليكم عني، أيها السفهاء، إنَّ مخالطة الأطفال واللعب معهم لأحكم للمرءِ من سياستكم"، لم ينشئ فيلسوف الديالكتيك أيّة مدرسة فلسفية، وكان يردّد "أنا خرجتُ لأبحثَ عن نفسي".

غلاف كتاب "دعونا نتفلسف" لـ علي حسين

وبعد هيراقليطس، يستعرض المؤلف، نشأة وتكوين وأفكار عدد من الفلاسفة، أمثال: إيمانوئيل كانط، وهيغل، وكير كجارد، وجون ديوي، وأفلاطون، والبيركامو، وباروخ إسبينوزا، وبرجسون، وشبنجلر، ومارتن هيدجر، وديفيد هيوم، وميكافيللي، ونيتشه، وكارل ماركس.

ويختم حسين كتابه بمقال مُثير بعنوان "مئة كتاب تجعل منك فيلسوفاً"؛ أي قراءتها والـتأمل فيها، بعقل نافذ وناقد، وهي لفلاسفة من اتجاهات عدة، عبر تاريخ الفلسفة الطويل، منذ اليونان إلى يومنا هذا.

اقرأ أيضاً: هل ما زلنا في حاجة إلى الفلسفة؟

ومن أجل تقريب الشخصية المدروسة لأذهان القراء؛ فإنه كان يُنهي كلّ فصل من فصول كتابه، بالذي يجب أن نقرأه عنه، كذلك يقدم للقارئ ثبتاً بمصادره في العربية، كي يسهل عليه مهمة الرجوع إليها وعقد وشيجة بين الطرفين.

أكابر فلاسفة التنوير

يقولُ الفيلسوف الفرنسي المُعاصر، لوك فيري، عن إيمانويل كانط؛ إنّه أكبر فلاسفة التنوير، وأعظمهم شأناً، مقتنعاً بأنَّ ما عمله صاحب "نقد العقل الخالص"، من الصعب الإتيان بمثله، وهو مدشّن عصر التنوير حين دعا إلى ضرورة خروج العقل الإنساني من قصوره.

يتصدر الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس الفلاسفة الـ25 حيث يعدّ أول متفلسف في تاريخ البشرية

لذلك؛ من الصعب أن تقفز أيّة دراسة فلسفية على كانط؛ إذ يقتبسُ علي حسين ما يقوله شوبنهاور، بعد مرور 50 عاماً على وفاة مبشّر التنوير؛ "إنّ الفلسفة الحقة إذا كانت بدأت مع أفلاطون فإنّها اختتمت مع كانط"، مؤكداً غياب ما يؤشر إلى التقدم في المدة الزمنية التي تفصله عن كانط في الطرح الفلسفي، ينتقل إلى قطب فلسفي آخر، وهو هيغل، بعدما يذكر جانباً من حياة الفيلسوف الروماني سنيكا.

وهكذا يتسلسلُ الكتابُ في عرض آراء الفلاسفة، ويهمّ المؤلف أن يجمعَ بين أطروحات متضادة في قسم واحد، مثل: إيراد آراء جون ديوي عن نهاية الفلسفة، وردود بتراند راسل في سياق واحد، كما تضمّ بعض الأقسام الفلاسفة الذين تتقارب رؤاهم، أو تتداخل حلقاتهم الفكرية، مثل: نيتشه وشبلنجر، وهايدغر، وداروين، وسبنسر، ولاماركو أغوست كونت.

الفيلسوف الفرنسي المُعاصر لوك فيري

الموقف من السلطة الدينية

في قراءته لفلسفة ديدرو، يقف المؤلف عند موقف ديدرو من رجال الكنيسة "الكهنوت"، بقوله: "توجهوا بالضربة النهائية لشجرة الخرافة، ولا تقتنعوا ببتر الفرع؛ بل استأصلوا العشب الذي استفحلت أضراره المعدية، كونوا على وعي مطبق بأنّ نظام الحرية والمساواة يتناقض تناقضاً صريحاً مع المُهيمنين على مذابح الكنيسة، وكراسي السلطة".

اقرأ أيضاً: لماذا علينا تدريس الفلسفة؟

أما في قراءته لجان جاك روسو؛ يقتبس بعض نصوصه من كتاب "إميل في التربية"، بقوله عنه: "أعظم رسالة في التربية"، و"أصل التفاوت وأسسه بين البشر".

الكتاب يجمع بين أسئلة الإنسان البسيط وأسئلة الفيلسوف ليكشف لنا وجود نزوع فلسفي عند كلّ عاقل

كان فولتير من المدافعين عن النظام الجمهوري في الحُكم؛ لأنّه يجد فيه ضمانة حقيقية لمبدأ الفصل بين السلطات؛ لأنّ الملكية تنتهي إلى الطغيان، ولا يمكن طاعة البشر باسم طاعة الله؛ بل لا بدّ من طاعة البشر باسم قوانين الدولة، "يصيح الدكتاتور بأنه يُحبّ وطنه، وهو في الحقيقة لا يُحبّ إلا نفسه".

ويركز حسين، في قراءته لفولتير، وهو نقد الأخير لرجال الدين، ونقده لتدخلهم في شؤون السياسة؛ لذلك أُعجب بدعوته لفصل الدين عن السياسة.

الفلاسفة والعلماء تخادم معرفي

عطفاً على ما سلف؛ فإنَّ ميزة هذا الكتاب تكمنُ في الربط بين آراء العلماء والفلاسفة وأنماط حياتهم، كما تكتشفُ أنّ العلم لا ينفصلُ عن الاشتغال الفلسفي؛ فأينشتاين وجد في سبينوزا مثاله النموذجي، فضلاً عن ذلك؛ تنعكس الفلسفة في الأعمال الأدبية؛ إذ حاول مارسيل بروست تجسيد فلسفة برجسون للزمن، في "البحث عن الزمن الضائع"، وأودع سارتر كلّ آرائه الفلسفية في رواية "الغثيان"، فيما اعتمد كارل ماركس روايات بلزاك لفهم التطور الاقتصادي.

هرقليطس أول فيلسوف تناولته الكتب

وعندما تنتهي من قراءة هذا الكتاب، يتضح لك أنَّ النقطة التي يشترك فيها كلّ هؤلاء الفلاسفة؛ هي سيرهم بعكس التيار، وهذا كلفهم ثمناً باهظاً على مستويات مختلفة، وإذا كان ماركس عانى الفقر المدقع، والملاحقة من بلد إلى آخر؛ فإنّ ديدرو أيضاً جرب عتمة السجن، كما صحب ميشال فوكو المجانين، وفينغشتاين تخلى عن حياة البذخ، وطموح نيتشه كان أكبر من أن يتسع له عصره، ما اضطره لمناشدة الأجيال القادمة.

اقرأ أيضاً: سليمان بشير ديان.. الفلسفة ليست غريبة عن الإسلام

"دعونا نتفلسف"؛ كتاب يحبّب إلينا الفلسفة والدرس الفلسفي، من غير إخلال بقواعد البحث والكتابة، وبأسلوب سلس وسهل، يفيد منه القارئ الاعتيادي، فضلاً عن المتخصص.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية