داعش طبعة 2019.. من "الدولة" إلى "شبه الدولة"

داعش طبعة 2019.. من "الدولة" إلى "شبه الدولة"


09/01/2019

كنّا نقول "القاعدة"، وصرنا نقول "داعش"، وربما غداً "أخواتها"، تلك فكرة مستمرة في الحديث عن التعصّب، الذي يولّد العنف ويصنع الإرهاب، وعن السياسة التي لا تعترف بالضمير العالمي والإنسانية والكرامة، والتي بإمكانها أيضاً أن تصنع ما يصنعه التعصب نفسه، فالسياسة تعصّب من نوع آخر للمصالح والأطماع، وهي عنف من النوع الناعم، الصادر عن كلام ناعم ومهذّب بدبلوماسية عالية.

اقرأ أيضاً: إعادة أطفال داعش من العراق إلى روسيا..تفاصيل

"داعش"، تلك الدولة التي صُنعت في عام واحد فقط، أصبحت في طبعة 2019، مطاردة ومهزومة، وتهرب إلى الوراء، وتبحث في الصحراء عن جحور تقيها النار والحرائق واشتعالات الأمكنة تحت أقدامها، لكنّ السؤال الذي حمله العنوان: هل يكفي هذا التباطؤ أو التراجع أو الانحسار الذي تتحدث عنه دول العالم الكبيرة والأمم المتحدة وتحالفها الدولي؟!

مع مطلع هذا العام، تنطلق تحقيقات الأمم المتّحدة حول كل الانتهاكات والفظائع والمجازر والخوف والرعب الذي صنعه هذا التنظيم، وهذه "الدولة" الطارئة في العراق وسوريا، وامتداداتها في كل من ليبيا وشمال إفريقيا وصحراء سيناء.

اقرأ أيضاً: "داعش" يتمدد في جنوب ليبيا

هنا يعلن المحامي البريطاني المتخصّص في حقوق الإنسان لمجلس الأمن الدولي، كريم أسعد أحمد خان، بحسب ما نقلته "العربية"؛ أنّ "فريق التحقيق يُواصل تحضيراته في العراق لبدء أنشطة التحقيق، كاشفاً أنّ المحقّقين جمعوا، منذ آب (أغسطس) الماضي، أدلّةً على مجازر وفظائع عديدة ارتكبها داعش، باعتبار أنّ التحقيق حتى يكون دقيقاً وعادلاً، يجب أن يكون مستنداً إلى أدلة مقبولة بمعزل عن كلّ الذي حدث بالفعل أمام سمع العالم وبصره، تشهد عليه في العراق وحدها أكثر من 12 ألف جثة، في أكثر من 200 مقبرة جماعية.

"داعش" تلك الدولة التي صُنعت في عام واحد فقط أصبحت في طبعة 2019 مطاردة ومهزومة وتهرب إلى الوراء

يجري هذا التحقيق برعاية أممية، وبدعم مليوني دولار من الولايات المتحدة الأمريكية، وبإزائه إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الانسحاب التدريجي لقواته من سوريا، معتبراً، بحسب تغريدة له على تويتر؛ أنّ تنظيم داعش في سوريا تمّ تدميره بصورة دائمة.

إنّه، أقصد ترامب، ينازع العالم اليوم، دولاً وقوى، تلك التي تتحدث عن وجود فعلي وحقيقي لداعش بنسخة 2019، وإن كان هذا الوجود كبقايا قوات وتنظيمات وخلايا، لكنّه موجود، ويمارس أعماله وتحوَّل له الأموال، وآخرها 5 عناصر إرهابية في لبنان متهمة بارتكاب جرائم الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وغسل الأموال ونقلها لصالح التنظيم في سوريا.

اقرأ أيضاً: اكتشاف مقبرة جماعية لمسيحيين إثيوبيين أعدمهم داعش في ليبيا

داعش في 2019، في كلّ من العراق وسوريا، خسر الدولة والخلافة، لكنّه لم يخسر بعد القوة كلّها، ولم يخسر العناصر كلّها، ولم يخسر العمليات الإرهابية أيضاً، في حين تقدم إحصاءات علمية مؤشرات حول انتقال داعش من سوريا والعراق مع الاحتفاظ بعدد من القوات والعناصر والخلايا، إلى مصر وشمال إفريقيا، بمعنى أنّ ترامب زعيم واهم حول تدميره بشكل دائم حتى في سوريا وحدها، لذلك انفضّ عنه مسؤولون خالفوه الرأي والقرار واستقالوا من مناصبهم، تاركين لترامب كلّ هذا الهراء الذي يتحدث عنه، فيما داعش ما يزال هنا بما يشبه "الدولة"، أو على شكل تنظيمات وخلايا سرية، وهذه أخطر من أن تكون "دولة" أو حتى "شبه دولة".

اقرأ أيضاً: بقايا "داعش" في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة

هذه الخطورة تأتي من خلال تحذيرات أطلقها أمين عام منظمة الشرطة الدولية "الإنتربول"، يورغن شتوك، مؤخراً، معتبراً أنّ "داعش2" قادم نحو أوروبا ودول العالم، من خلال عناصر داعشية ينتمون إلى 100 جنسية، بعضهم تسلل إلى دول أوروبا، وبعضهم قضوا محكومياتهم، وسيخرجون من السجون محمّلين برصيد كبير من الأفكار الإرهابية.

العنف لا يموت، والتعصب أيضاً، وحرب الإرهاب ليست حرباً بين دولتين جارتين على جزيرة صغيرة، إنها حرب متحولة إلكترونياً

خبراء وباحثون يعتقدون أنّ "داعش 2" قادمة بالفعل، نتيجة تسرّع ترامب في إعلان وفاة التنظيم، ونتيجة، كما تقول لينا مظلوم في بحث لها حول داعش 2019، الطقوس والتحولات، نتيجة تقلص الهيمنة الأمريكية على العالم وسياسة ترامب في توزيع تصاريح "الحرب بالوكالة" إلى دول أخرى، وانهماك أوروبا في أزماتها السياسية والاقتصادية.

في النهاية؛ داعش ليس داعش فقط، تلك تسمية مرحلية، عبرت من القاعدة إلى مرحلة لا تتطلب هذا الاسم، وهذه هي الوصية التي أوصى بها أسامه بن لادن، داعياً أتباعه إلى استمرارية التغيير والعبور من تسمية إلى أخرى، الأمر الذي يبعث في عناصر التنظيم التجديد المطلوب على مستوى الروح والذات والمعنويات، بما يمثل رؤية للاستعداد لمواجهة جيل جديد وعناوين وأسماء جديدة محتملة للتنظيم الإرهابي، لا يُميت القاعدة ولا يُلغي داعش؛ بل يستثمر في الأفكار والرؤى والتطلعات نفسها، وفي نفس أساليب العمل والانتشار والعبور من مرحلة إلى أخرى.

اقرأ أيضاً: آخر هزائم تنظيم داعش في سوريا

العنف لا يموت، والتعصب أيضاً، وحرب الإرهاب ليست حرباً بين دولتين جارتين على جزيرة صغيرة، إنها حرب متحولة إلكترونياً، تتسرب خارج الجغرافيا عبر البوابة الشبكية العملاقة، وعبر الذئاب المنفردة التي بإمكانها أن تتموضع في كلّ مكان.

الصفحة الرئيسية