"داعش" بين البقاء والفناء في ذكرى الرحيل

"داعش" بين البقاء والفناء في ذكرى الرحيل


13/02/2022

منير أديب

لا شك في أن عملية الإنزال الجوي للتحالف الدولي في بلدة أطمة بمدينة إدلب شمال غربي سوريا قبل عشرة أيام والتي استهدفت زعيم تنظيم "داعش" عبد الله قرداش والمكنى بأبو إبراهيم الهاشمي القرشي هي عملية نوعية بامتياز. صحيح أنها تأخرت كثيراً، فالرجل يسكن في المنزل المستهدف قبل نحو عام تقريباً حيث تولى منصبه التنظيمي في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2019 خلفاً لأبو بكر البغدادي، الخليفة المقتول قبل ثلاث سنوات، ورغم ذلك لم تنجح القوات الأميركية في استهدافه إلا الآن.

نجحت الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع أجهزة استخبارات محلية لم تعلن عنها، في استهداف الرجل الأول في تنظيم "داعش"، فرغم أهمية العملية وقوتها وتأثيرها في ما بعد في التنظيم الأكثر تطرفاً، إلا أنها بدت كرد فعل على انتصار حققه التنظيم قبل عملية الاستهداف بأيام قليلة عندما اقتحم سجن الصناعة في حي غويران بمقاطعة الحسكة في شمال شرق سوريا؛ حيث نجح التنظيم في السيطرة على السجن لمدة عشرة أيام كاملة، كما ارتكب في التوقيت نفسه مجزرة وقام بذبح 11 ضابطاً عراقياً في ديالى، الأمر الذي دل إلى إعادة بناء التنظيم لقدراته العسكرية، وهو ما استدعى في الوقت نفسه القوات الأميركية إلى تنفيذ عملية استهداف كبيرة ربما تغطي على انتصارات التنظيم التي حققها في الأسابيع القليلة الماضية.

أعدت القوات الأميركية بحسب ما أعلنت، للعملية قبل شهر من تنفيذها، وربما أخرت التنفيذ بعد نجاح التنظيم في اقتحام سجن غويران حتى لا توضع العملية في سياق رد الفعل، فيقلل من مردودها الذي أراده البيت الأبيض كانتصار على التنظيم في وقت انتصار التنظيم! خصوصاً أن شعبية الرئيس الأميركي، جو بايدن، انخفضت بشكل ملحوظ بسبب نشاط التنظيم من ناحية وانسحاب قواته المذل من أفغانستان من ناحية أخرى.

نجح الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بهزيمة "داعش" في 22 آذار (مارس) من العام 2019. صحيح أنها هزيمة منقوصة لا قيمة لها، فالتنظيم قد عاد ربما أشرس مما كان عليه في السابق، خصوصاً أن هذه الهزيمة ركزت على الجغرافيا فقط، وتركت التنظيم ينعم من خلال خلاياه النشطة والخاملة والتي عاودت القتل والتفجير مرة أخرى؛ هذا النجاح "الزائف" وضع تراجع الولايات المتحدة أمام تحركات التنظيم الأخيرة، وهو أثر بصورة كبيرة على شعبية الرئيس الأميركي الحالي، ما دفعه إلى محاولة تحقيق انتصار جديد بغض النظر عن كونه حقيقياً أم "زائفاً"، لكن الأهم هو مواجهة تراجع شعبيته وحتى لا يكون الرئيس الذي عاد "داعش" في عهده!

استهداف الرجل الأول في "داعش" سوف ينعكس حتماً على التنظيم، ولكن تأثير ذلك لن يكون كبيراً لأسباب ترتبط بأن التنظيم يعمل بصورة لا مركزية من خلايا خلاياه التي بايعت التنظيم في كل أنحاء العالم. لا نقلل من شأن العملية الأميركية ولكننا في الوقت ذاته نضعها في حدودها، وليس من المصلحة تضخيمها، فالتنظيم ما زال يمثل خطراً جاثماً على صدر العالم ولا توجد أي رؤية لتفكيكه سوى ما تفعله الولايات المتحدة الأميركية من خلال التحالف الدولي، وهي ما تنفرد وحدها بإقراره وتنفيذه أيضاً بمعاونة مقاتلين من دول وجنسيات أخرى.

سريعًا سوف يتم تنصيب خليفة، للخليفة المقتول، وتعود بعدها الخزانة الأميركية لوضع مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي في النهاية إلى إلقاء القبض عليه، وسوف ننتظر سنوات حتى يتم مقتله بعمل نوعي جديد يستهدف خلايا التنظيم. لا ندري أين ستكون عمليات هذه الخلايا في الفترة المقبلة، وكيف يتم بلورة الرد الأميركي، لكن ما نريد الإشارة إليه أننا لدينا مشكلة حقيقية في مواجهة التنظيمات المتطرفة العابرة الحدود والقارات، ولذلك نتوقع أن يظل الخطر قائماً إلى حين وضع استراتيجية لمواجهة التنظيمات المتطرفة عبر حوار طويل وممتد مع الشركاء؛ استراتيجية تشارك فيها كل دول العالم وتناسبها في مواجهة هذه التنظيمات، استراتيجية قائمة على مواجهة التنظيمات المتطرفة وكل من يدعمها من الدول، وما دون ذلك سوف نظل كمن يحرث في البحر.

لا بد من أن ننظر للانتصار الأميركي على "داعش" في توقيته؛ فالتنظيم الذي أقام دولته في 29 حزيران (يونيو) من العام 2014 ما زال يمثل تهديداً حتى الآن. صحيح أن دولة التنظيم سقطت في آذار (مارس) من العام 2019، ولكن نجح التنظيم في العودة مرة أخرى في ذكرى رحيله. صحيح أن هذه العودة كانت مغموسة بمقتل خليفة التنظيم ولكننا لا نستطيع أن نصف هذه العودة بالفناء إلا إذا توافرت لها شروط، أما غير ذلك فلا نستطيع أن نقول إلا أن التنظيم ما زال يمثل خطراً حتى ولو أزيلت دولته وقتل قادة الصف الأول جميعهم، فخطره ليس في قادته فقط، بخاصة أنه بدأ يعتمد سياسة اللامركزية في عمله كإستراتيجية منذ سقوط دولته.

مواجهة الإرهاب تستلزم إنشاء تحالف دولي تكون مهمته محاربة كل جماعات العنف والتطرف بلا استثناء؛ على المجتمع الدولي أن يُحدد مفهوم الإرهاب أولاً وأن يضع ميثاقاً عاماً تتبناه الأمم المتحدة، وبالتالي يكون التحرك آلياً وآنياً في الوقت نفسه عبر ديناميكية دولية ووفق استراتيجية يتم النقاش حولها، ولا بد من أن تفرق هذه الاستراتيجية بين التنظيمات المتطرفة، بل لا بد من مواجهتها كلها وبلا استثناء بغض النظر عن انتماء هذه التنظيمات لطائفة ما، ولا بد أن تُعلي هذه الاستراتيجية من المواجهة العسكرية والفكرية، على مستويي التنسيق المعلوماتي والاستخباراتي وأيضاً على مستوى المواجهة الفكرية وتفكيك بنية هذه التنظيمات.

خطر "داعش" يحيط بالعالم كله من شرقه وغربه، "داعش" ليس تنظيماً ولكنه خلافة بغض النظر عن إيماننا بما أعلنه عن نفسه، ومفهوم الخلافة يعني ببساطة ترابط أفرع التنظيم في كل دول العالم، بمعنى أن قيادة التنظيم تقدم دعمها للأفرع الموجودة في الدول الأخرى، كما أن هذه الأفرع تعمل وفق النسق الذي تحدده هذه القيادة. هذا الخطر يستلزم مواجهة لا تقل في قوتها وعمقها وترابطها عما يفعله التنظيم في مواجهة خصومه، وهنا تبدو أهمية التحالف في مواجهته ليس على المستوى الأمني فقط، ولكن على المستوى العسكري والفكري أيضاً!

"داعش" كان فكرة قبل أن يكون تنظيماً، وعندما ظهر التنظيم ظهرت دولته. من الخطأ التعامل مع دولة التنظيم ونترك التنظيم بخلاياه النشطة والخاملة، ومن الخطأ أن نترك الفكرة التي نشأ عليها التنظيم وننشغل بالتنظيم، فمواجهة الفكرة وتفكيكها جسر العبور للقضاء على التنظيم نفسه، ولا يمكن القضاء على التنظيم من دون القضاء على الفكرة، هذا ما يغفل عنه التحالف الدولي ويغيب عن كثير من الدول التي تواجه التنظيم ... ومواجهته لا بد من أن تكون وفق رؤية وأن تبدأ من الفكرة وليس من الدولة ولا حتى من التنظيم.

أشرت في مقال سابق إلى عودة التنظيم في ذكرى رحيله، والآن أؤكد أن فناء التنظيم لا يمكن أن يكون عبر الفضاء أو الضربات الجوية لبعض قياداته مهما تكن أهميتها أو حتى مناصبهم داخل التنظيم. القضاء على التنظيم يبدأ من البحث عن البذرة للتعامل معها، فأي عمليات لا تفضي إلى تفكيك الفكرة لا قيمة لها، هي مجرد علاج تلطيفي لا يسمن ولا يغني من جوع أشبه بالمسكن الذي يخفف الألم ولكنه سوف يصيب الرأس بالدوار مع كثرته.

عن "النهار" العربي



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية