في المملكة العربية السعودية المرأة نصف المجتمع؛ نصفه من حيث عدد السكان (42.52 بالمئة حسب إحصائيات 2017)، ونصفه من حيث عدد الدارسين المسجلين في الجامعات السعودية (51.8 بالمئة)، وهي نصف المجتمع الأكثر طموحا، وفق مؤشر السعادة لدى شباب السعودية.
انطلاقا من هذه الأرقام وغيرها، حازت المرأة على اهتمام كبير في رؤية السعودية 2023 وفي خطط الانتقال الاقتصادي من عصر النفط إلى عصر الخدمات والسياحة والاقتصاد الرقمي، وفي خطوات ما يطلق عليه المثقفون وأنصار الإصلاح في السعودية بـ“الصحوة من الصحوة”.
لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور ونصفه لا يحظى بحقوقه، بل إنه يخضع لقوانين وأفكار تحوله إلى عائق للتنمية وعبء على الدولة. فكما هي المرأة نصف المجتمع من حيث عدد المتخرجين والمتفوقين هي أيضا أكثر من نصفه من حيث اليد العاملة المهدرة والقوة المنتجة الضائعة لأسباب اجتماعية وتوظيفات دينية انتهت صلاحيتها.
في الماضي، كانت الأفكار الاجتماعية التي تحصر المرأة في صورة نصف المجتمع الذي تنحصر مهمته في الزواج والإنجاب، تجد صداها بسبب ارتفاع نسبة الأمية في صفوف النساء وزواج القاصرات والانغلاق المجتمعي في عصر لم توجد فيه الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ولم تتبلور فيه فكرة مرحلة ما بعد النفط وكان ينظر إلى التغيير على أنه “شرّ”.
اليوم، السعودية تتغير. يرتبط هذا التغيير بأوضاع وأحداث داخلية وإقليمية ودولية مترابطة. أسعار النفط غير المستقرة، العولمة الرقمية وانفتاح الشباب السعودي على الخارج. اليوم لم يعد الشباب يحتاج إلى البعثة التعليمية ليسافر ويرى العالم بكبسة زر يكون كل العالم وما يجري فيه بين يديه. الحرب على الإرهاب وأحداث 11 سبتمبر تفرض هذا التغيير.
في السنوات الأولى التي أعقبت تفجيرات برجي التجارة العالميين، تقوقعت السعودية على نفسها. تراجع دورها الإقليمي والدولي نسبيا، وكان لذلك تأثير استراتيجي عميق. كبرت رقعة الإرهاب وانتشر التطرف، ووجدت السعودية نفسها مجبرة في كل مرة على الدفاع رغم أنها كانت من أبرز المتضررين والمستهدفين.
كان لا بد من نظرة مختلفة ومن “ثورة” تواكب تطورات عصر الثورة الرقمية الرابعة بكل تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. يشكل الشباب أكثر من نصف التركيبة السكانية في السعودية، والتعامل مع هذا المكون الديموغرافي بنفس العقلية السابقة لن يولد غير المشاكل، وإذا لم يتحرك مركز القرار فسيتحرك هؤلاء الشباب، إن عاجلا أم آجلا.
وفي قلب هذه التركيبة عدد كبير من الإناث كن إلى عهد قريب قوة استهلاكية فقط، وهو ما تفرضه المرأة السعودية اليوم، والتي أثبتت أنها قادرة على إعلاء صوتها وثباتها على موقفها، مثلما أثبتت، حتى وهي مظلومة اجتماعيا وقانونيا أنها قادرة على أن تكون على قدر المسؤولية التي أناطها بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في برنامج التحول الوطني السعودية 2020 وفي رؤية السعودية 2023، التي أكدت على أن “المرأة السعودية تعد عنصرا مهمّا من عناصر القوة، إذا تشكل ما يزيد على 50 بالمئة من إجمالي عدد الخريجين الجامعيين”.
وتهدف رؤية المملكة العربية السعودية 2030، التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلى زيادة مشاركة النساء في قطاع العمل بنسبة تتراوح بين 22 بالمئة و30 بالمئة بحلول العام 2030. وقال المتحدث باسم وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، خالد أبا الخيل، “تعمل الآن 600 ألف امرأة سعودية في القطاع الخاص.. بينما لم يتجاوز هذا العدد 90 ألف امرأة سعودية في العام 2011”. وتعهد الأمير محمد بن سلمان بالاستمرار في تنمية مواهب المرأة السعودية واستثمار طاقتها وتمكينها من الحصول على الفرص المناسبة لبناء مستقبلها والإسهام في بناء المجتمع وتنمية الاقتصاد. ولأن المرحلة لم تعد مرحلة أقوال فقط والظرف لا يسمح بالشعاراتية دون الفعل الملموس، اتخذت الجهات السعودية المسؤولة منذ السنة الماضية عدة قرارات حاسمة وحازمة أثبتت جدية هذا المسعى الانتقالي.
ولا شك في أن حل أزمة قيادة المرأة السعودية للسيارة بعد عقود طويلة من المنع، يعد الحدث الأبرز في مسيرة حقوق المرأة السعودية، لكن الأهم هو الذي جاء بعد ذلك من قرارات بعضها له بعد اجتماعي على غرار دخول الملاعب والفتاوى التي تقلل من التشدد في الحياة اليومية من ذلك تصريح عضو هيئة كبار العلماء في السعودية عبدالله المطلق الذي أشار فيه إلى أن المرأة يمكن أن تكون محتشمة من دون أن ترتدي العباءة، وصولا إلى التقليص من دور الشرطة الدينية التي كانت تعتبر كابوس المرأة في الشوارع السعودية.
ولأول مرة منذ أكثر من خمسة عقود، اعتلت المرأة السعودية خشبة المسرح كممثلة أمام الرجل في مسرحية حياة الإمبراطور، بدعم من هيئة الترفيه. وتتوالى القرارات التي تدفع قدما نحو إدماج المرأة في الحياة العامة الترفيهية والعملية، وإعطائها الفرصة لإثبات وجودها والعمل في مجالات كانت إلى زمن قريب حكرا على الرجال، مثل السماح لها بالعمل في النيابة العامة والعمل في شركة خدمات الملاحة الجوية.
وبينما لا تزال المنظمات الحقوقية العالمية تردد نفس الأسطوانة بشأن الحقوق المسلوبة للمرأة السعودية، دون مراعاة لخصوصية الخطوات الإصلاحية في بلد مثل السعودية، يكشف الواقع السعودي عن وجه آخر، من بين تفاصيله قائمة نسائية عن سعوديات اقتحمن القطاع المالي والاقتصادي في المملكة، وأثبتن جدارتهن في قيادة الأعمال، حتى في زمن منعهن من قيادة السيارة.
تتولى المرأة السعودية اليوم مناصب قيادية في القطاع الخاص، تشمل عددا من البنوك والغرف التجارية، إضافة إلى تربعها على قمة الهرم في شركة السوق المالية السعودية “تداول” التي تدير البورصة في البلاد.
وقررت السلطات السعودية، الأحد، السماح للمرأة في المملكة ببدء عملها التجاري والاستفادة من الخدمات التي تعتمدها المؤسسات الحكومية من دون الحاجة إلى موافقة من “ولي الأمر”، وذلك بهدف دعم القطاع الخاص. وكتبت وزارة التجارة والاستثمار على موقعها “الآن بإمكان المرأة البدء بعملها التجاري والاستفادة من الخدمات الحكومية دون الحاجة لما يثبت موافقة ولي الأمر”. وصدر القرار ضمن مبادرة تحت مسمى “ما يحتاج” أطلقتها الوزارة بهدف تسهيل أعمال القطاع الخاص.
ومن بين الأسماء البارزة في النشاط التجاري، سارة السحيمي التي عُينت رئيسا لمجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية “تداول” كأول امرأة في هذا المنصب.
وتقلدت رانيا نشار منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة سامبا المالية، ثاني أكبر البنوك في المملكة، كأول سيدة تشغل منصب رئيس تنفيذي لبنك سعودي على الإطلاق. وتبرز خلود الدخيل ضمن أبرز السيدات اللاتي تولين مناصب مالية قيادية في السعودية مؤخرا، وتولت منصب رئيس لجنة الإحصاء في غرفة تجارة وصناعة الرياض.
ويؤكد الخبراء أن تولي المرأة السعودية للعديد من المناصب القيادية في القطاع المالي مؤخرا ليس صدفة ولا صورة تجميلية، كون جميعهن لديهن خبرات وكفاءات يستحققن أن يصلن بها لتلك المناصب، كما أنه نتيجة مطالبات متراكمة بأخذ دورها، فيما ذهب مسؤولون سعوديون إلى التأكيد على أهمية الاستفادة من السعوديات من ذوات العلم والخبرة والتخصص في قضايا الأحوال الشخصية وقضايا المرأة والطفل وفي اللجان القضائية المؤقتة مثل التجارية والطبية والإصلاح الأسري وغيرها، وفي مجال التحكيم والوساطة والتسويات القضائية كمرحلة أولى ومن ثم يتم تقييم ودراسة التجربة لتقدير مدى الاستفادة من العنصر النسوي.
ولم تتوقف التغييرات والإصلاحات، ولن تتوقف، بل إنها تسير كل يوم بشكل أعمق نحو فتح ملفات وقضايا شديدة الحساسية، من ذلك موافقة مجلس الشورى على ملاءمة دراسة مقترحي التعديلات على نظام الجنسية السعودية المقدمين من عدد من أعضاء الشورى، في خطوة أخرى تؤكد جدية المسعى الحكومي في إعطاء المرأة حقوقها، لتكون بدورها قادرة على إعطاء المجتمع والبلاد.
وطالب مجلس الشورى في ذات الجلسة الثلاثاء 13 فبراير 2018، بنك التنمية الاجتماعية بافتتاح أقسام نسائية في جميع فروعه لتسهيل حصول النساء على القروض. كما طالب وزارة التعليم بإتاحة الفرص العادلة للكفاءات النسائية المتميزة لتولي المناصب القيادية والعلمية العليا في الجامعات ومراكز البحوث والدراسات.
وتشكل مناقشة المجلس للمشروع بصيص أمل لأبناء السعوديات المتزوجات من أجانب، فيما شدد العضو في مجلس الشورى فيصل آل فاضل، بحسب وسائل إعلام محلية، على أن التجنيس حق من حقوق الإنسان سواؤ كان من أبناء الأمهات السعوديات أو الآباء السعوديين، مشيرا إلى أن المقترح يصب في مكافحة التمييز.
وفي الأعوام الأخيرة، بات بإمكان ابن السعودية أن يدرس في الجامعات والمدارس الحكومية، إلا أنه لا يحق له الابتعاث على حساب الدولة. وله الحق في الحصول على عمل ويعامل معاملة السعودي في احتساب نسب السعودية، ولكنه في النهاية ليس مواطنا أسوة بمن والدته أجنبية ووالده سعودي.
عن"العرب" اللندنية