خارطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا ومخاطرها على الأمن الدولي

خارطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا ومخاطرها على الأمن الدولي

خارطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا ومخاطرها على الأمن الدولي


16/08/2023

نشر (المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات) دراسة تتعلق بخارطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا، وملامح التطرف وواقع ومخاطر تلك الجماعات، وتأثير الهجرة غير الشرعية على أمن أوروبا القومي ومصادر الطاقة، وشبكات الجريمة المنظمة.

وتطرقت الدراسة إلى تزايد أنشطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا، لا سيّما في غرب أفريقيا، حيث سُجّل العديد من الهجمات لجماعات موالية لـ (داعش والقاعدة). وأصبح تهديد الجماعات المتطرفة ينتقل تدريجياً من منطقة  الساحل إلى الدول الساحلية على طول خليج غينيا. وتمكنت الجماعات المتطرفة في أفريقيا من استقطاب وتجنيد العديد من الشباب من خلال الدعاية على وسائل التواصل الاجتماعي لشن هجمات مستقبلية.

وترتكز الجماعات "الجهادية" التابعة لتنظيم القاعدة، والتي تعدّ امتداداً لـ (الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، في منطقتين؛ منطقة الساحل الأفريقي حيث تتمركز جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وعلى مستوى القرن الأفريقي حيث تنشط حركة (الشباب الإسلامي)، وفق الدراسة.

وأوردت الدراسة رصداً للمسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية الدكتور (لورانس فرانكلين) في كانون الثاني (يناير) 2023، أفاد بوجود "حالة من التشابه" بين أهداف (داعش، والقاعدة) في أفريقيا.

وأوضح (فرانكلين) أنّ "تنظيمي (القاعدة وداعش) يسعيان لتعزيز وجودهما في الساحة الأفريقية، إلا أنّ هناك اختلافاً في طبيعة أدواتهما. مضيفاً: "تنظيم القاعدة يعتمد على التجذر في صلب المجتمعات الأفريقية عبر الترويج لأطروحة مواجهة القوات الأمنية المحلية المدعومة إقليمياً ودولياً، وذلك في إطار استراتيجية الانتشار التنظيمي التي تقوم بشكل أساسي على التوسع جغرافيّاً بأكبر قدر ممكن، لكن دون السيطرة على الأرض بشكل كامل".

شهدت (20) دولة على الأقل في أفريقيا نشاطاً مباشراً لداعش، ويتم استخدام أكثر من (20) دولة أخرى للخدمات اللوجستية

وعن خارطة الجماعة المتطرفة في شمال وشرق وجنوب ووسط أفريقيا، أورد المركز عدداً من الجماعات؛ منها: (كتيبة عقبة بن نافع، وجماعة حماة الدعوة السلفية في الجزائر، وجند الخلافة في تونس، وجماعة الاعتصام في السودان، وحركة الشباب الصومالية، وجماعة الشباب في موزمبيق، وبوكو حرام، وجماعة نصرة الإسلام التي تشكلت من تحالف (3) جماعات، وهي جماعة أنصار الدين والمرابطون وحركة ماسينان، وجماعة كتائب الصحراء، والقوات الديمقراطية المتحالفة).

وأفردت الدراسة مساحة واسعة للحديث عن تنظيم داعش الإرهابي مؤكدة أنّه بدا في الصحراء الكبرى ضعيفاً بعد خسارة عدد من قادته، بدءاً من مؤسسه المغربي عدنان أبو وليد الصحراوي الذي قُتل في آب (أغسطس) 2021.

ويتمركز تنظيم داعش في منطقة الحدود الـ (3) بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، لكنّ نشاطه يميل للانحراف نحو الشرق باتجاه بحيرة تشاد، وزاد من اهتمامه بالتوسع نحو غرب نيجيريا باتجاه خليج غينيا.

تزايدت أنشطة الجماعات المتطرفة في أفريقيا، لا سيّما في غرب أفريقيا، وقد سُجّل العديد من الهجمات لجماعات موالية لداعش والقاعدة

ووفقاً لدراسة المركز الأوروبي، فقد شهدت (20) دولة على الأقل في أفريقيا نشاطاً مباشراً لـ"داعش"، ويتم استخدام أكثر من (20) دولة أخرى للخدمات اللوجستية، وحشد الأموال والموارد الأخرى.

ومن الجماعات التي رصدتها الدراسة أيضاً في أفريقيا جماعة (الثخراوي)، التي تشكلت في العام 2014 كجماعة "جهادية"، وأعلنت ولاءها لتنظيم داعش في بلاد الشام، وينشط التنظيم في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وقالت الدراسة: إنّ معدل هجمات (داعش) في وسط أفريقيا وفي الجنوب الأفريقي، ارتفع بمعدل 50% خلال عام 2022 مقارنة بأعوام سابقة، وفي مناطق غرب أفريقيا بواقع 20%، وسجل إجمالي عدد الهجمات في عام 2022 (550) عملية، جاءت الصومال في المرتبة الأولى؛ إذ بلغت عدد العمليات التي شنّتها (حركة الشباب) وفرع (داعش) في الصومال (204) عمليات، وتأتي نيجيريا في المرتبة الثانية بـ (76) عملية، واحتلت بوركينا فاسو المركز الثالث بـ (70) عملية، وجاءت الكونغو الديمقراطية في المرتبة الرابعة بواقع (60) عملية.

وأضافت الدراسة أنّ مخاطر الجماعات المتطرفة في أفريقيا كبيرة جداً على أمن الدول الأوروبية، وتهدد المصالح الغربية داخل الدول الأفريقية، لأنّ هذه الجماعات غالباً ما يكون لها روابط وصلات بالجماعات المتطرفة في أوروبا، وقد يجد التطرف الذي تشهده بعض الدول الأفريقية طريقه إلى أوروبا عبر تسلل العناصر المتطرفة بموجب آليات تهدف إلى مساعدة اللاجئين، وأيضاً من خلال تجنيد واستقطاب الشباب لتنفيذ هجمات إرهابية.

تنظيما القاعدة وداعش يسعيان لتعزيز وجودهما في الساحة الأفريقية، إلا أنّ هناك اختلافاً في طبيعة أدواتهما

وحددت الدراسة بعض الطرق التي يمكن من خلالها للجماعات المتطرفة في أفريقيا أن تهدد أمن أوروبا، وهي استهداف المصالح الغربية، فقد جندت (القاعدة) العديد من الأشخاص في أوروبا لشن هجمات إرهابية، واستهدفت تفجيرات في عام 2004 قطارات في مدريد، وبعد عام حدثت تفجيرات لندن التي تضمنت هجمات منسقة استهدفت نظام النقل العام. وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات، من بينها هجوم في باريس عام 2015، وفي عام 2016 وقعت تفجيرات في بروكسل.

واستهدف هجوم قوات بعثة تحقيق الاستقرار (مونسكو) في جمهورية الكونغو الديمقراطية في مقاطعة (إيتوري) في 6 نيسان (أبريل) 2022. وفي عام 1998 نفذ تنظيم داعش هجومين منفصلين فجّر فيهما سفارتين للولايات المتحدة في كل من كينيا وتنزانيا، وأسفرت الهجمات عن مقتل معظم الموظفين المدنيين وقتذاك. واستهدف هجوم قاعدة لقوات بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي (مينوسما)، وذلك بعد مقتل مسؤول في البعثة وإصابة (2) بانفجار شمالي البلاد.

أبرز الجماعات المتطرفة في أفريقيا: كتيبة عقبة بن نافع، وجند الخلافة، وجماعة حماة الدعوة السلفية، وجماعة الاعتصام، وحركة الشباب، وبوكو حرام

واستفادت الجماعات المتطرفة، عبر شبكات الجريمة المنظمة، من تجارة السلاح، منها (بوكو حرام)، وتُعدّ جماعة (نصرة الإسلام) في مالي التي تشكلت في العام 2017 والموالية لتنظيم (القاعدة) من أبرز الجماعات التي استفادت من تجارة السلاح، وتضم (4) جماعات؛ هي: (جماعة أنصار الدين، وكتيبة المرابطون، وإمارة منطقة الصحراء الكبرى، وكتائب تحرير ماسينا).

وأكدت وزارة الخزانة الأمريكية في 2023 أنّ إيرادات (بوكو حرام)، التي يتمدد نفوذها في غرب أفريقيا وجنوب الصحراء، تقدَّر بنحو (10) ملايين دولار سنوياً، وتأتي معظم هذه الأموال من الجرائم المنظمة مثل الخطف، وتجارة السلاح والمخدرات. ويندمج بهيكل (بوكو حرام) شبكات إجرامية، وتهيئ بيئة مواتية لشبكات الجريمة المنظمة التي أعادت هيكلة تنظيم أنشطتها، وتحقق حركة (الشباب الصومالية) نحو (100) مليون دولار سنوياً من خلال تسهيلات مالية لعمليات التجارة غير المشروعة.

أمّا عن الأمن السيبراني، فقد أظهرت بعض الجماعات المتطرفة في أفريقيا قدرة متزايدة على استخدام الهجمات الإلكترونية لاستهداف الدول الغربية. على سبيل المثال كانت آلة الدعاية لتنظيم (داعش) تعتمد إلى حد كبير على وجودها على الإنترنت، ممّا سمح لها بالوصول إلى مؤيدي التنظيم وإلهام الهجمات في أوروبا. واخترق (داعش) دفتر عناوين رئيس الوزراء البريطاني السابق (توني بلير)، واستهدف شبكة القنوات الفرنسية “TV5” وتعطيلها لتستبدل صفحات مواقع قنواتها بشعارات خاصة بـ (داعش).

واستخدمت الجماعات المتطرفة آخر إصدار لتطبيق تيندر (جنوب أفريقيا)، لخداع المستخدمين وابتزازهم للحصول على أموال لتمويل أنشطتهم في القارة في 15 كانون الأول (نوفمبر) 2022 عبر محادثات وصور وهمية ترسل عبر الإنترنت يطلبون خلالها أموالاً من المستخدمين. تلك الخلية كانت لها أهمية كبيرة في تحويل الأموال من قيادة (داعش) إلى المنتسبين للتنظيم في جميع أنحاء أفريقيا.

أمّا عن تهديد أمن الطاقة، فقد أوضحت الدراسة أنّ هجمات الجماعات المتطرفة على حقول الغاز في نيجيريا تسببت في وقف صادرات الغاز النيجيري إلى أوروبا، والذي يؤدي بدوره إلى مضاعفة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً في دول أوروبا الغربية، المستورد الرئيسي للغاز النيجيري، ممّا يفاقم الضغط على قطاع الطاقة الأوروبي.

أنشأت الأمم المتحدة بعثات لحفظ السلام في عدة دول أفريقية

وبالنسبة إلى الهجرة واللاجئين، فقد زاد عدد الأشخاص الذين حاولوا العبور بحراً من شمال أفريقيا إلى أوروبا في العام 2021 بنسبة 58%، ليصل إلى قرابة (76) ألف شخص من كانون الثاني (يناير) 2021 حتى حزيران (يونيو) من العام ذاته، وتمكنت بلدان شمال أفريقيا من منع ما يقرب من 37% من محاولات الهجرة شمالاً إلى أوروبا.

وتتردد الدول الأوروبية في إعادة فتح أبوابها للمهاجرين الأفارقة، ويرجع ذلك إلى الهجمات الإرهابية المتعددة التي شهدتها أوروبا في الأعوام الأخيرة، بعضها ارتكبها عناصر متطرفون تسللوا إلى أوروبا بموجب آليات تهدف إلى مساعدة اللاجئين. على سبيل المثال تمكن لاجئ ليبي في عام 2020 من طعن (3) رجال باستخدام سكين خلال هجوم في حديقة في منطقة (ريدينغ) غرب العاصمة البريطانية لندن. ويُعتبر توقيف (إسلام علوش) في مرسيليا دليلاً على أنّ أجهزة الاستخبارات الأوروبية غالباً ما تعجز عند التدقيق بأحوال المتطرفين.

والآليّة التي تتبعها الدول الغربية في مكافحة الجماعات المتطرفة، إلى جانب العمليات العسكرية، هي مبادرات مثل تعزيز الأصوات المعتدلة، ودعم وسائل الإعلام المحلية ، وتوفير فرص التعليم والتدريب المهني للفئات الضعيفة من السكان، بالإضافة إلى المساعدة الإنسانية، إلى جانب المبادرات العسكرية والدبلوماسية والإنمائية التي شكلت نقطة فارقة وضرورية في استراتيجية القارة الأوروبية لمواجهة التطرف والتطرف العنيف المؤدي للإرهاب داخل أراضيها.

أمّا عن دور الأمم المتحدة، فقد قال المركز في دراسته: إنّ المنظمة الدولية تعمل بمجموعة من المبادرات الدبلوماسية والإنسانية والأمنية على دعم جهود محاربة الإرهاب في القارة الأفريقية.

وأنشأت الأمم المتحدة بعثات لحفظ السلام في عدة دول أفريقية، ومن بينها بعثة مينوسما (MINUSMA)  في مالي، وبعثة (UNSOM) في الصومال، بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار ومساندة الحوار الوطني وإعادة إصلاح مؤسسات الدول.

وعلى مدار أكثر من (5) عقود توالت عمليات حفظ السلام في غرب أفريقيا، وضمت (4) عمليات في (ليبيريا ـ كوت ديفوار ـ مالي ـ سيراليون)، وفي 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2022 مدد مجلس الأمن البعثة الأممية في الصومال لدعم موقفها ضد تنامي حركة الشباب المتطرفة في بعض المناطق، وتعزيز تقديم الخدمات للسكان في المناطق المحررة من الحركة.

الجماعات المتطرفة في أفريقيا تُعدّ خطراً كبيراً على أمن الدول الأوروبية، وتهدد المصالح الغربية داخل الدول الأفريقية

مكافحة الإرهاب ـ تمدد النشاط الإرهابي في أفريقيا، تحديات المواجهة، بقلم هند ناصر خلفان السويدي.

تسهم الأمم المتحدة في الجهود الدبلوماسية لدعم السلام ووقف الصراعات ومكافحة الفقر وانعدام المساواة في المجتمعات الأفريقية باعتمادها الدبلوماسية الوقائية والوساطة للتشجيع على الحوار من خلال إرسال مبعوثين أمميين لمناطق النزاع، ولعبت هذا الدور في الـ (20) عاماً الماضية في سيراليون وليبيريا وكوت ديفوار، إضافة إلى مالي في الفترة الأخيرة.

كما تلجأ إلى تطبيق تدابير اجتماعية واقتصادية قائمة على أهداف التنمية المستدامة 2030 حيث ينص الهدف (10) على القضاء على أوجه عدم المساواة ويستهدف الهدف (16) تحقيق العدالة وبناء المؤسسات كمدخل لتعزيز السلام والتنمية بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي والجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.

وتعمل الجهود الأممية على إيصال المساعدات الإنسانية لملايين الأشخاص المتضررين من الإرهاب في أفريقيا، وتعدّ مبادرة إنشاء "لجنة حوض بحيرة شاد"، التي تضم (تشاد ـ الكاميرون ـ النيجر ـ نيجيريا) وبرنامج العمل الاستراتيجي في حوض بحيرة تشاد خلال 2017 نماذج لمعالجة الأمم المتحدة الأسباب الأساسية وراء انتشار الإرهاب، بتنسيق العمل عبر الحدود، وتأسيس مشاريع التنمية الاقتصادية، ودعم الاستثمارات في التنمية الريفية والزراعة، وحلّ النزاعات، ودعم أنظمة الحماية المجتمعية.

مواضيع ذات صلة:

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

مجموعة فاغنر.. جرائم المرتزقة عابري القارات في أفريقيا

داعش يغير تكتيكاته وخارطته داخل أفريقيا... ما الأهداف والتداعيات؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية