دراسة ترجح استخدام مصاعد هيدروليكية في بناء الأهرامات... ما دور نهر النيل؟

دراسة ترجح استخدام مصاعد هيدروليكية في بناء الأهرامات... ما دور نهر النيل؟


05/09/2022

ما يزال بناء الأهرامات يشكّل لغزاً يصعب حله للعديد من الباحثين ودارسي "علم المصريات" الدوليين، فقد طرح باحثون فرنسيون ما أطلقوا عليه "أدلة جديدة" حول نهر النيل تدعم نظرية قديمة العهد حول كيفية تمكّن المصريين القدماء من بناء أهرامات الجيزة الضخمة قبل آلاف الأعوام.

 استخدم الباحثون، بقيادة الجغرافي هادر شيشة من جامعة إيكس مرسيليا في فرنسا، أدلةً من علم البيئة القديمة، للمساعدة في إعادة بناء ما كان يمكن أن يبدو عليه نهر النيل في مصر خلال (8) آلاف عام مضت، وفقاً لشبكة "سي إن إن" الإخبارية الأمريكية، التي أشارت إلى أنّ هؤلاء الباحثين خلصوا إلى أنّ بناة الأهرامات استفادوا على الأرجح من ذراع النهر "البائد الآن" لنقل مواد البناء، وفقاً لدراسة نُشرت بتاريخ 24 آب (أغسطس) في دورية "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم"  .(Proceedings of the National Academy of Sciences)

 تزعم الدراسة أنّ النتائج التي توصلوا إليها تُظهر أنّ "المناظر المائية السابقة ومستويات الأنهار المرتفعة منذ حوالي (4500) عام سهّلت عملية بناء مجمع أهرامات الجيزة".

 ويبلغ ارتفاع الهرم الأكبر حوالي (146.5) متر، وقد أمر الملك خوفو ببنائه في القرن الـ 26 قبل الميلاد، ويتكوّن الهرم الأكبر من (2.3) مليون كتلة حجرية بوزن إجمالي يبلغ (5.75) مليون طن، ويُعدّ الأكبر بين أهرامات الجيزة الـ3، وينتمي الهرمان الرئيسيان الآخران إلى ابن خوفو خفرع، وحفيده منقرع.

  بُنيت الأهرامات الـ3 على هضبة الجيزة المتاخمة للقاهرة، تحيط بها المعابد والمقابر وأماكن العمال، وهي أقدم عجائب الدنيا الـ7 في العالم القديم.

  "المنفذ النهري"

 لطالما افترض العلماء أنّ المصريين القدماء ربّما استغلوا أجزاءً سابقةً من النيل لنقل أطنان الحجر الجيري والجرانيت اللازمة لبناء الهياكل العملاقة، على حدّ قول "سي إن إن".

 ويفترض هذا التفسير، المعروف باسم فرضية "مجمع المَنفذ النهري"، أنّ المهندسين المصريين القدماء شقّوا قناةً صغيرةً عبر موقع الهرم إلى فرع النيل البائد، المعروف باسم فرع خوفو، على طول الحافة الغربية للنهر، وجرفوا أحواضاً وصولاً إلى قاع النهر.

نهر النيل يتدفق عبر حي "كوتسيكا" بالعاصمة المصرية على بعد حوالي 9 أميال من جنوب وسط القاهرة

 ورجح الباحثون أنّ مياه الفيضان السنوية كانت تعمل كرافعة هيدروليكية، ممّا سمح للمصريين القدماء بنقل كتل ضخمة من الحجر إلى موقع البناء، لكن حتى الآن، كان العلماء يفتقرون إلى فهم محدد لكيفية توزّع المناظر الطبيعية، وفقاً للباحثين.

 وباستخدام مجموعة من التقنيات لإعادة بناء السهول الفيضية القديمة للنيل، وجد فريق البحث أنّ المهندسين المصريين كان بإمكانهم استخدام فرع خوفو، الذي أصبح جافاً الآن، لنقل مواد البناء إلى موقع أهرامات الجيزة.

 وقام الباحثون، أوّلاً، بتحليل الطبقات الصخرية للنوى التي حفرت عام 2019، من السهول الفيضية بالجيزة لتقدير مستويات المياه في فرع خوفو منذ آلاف الأعوام، ثم قاموا بفحص حبيبات حبوب اللقاح المتحجرة من رواسب الطين في منطقة خوفو لتحديد المناطق الغنية بالنباتات، التي تدل على ارتفاع مستويات المياه.

 

طرح باحثون "أدلة جديدة" حول نهر النيل تدعم نظرية قديمة العهد حول كيفية تمكّن المصريين القدماء من بناء أهرامات الجيزة

 

 وأظهرت بياناتهم أنّ منطقة خوفو ازدهرت خلال النصف الأول من عصر الدولة القديمة في مصر؛ أي في الفترة الممتدة بين 2700 و2200 قبل الميلاد، عند بناء الأهرامات الـ3 على الأرجح، وكان الفرع ما يزال يتسم بارتفاع منسوب المياه في عهد الفراعنة خوفو، وخفرع، ومنقرع.

 وأشار فريق البحث في الدراسة إلى أنّه "من عصر الأسرة الـ3 إلى الـ 5، وفّر فرع خوفو بوضوح بيئة مؤاتية لظهور وتطوير موقع بناء الأهرامات، ومساعدة البناة في التخطيط لنقل الأحجار والمواد بالقوارب"، لكن بحلول العصر الفرعوني المتأخر؛ أي الفترة الممتدة من 525 إلى 332 قبل الميلاد، انخفض منسوب المياه في فرع خوفو خلال مرحلة الجفاف، وهو اكتشاف يتوافق والدراسات التي أجريت على الأكسجين في أسنان وعظام المومياوات من الفترة الزمنية نفسها التي تعكس انخفاض استهلاك المياه، وفقاً للدراسة.

رجح الباحثون أنّ مياه الفيضان السنوية كانت تعمل كرافعة هيدروليكية، ممّا سمح للمصريين القدماء بنقل كتل ضخمة من الحجر

 وبحلول الوقت الذي غزا فيه الإسكندر الأكبر مصر عام 332 قبل الميلاد، كان فرع خوفو مجرد قناة صغيرة، على حدّ قول الدراسة، التي أظهرت بياناتها أنّ المهندسين القدماء استخدموا النيل وفيضاناته السنوية، "واستغلوا منطقة الهضبة المطلة على السهول الفيضية لبناء النصب التذكاري الضخم"، بعبارة أخرى كان فرع خوفو القديم في النيل مرتفعاً بالفعل بما يكفي للسماح للمهندسين القدماء بتحريك كتل ضخمة من الحجر، وبناء الأهرامات العظيمة التي نعرفها اليوم."

 المناخ القديم

بالنسبة إلى جوزيف مانينغ، المؤرخ الكلاسيكي في جامعة ييل، فإنّ هذا البحث "الثوري" يُعدّ مثالاً على كيفية قيام علم المناخ القديم "بتغيير فهمنا للتاريخ البشري بشكل أساسي".

 وأشار مانينغ إلى أنّ هذه التقنيات الجديدة -مثل تحليل حبوب اللقاح المستخدمة في هذه الدراسةـ  تسمح للعلماء بدراسة المجتمعات منذ آلاف الأعوام، لافتاً إلى أنّه في السابق كان مؤرخو مصر القديمة يعتمدون بشكل أساسي على النصوص لاشتقاق فهمهم للمجتمع المصري، ولكنّ علم البيئة، بشكل متزايد، يسمح برؤى جديدة حول العالم القديم.

 ويُعدّ الجزء الأكثر حداثة في البحث الجديد أنّه يحدّد مجرى مائياً طبيعياً يمكن استخدامه لنقل مواد بناء الأهرامات، في حين اعتقد بعض الباحثين سابقاً أنّه لا بدّ من وجود قناة من صنع الإنسان، حسب قول مانينغ.

 وأكد أنّ الاستفادة القصوى من التاريخ البيئي تتطلب تعاون العلماء والعمل مع المؤرخين، التي قد ينتج عنها احتمالات "مثيرة للغاية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية