دخول غزة مقابل المساعدات: كيف يتاجر "القره داغي" بمعاناة الغزيين؟

دخول غزة مقابل المساعدات: كيف يتاجر "القره داغي" بمعاناة الغزيين؟

دخول غزة مقابل المساعدات: كيف يتاجر "القره داغي" بمعاناة الغزيين؟


31/01/2024

يبدو أنّ القره داغي اختار آلام الغزيين وسيلة لصناعة مجد زائف حول شخصه، بعد أيام من توليه منصب رئيس الاتحاد العام لعلماء المسلمين، الذراع العلمائية لجماعة الإخوان المسلمين في العالم. أعلن الرجل عن مبادرة لدعم أهل غزة، عبر تقديم (100) سفينة من المساعدات، لكنّه اشترط أن تقبل السلطات المصرية بدخوله إلى القطاع عبر معبر رفح، معلناً استعداده لبذل دمائه في سبيل الغزيين، رغم أنّ أهل القطاع ليسوا في حاجة إلى مزيد من الدماء، بل إلى مزيد من المساعدات.

مشروع شهيد

وانتُخب المواطن التركي علي محيي الدين القره داغي لمنصب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومقره الدوحة، في اجتماع الجمعية العمومية الأخير الذي عقد في إسطنبول في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وكان يشغل منصب الأمين العام للاتحاد، وبعد أيام من تولّيه المنصب الجديد أعلن عن استعداده لدخول قطاع غزة.

وتحدث القره داغي، في حوار نشره موقع (الاتحاد) الرسمي، عن دور الاتحاد في دعم القضية الفلسطينية والإجراءات التي يتخذها في مواجهة العدوان الإسرائيلي على أهل غزة، وأشار إلى تشكيل وفد علمائي للترتيب والتنسيق مع مصر للوصول إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، كما طرح فكرة إنشاء تحالف دولي إسلامي إنساني لخدمة قضايا الأمة.

وقال إنّ هناك مقترحاً لتشكيل وفد علمائي وبرلماني وحقوقي لزيارة غزة، وقد وضعت اسمي أول الأسماء. "سنذهب إن شاء الله إلى رفح بعد موافقة دولة مصر العزيزة، ثم نتجه إلى غزة لمواساتهم، فلا يوجد شعب يستحق المواساة والمشاركة الفعالة مثل شعب غزة، وهذا يجعل العلماء في المقدمة وقدوة، ونحقق بعض الواجب".

القره داغي اختار آلام الغزيين وسيلة لصناعة مجد زائف حول شخصه

وأضاف القره داغي: "كلنا أمل في موافقة حكومة مصر الحبيبة على هذا الوفد، الذي سنقدم أسماءه عبر الجهات الرسمية، كما أنّ هذه الخطوة تؤكد على أهمية دور العلماء والمثقفين في تحقيق التضامن والدعم للقضايا العادلة".

المتاجرة بغزة

وأعلن القره داغي بعد ذلك عن مبادرة من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لتقديم دعم إنساني إلى قطاع غزة يتمثّل في (100) سفينة من المساعدات، لكنّه ربط ذلك بقبول مصر بالمبادرة التي طرحها الاتحاد. ورداً على سؤال حول ماهية تلك المبادرة، قال إنّهم في الاتحاد يبذلون الجهد والطاقة لدعم أهل غزة، مشيراً إلى إصدارهم إعلان الدوحة الإنساني، ودعوتهم إلى إنشاء تحالف دولي إنساني. وتابع القره داغي أنّهم تقدموا بطلب إلى وزارة الخارجية المصرية للسماح لوفد من أعضاء الاتحاد سيكون هو على رأسهم، بهدف اصطحاب المساعدات إلى داخل قطاع غزة عبر معبر رفح. وعلى ما يبدو من حديث القره داغي فإنّ تقديم المساعدات مرتبط بقبول مصر بمقترح إدخال أعضاء الاتحاد إلى غزة.

 

حمادة عبد الوهاب لـ (حفريات): حديث القره داغي استغلال لآلام الغزيين، ودخول المساعدات عبر مصر يخضع لترتيبات تم الاتفاق عليها بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل

 

قال: "العلماء الربانيون قدوة للأمة، واليوم لا يجوز لنا شرعاً أن نترك إخواننا في غزة. علينا أن نذهب ونساعد، وأن تُروى هذه الأرض بدماء غير الغزاويين أيضاً؛ لأننا أمة واحدة وجسد واحد، فكيف نحن حقيقة نترك إخواننا وحدهم؟".

يقول الصحفي المصري حمادة عبد الوهاب: إنّه مع كل جولة من جولات التصعيد في قطاع غزة نرى من يحاول استغلال هذا الحدث الجلل والمتاجرة بآلام الغزيين الذين يقتلون وحدهم، ولا يقتل أحد غيرهم. واصفاً لـ (حفريات) حديث القره داغي بأنّه استغلال لآلام الغزيين، ومشيراً إلى أنّ دخول المساعدات عبر مصر يخضع لترتيبات تم الاتفاق عليها بين مصر والولايات المتحدة وإسرائيل، كون الأخيرة هي سلطة الاحتلال، وهي التي قصفت المعبر، ولهذا كان الاتفاق ضرورياً لضمان عدم استهداف المساعدات الإنسانية.

ولفت إلى أنّ حركة المرور عبر معبر رفح تخضع لقيود وشروط تم الاتفاق عليها في معاهدة السلام وأثناء الحرب الجارية، وتابع أنّه كما هو معلوم فأسماء الذين يخرجون من القطاع سواء كانوا مصريين أو أجانب أو مصابين فلسطينيين يتم تسليمها إلى الجانب الإسرائيلي للموافقة عليها، ضمن اتفاق تشغيل المعبر بعد الحرب.

حمادة عبد الوهاب: استغلال هذا الحدث الجلل والمتاجرة بآلام الغزيين

وذكر عبد الوهاب أنّ إسرائيل لن تقبل بإدخال القره داغي أو وفد الاتحاد، وكذلك لن تقبل القاهرة التي لا ترى في هذه المغامرة ما يفيد سكان قطاع غزة، كما أنّ غزة لا تحتاج إلى من يبذلون دماءهم، فالقطاع لديه عدد كبير من المقاتلين الذين يقومون بدور بطولي كحركة مقاومة، تكافح من أجل تحرير أرضها ومستقبل أبنائها.

وحول مبادرة الاتحاد بإرسال (100) سفينة، قال الصحفي المصري: إنّ آلية إدخال المساعدات معروفة، وتبدأ بالإرسال إلى مصر سواء عبر ميناء العريش البحري أو مطار العريش، ثم تُجمع في أماكن مخصصة، وتجهز ليتم إدخالها وفق الآلية المتبعة، ورغم أنّ المساعدات التي تدخل القطاع غير كافية لكن ذلك هو المتاح.

 

بخلاف موقف القره داغي والاتحاد، لم تشترط أيّ من المنظمات الدولية والدول والمنظمات المحلية في مصر إدخال وفد إلى قطاع غزة من أجل إرسال المساعدات

 

وأضاف أنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لو كانوا صادقين، لبادروا بإرسال المساعدات إلى ميناء العريش، لتُجهز وتأخذ دورها في الوصول إلى المحتاجين في قطاع غزة.

المقايضة بآلام الفلسطينيين

وفي مناسبتين كرر القره داغي استعداده للذهاب إلى قطاع غزة، وبذل حياته ثمناً من أجل القطاع، رابطاً إيصال المساعدات بموافقة الحكومة المصرية على دخوله على رأس وفد من الاتحاد إلى القطاع. لكن حتى لو تحقق هذا الشرط، فمن المؤكد أنّ الاتحاد لن يزيد عن إرسال حمولة (100) شاحنة إلى القطاع، كما قال القره داغي في المقطع المصور الذي تحدث فيه عن المبادرة، في تناقض مع التصريحات عن إرسال (100) سفينة.

أمّا إذا لم تسمح مصر بدخول وفد الاتحاد، فمن المرجح أن يسكت الأخير عن المساعدات، ليكون بذلك رهن تقديم الدعم للمحتاجين بخطوة تحقق مكاسب سياسية للاتحاد، الذي يمثل الواجهة العلمائية لجماعة الإخوان المسلمين العالمية. من جانب آخر، فالإعلان عن الاستعداد لدخول قطاع غزة من الاتحاد لم يأتِ إلا بعد تولي القره داغي منصب الرئيس، ممّا يعزز فرضية أنّ الرجل يستغل المعاناة في قطاع غزة من أجل الترويج لنفسه أمام جمهور المتعاطفين مع القضية، مستغلاً حالة التعاطف العامة بين الشعوب العربية والإسلامية وشعوب دول العالم.

وبخلاف موقف القره داغي والاتحاد، لم تشترط أيّ من المنظمات الدولية والدول والمنظمات المحلية في مصر إدخال وفد إلى قطاع غزة من أجل إرسال المساعدات. كما أنّ الجهة المسؤولة عن المساعدات في مصر، وهي الهلال الأحمر، أعلنت أكثر من مرة مع الهلال الأحمر الفلسطيني عن الحاجة إلى مزيد من المساعدات لإدخالها إلى القطاع، وقد حذرت المنظمتان الإنسانيتان من نقص مخزون المساعدات في مخازن الهلال الأحمر في العريش.

لم يشترط أحد إرسال المساعدات مقابل دخول وفد معها غير الاتحاد

مقابل متاجرة الاتحاد بآلام الغزيين، في خطوة تكشف عن زيف تأييد الإخوان المسلمين للقضية، وانحصار التأييد على ما يحقق مصالح الجماعة في القطاع وخارجه، بلغ حجم المساعدات التي قُدّمت إلى القطاع حتى 19 كانون الثاني (يناير) نحو (113) ألف طن من المواد الغذائية والإغاثية والطبية. بلغ نصيب مصر منها نحو (37.2) ألف طن، ونصيب المنظمات الإغاثية الدولية نحو (60.4) ألف طن، ونصيب دول العالم نحو (10) آلاف طن. وبهذا، إن كان الاتحاد صادقاً في حديثه عن تقديم (100) سفينة إلى قطاع غزة، فلماذا يرهن ذلك بشرط سياسي، في وقت يعاني فيه الغزيّون من نقص حاد في جميع متطلبات الحياة؟

مواضيع ذات صلة:

روسيا وإيران في قمة حرب غزة: تمارين سياسية لمرحلة إقليمية جديدة

الحوثيون يثيرون القلق العالمي... خطة إيرانية جديدة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية