روسيا وإيران في قمة حرب غزة: تمارين سياسية لمرحلة إقليمية جديدة

روسيا وإيران في قمة حرب غزة: تمارين سياسية لمرحلة إقليمية جديدة

روسيا وإيران في قمة حرب غزة: تمارين سياسية لمرحلة إقليمية جديدة


19/12/2023

بعد مرور نحو أكثر من شهرين على الحرب في غزة بين حركة حماس وإسرائيل، بعد الهجمات المباغتة التي شنتها الأولى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فإنّ هناك انبعاثات إقليمية ودولية عديدة تجري على تخوم تلك الأحداث الميدانية المحتدمة. وتبرز هذه الانبعاثات من خلال تحالفات ومقاربات بين عدة دول بينما تؤشر إلى أفق سياسي محتمل سيتحكم في طبيعة المنطقة، وكذا ما ينتظرها من نتائج وترتيبات شديدة التعقيد والغموض بعد انحسار الصراع المحموم. 

مواقف ومصالح

ومن بين تلك المواقف التي تتنامى وتكشف عن ارتباطات ومصالح عميقة، الموقف الروسي الذي يتقاطع مع التحركات السياسية في الشرق الأوسط، ومنها الخليج وإيران، من دون أن يقع في عداء أو قطيعة مع إسرائيل. فتزامنت زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، للعاصمة الروسية موسكو مع زيارة قام بها (قبل يوم واحد من فقط) نظيره الروسي فلاديمير بوتين للسعودية والإمارات. ومع هذا، تبدو تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لافتة بعد انتقاده العنيف للأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، واعتباره ما تقوم به إسرائيل هو "تسوية أحياء سكنية كاملة بالأرض". 

وصرح وزير الخارجية الروسي بمجلس "الاتحاد" في البرلمان الروسي، نهاية الأسبوع الماضي، أنّ "إسرائيل تعتقد أنّ لها كل الحق في القضاء على حماس بأيّ وسيلة". وتابع لافروف: "يمكننا أن نرى في الوقت الحالي ما هي نتيجة مثل هذا المسار، في الواقع، يتم تسوية أحياء بالأرض، وقتل بالفعل، أكثر من 18 ألف مدني، وهذا الرقم يتزايد كل يوم وثلثاه من النساء والأطفال.. الوضع فظيع".

 مصطفى صلاح: خطاب بوتين براغماتي من ميراث الاتحاد السوفييتي

وقال، لافروف، إنّ الغرب لا يعتزم إقامة دولة فلسطينية موضحاً أنّه "إذا حكمنا من خلال المواقف التي يتخذها الغرب حالياً، فإنّهم لا يعتزمون إقامة دولة فلسطينية. وفقاً لمعلوماتنا، إنّ الغرب والإسرائيليين أيضاً، القيادة الإسرائيلية الحالية، لا يريدون توحيد غزة مع الضفة الغربية كما يقتضي قرار إقامة الدولة". كما طالب لافروف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريتش، بضرورة دعم مبادرة روسيا لعقد مؤتمر مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي والدول الفاعلة في الشرق الأوسط حول غزة. وأضاف: "لا شك في أنّ منظمة مثل الأمم المتحدة يجب أن تلعب دوراً قيادياً في عقد مثل هذا الاجتماع"، لافتاً إلى أهمية قيام جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي بعقد هذا الاجتماع، وفق وكالة أنباء تاس الروسية. وتابع "أتوقع أن يكون الأمين العام للأمم المتحدة في وضع يسمح له بتقديم مثل هذه المبادرة".

 

الباحث مصطفى صلاح لـ"حفريات": الموقف الروسي يقوم على فكرة "استغلال التناقضات في المشهد الإقليمي لا سيما الذي يبدو عدائياً تجاه الغرب والولايات المتحدة

 

ويكاد لا يختلف ما ذكره لافروف عن تصريحات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وقد وصف ما يحدث في غزة بأنه "إبادة جماعية"، و"مجازر بحق أطفال غزة مؤسف للبشرية جمعاء، ولا سيما لمتزعمي حقوق الإنسان". وأثناء لقاء رئيسي ونظيره الكوبي، ميغيل دياز كانيل، في العاصمة الإيرانية طهران، هاجم الأول "الدعم الأمريكي لكيان الاحتلال، وعجز المجتمع الدولي عن وقف العدوان" على حد تعبيره.

مكايدة سياسية للغرب

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الباحث المختص في العلاقات الدولية، الدكتور مصطفى صلاح، أنّ الموقف الروسي يقوم على فكرة "استغلال التناقضات في المشهد الإقليمي لا سيما الذي يبدو عدائياً تجاه الغرب والولايات المتحدة، ثم يصطف إلى جانب هذا الطرف وتوظيفه لصالح الصورة التي يتحرى تعميمها وكأنّه مع الطرف المهمش والضعيف ضد القوى الاستعلائية. هذا الخطاب السياسي البراغماتي من ميراث الاتحاد السوفييتي المؤسس لعلاقته بدول الشرق الأوسط وذلك منذ كان داعماً لقوى التحرر العربي ضد الهيمنة الرأسمالية. وكان من بين عوامل التقارب مع الدول العربية أن روسيا لم تحتل أو ليس لدينا معها خصومة أو ذاكرة استعمارية كما هو الحال مع بريطانيا أو فرنسا".

ويشير صلاح إلى أنّ لقاءات بوتين بزعماء من الحشد الشعبي المدعومة إيران بل وعلى قوائم الإرهاب، فضلاً عن قادة حماس ثم الرئيس الإيراني يعد "من باب المكايدة السياسية للغرب والولايات المتحدة، من جهة، فضلاً عن وجود مصالح أساسها هو هذا العداء ووجودهم على قائمة العقوبات الدولية وبطبيعة الحال العزلة الدولية، من جهة أخرى. بالتالي، هناك قواسم مشتركة وإلحاح للتعاون المشترك بفعل هذه الأمور مجتمعة، مما يعزز تنامي فرص التعاون السياسي والاقتصادي. 

وزير الخارجية الروسي:إسرائيل تعتقد أنّ لها كل الحق في القضاء على حماس بأيّ وسيلة

بيْد أنّ روسيا البوتينية التي لديها تحفظات على قوى الإسلام السياسي والجماعات المتشددة نظراً لعلاقاتها التاريخية المأزومة مع الانفصاليين الإسلاميين المتشددين في بعض الجمهوريات السوفيتية بدعم الولايات المتحدة تمد خيوط تواصلها اليوم مع قوى مماثلة طالما بعيدة عن جغرافيتها السياسية وتخدم مصالحها حتى لو تقوم هذه القوى والجماعات، فقط، بدور الشرطي في مواجهة خصوم موسكو. كما لا يمكن بأي حال من الأحوال تصور وجود تأزم في العلاقات مع إسرائيل وروسيا بل إن هناك تفاهمات واسعة تجري في عدة ملفات كما هو الحال في الملف السوري، وإدارة للمشهد بدقة وعلى حساب الطرف الإيراني. ويمكن القول إنّ الفصائل الفلسطينية تعتمد روسيا قناة اتصال خفية وغير معلنة وتؤدي عدة أدوار وساطة إلى جانب آخرين". 

 

لقاءات بوتين بزعماء من الحشد الشعبي المدعومة إيران، فضلاً عن قادة حماس ثم الرئيس الإيراني يعد من باب المكايدة السياسية للغرب

 

أعلن الرئيس الإيراني عن محاور نقاشاته مع نظيره الروسي، ومنها ضرورة وقف الحرب في عزة وإيصال المساعدات الإنسانية اللازمة، وقال إنّ "طهران وموسكو لديهما رؤية مشتركة للسلام والاستقرار الاقليمي، كما لديهما وجهات نظر مشتركة بشأن القضايا الإقليمية"، مشيراً إلى "استكمال ممر النقل الدولي "شمال – جنوب"، وتعزيز  المجال الصناعي والطاقة". 

أبعد من مجرد شراكة

ووفق وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، فإنّ لقاء بوتين ورئيسي كشف عن تعاون جيد بينهما في مجالات الطاقة والزراعة، وهناك توسع في هذه المجالات خاصة مع انضمام طهران لاتفاقية التجارة الحرة مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. ونقلت وكالة الأنباء الروسية عن بوتين قوله إنّ "توقيع هذا الاتفاق يمكن أن يتم في اجتماع الاتحاد نهاية الشهر الجاري. ويضم أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي كلا من: بيلاروسيا وكازاخستان وروسيا وقيرغيزستان وأرمينيا. ومع توقيع اتفاقية التجارة الحرة، سيتم إعفاء جزء كبير من تجارة إيران مع هذه الدول من الرسوم الجمركية".

وتشير إحصائيات غرفة التجارة الإيرانية إلى أنّ صادرات البلاد إلى أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي حتى تاريخ ميزانية العام الماضي المنتهية في آذار (مارس)، وصلت نحو مليار و350 مليون دولار، كما بلغت وارداتها من الدول الخمس الأعضاء في هذا الاتحاد 1.8 مليار دولار. وكان حوالي ربع إجمالي تجارة طهران مع هذا الاتحاد مرتبطاً بالتجارة بين إيران وروسيا.

القصاص: الموقف الروسي من أحداث غزة يكشف عن تموضع سياسي وإقليمي جديد تتحرك فيه موسكو وطهران معاً

وبحسب الباحث المصري المختص في الشأن السياسي، الدكتور عبد السلام القصاص، فالزيارة التي جمعت بوتين بالرئيس الإيراني تقول إنّ "الموقف الروسي من أحداث غزة، يكشف عن تموضع سياسي وإقليمي جديد تتحرك في إطاره موسكو وطهران معاً، وتحاول كل منهما أن تجد الصيغة والمقاربة الملائمة من الناحية العملية والبراغماتية للعمل كجسم قوي (وليس بالضرورة واحد لكن يتفادى الصدام)، كما يوضح لـ"حفريات"، حيث إنّ الإقليم يشهد موجة تغيير واضحة في ظل ما جرى منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. ومثلما تبدو الحرب الأوكرانية إعادة ترتيب للمشهد الجيوسياسي العالمي وتحدث تغييرات في قمة العالم، فإنّ الشرق الأوسط بصدد تغيير ما يحدث، واللاعبون الإقليميون مقبلون على ترتيب أجنداتهم ومصالحهم. لهذا، يمكن فهم أنّ اللقاء بين بوتين ورئيسي قد امتد خمس ساعات كاملة ومن دون تغطية إعلامية. بل إنّ المؤشرات تذهب إلى أنّ الاجتماع كان ثنائياً وفي دائرة مغلقة بما يعني أنّ الحديث أبعد من "مجرد حديث عن شراكة في مجالات التجارة وهناك صحف تتحدث عن طائرات سوخوي مقابل مسيرات إيرانية". 

ووفق القصاص، فإنّ زيارة بوتين لأبو ظبي والرياض قبل فترة وجيزة من لقائه إبراهيم رئيسي تعكس اهتمام الأول الزائد بإظهار إمكانيات بلاده في تجسير الصلات بين الخليج وإيران، وذلك بنفس درجة اهتمامه وتطلعه لتوسيع إطار "بريكس".

مواضيع ذات صلة:

تعاظم التعاون العسكري بين روسيا وإيران يثير قلق إسرائيل

مفارقات سياسة "بايدن" تجاه روسيا وإيران

أوهام الغرب: تركيا حصن ضد روسيا وإيران



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية