
في تحول سياسي بارز، أعلن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا يوم الأربعاء 30 نيسان (أبريل) الماضي عن موافقة أعضائه على مشروع الائتلاف الحكومي مع الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) بزعامة فريدريش ميرتس، ممّا يمهد الطريق لتشكيل الحكومة الجديدة الأسبوع المقبل.
وتتضمن اتفاقية الائتلاف، التي تمتد على (144) صفحة، خطة شاملة لمكافحة الإسلام السياسي، مع التركيز على تنظيم الإخوان المسلمين.
بنود الاتفاق المتعلقة بالإسلام السياسي
في الصفحة (85) من الاتفاق ورد: "نحن نعارض جميع المساعي المناهضة للدستور وجميع أشكال العنف بالتصميم والثبات نفسه، سواء كان التطرف اليميني أو الإسلاموي أو التطرف المرتبط بالأجانب أو التطرف اليساري". كما نصّ الاتفاق على "مكافحة الإسلاموية" من خلال وضع "خطة عمل فيدرالية على مستوى الدولة لهذا الغرض"، وتطوير "فرقة العمل للوقاية من الإسلاموية"، لتصبح هيئة دائمة داخل وزارة الداخلية الاتحادية تتعامل بشكل شامل مع هذه الظاهرة وتدعم خطة العمل المنتظرة.
يأتي هذا التوجه في ظل تصاعد المخاوف من تنامي نفوذ الإسلام السياسي في ألمانيا، خاصّة بعد تصنيف وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية (BfV) لحزب "البديل من أجل ألمانيا" (AfD) كـ "قوة يمينية متطرفة مؤكدة"، ممّا يعكس التحديات الأمنية المتزايدة التي تواجهها البلاد.
الإجراءات المتوقعة
تعزيز الرقابة من خلال توسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية، لمراقبة الأنشطة المرتبطة بالإسلام السياسي، وتحركات جماعة الإخوان المسلمين.
إجراء حزمة من التشريعات القانونية، وسن قوانين تجرم الدعوات لإقامة مؤسسات دينية تتعارض مع النظام الديمقراطي، وتعزيز التعاون مع الدول الأخرى لمكافحة التمويل الأجنبي للمنظمات المتطرفة.
وأثار هذا التوجه ردود فعل متباينة؛ فقد رحب البعض بالخطوات الحازمة لمكافحة التطرف، بينما أعرب آخرون عن مخاوفهم من تأثير هذه السياسات على الحريات الدينية وحقوق المسلمين في ألمانيا، وهي الثغرة التي تحاول الجماعة حشد اليسار من أجل مساندة جهودها، لتقويض الاتفاق.
وتواجه الحكومة الجديدة تحديات في تنفيذ هذه السياسات، خاصّة في ظل محاولات التوازن بين الحفاظ على الأمن القومي، وضمان حقوق الإنسان والحريات الأساسية.
ومن المتوقع أن يتم انتخاب فريدريش ميرتس مستشارًا لألمانيا في 6 أيّار (مايو) الجاري، ليبدأ تنفيذ هذه السياسات ضمن أولويات حكومته الجديدة.
ردّ فعل الإخوان
في ظل الإجراءات التي أعلنتها الحكومة الألمانية الجديدة لمكافحة الإسلام السياسي، بما في ذلك وضع خطة عمل اتحادية وتوسيع صلاحيات وزارة الداخلية، بدأت جماعة الإخوان المسلمين والتيارات المرتبطة بها في ألمانيا باتخاذ خطوات مضادة تهدف إلى حماية وجودها والتأثير على الرأي العام.
وتعتمد جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا، وخاصّة في ألمانيا، على شبكة من الجمعيات والمنظمات غير الحكومية، التي تعمل تحت مظلة العمل الخيري والثقافي. وتُستخدم هذه المؤسسات كواجهات قانونية لتعزيز النفوذ المجتمعي والتأثير السياسي، مع الحفاظ على خطاب معتدل يبتعد عن التصريحات المتطرفة الصريحة.
ووفقًا لتقرير صادر عن المعهد الأوروبي للدراسات الأمنية، فإنّ هذه الشبكات تسعى إلى تقديم نفسها كشريك في الحوار المجتمعي، ممّا يُصعّب على السلطات تتبع أنشطتها الحقيقية. وتسعى الجماعة في الفترة المقبلة إلى تعزيز هذا النشاط الخفي لضمان تمويل أنشطة الجماعة بأريحية.
وفي السياق نفسه، تنبني خطة الجماعة على الإعلان عن الالتزام بالقوانين المحلية، من أجل عدم منح أيّ فرصة لخصومها لكشف أهدافها، مع التركيز على استخدام النظام القانوني لحماية أنشطتها. وتعمل الجماعة بالتزامن مع ذلك على توظيف أدوات قانونية متعددة للطعن في الإجراءات الحكومية التي تعتبرها تمييزية، مع تشجيع المسلمين المنضوين تحت لوائها على تقديم شكاوى قانونية ضد ما تعتبره انتهاكات لحقوقها الدستورية.
وتعمل الجماعة حالياً على تعزيز التواصل الإعلامي وتشكيل الرأي العام، وتسعى إلى التأثير على الرأي العام من خلال وسائل الإعلام، لتُبرز الخطاب الذي يُصورها كضحية للتمييز الديني والسياسي. وتُستخدم هذه الاستراتيجية لكسب تعاطف المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية، ممّا يُشكل ضغطًا على الحكومة لتخفيف إجراءاتها.
وفي الوقت نفسه تُقيم الجماعة علاقات مع منظمات حقوق الإنسان والجمعيات المدنية للدفاع عن حقوق المسلمين في ألمانيا، ومجموعات اليسار، وتُستخدم هذه التحالفات لتقديم صورة عن الجماعة كمدافع عن حقوق الأقليات، ممّا يُعزز من موقفها في مواجهة السياسات الحكومية المتشددة. وفي سياق خطة تهدف إلى الاستفادة من التوترات السياسية الداخلية، مثل: تصنيف حزب "البديل من أجل ألمانيا" كحزب متطرف، لتسليط الضوء على ما تعتبره ازدواجية في المعايير الحكومية، تُبرز الجماعة هذه التناقضات لتقوية موقفها والدفاع عن أنشطتها.
ومن المتوقع، في ظل التشديد الأمني المرتقب، أن تُظهر جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا قدرة على التكيف مع البيئة السياسية والقانونية، مع التركيز على استراتيجيات ناعمة؛ تهدف إلى الحفاظ على وجودها وتوسيع نفوذها، في مواجهة السياسات الحكومية التي تهدف إلى تقليم أظافر جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين.