حين يصبح التحرش الجنسي واجباً دينياً

حين يصبح التحرش الجنسي واجباً دينياً


22/10/2020

يتشابه الإرهاب، بمعناه الشائع الذي يتّصل بالأمن العام للدول، مع التحرّش الجنسيّ، في كثير من النقاط؛ منها ما يتعلّق بالفكر، واستهداف فئة محددة، والنتيجة النهائية، وهي الترهيب، وتحديداً في المجتمعات العربية، والحالة الخاصة لمصر، الأشدّ وضوحاً.

وبشكل عام؛ التحرش الجنسي جريمة جنائية، في جميع المجتمعات، لكنّها تأخذ بعداً شبيهاًبالإرهاب في حالة المجتمع المصري، نتيجة وجود بيئة تحريضية تمييزية بحقّ المرأة، تستهدفها كأنثى، وتستمدّ هذه البيئة وقودها من أفكار أيديولوجية، ترتبط بالفكر الدّيني والإسلام السياسيّ، في المقام الأول، وهذه النقطة المشتركة الأولى مع الإرهاب، فضلاً عن عوامل أخرى؛ اجتماعية وقانونية، وغير ذلك.

اقرأ أيضاً: مقتل مريم فتاة المعادي يثير ضجة في مصر حول التحرش والسرقة

ويأخذ التحرش في مصر بعداً دينياً كبيراً؛ إذ ترافق شيوعه مع شيوع الخطاب الديني، فيما يُعرف باسم الصحوة الإسلامية، التي بدأت منذ السبعينيات في مصر، كما شغل مساحة واسعة من هذا الخطاب، وكان تغيير وضع المرأة بشكل عام، أحد مقوّمات هذه الصحوات.

ويتمثّل الهدف الأساسي للإرهاب في نشر الخوف، لإجبار العدو على القبول بأهدافه، وهو ما ينطبق على وضع المرأة؛ فهدف التحرّش هو إجبارها على الالتزام بنسق معين من القواعد والضوابط، المستمدّة من الفهم الدّيني الشائع، الذي خرج من عباءة التديّن الشعبي الحديث، ذي النزعة السلفية.

وعلى عكس الإرهاب؛ فإنّ التحرش لا يحظى، حتى اليوم، بمعالجة متكاملة في المجتمع المصري، تبحث أوجه العلاج؛ القانوني والأمني والاجتماعي والفكري، ورغم ما حققته مصر مؤخراً من تقدّم في تغليظ عقوبات التحرّش، إلا أنّ المعالجة ما تزال دون الخطر بكثير، الذي بات إرهاباً حقيقياً لكلّ فتاة مصرية، وهي نتيجة لم يقدر الإرهاب المسلَّح ذاته على تحقيقها.

التحرّش الجنسيّ والإرهاب

يعدّ التحرّش جريمة يُعاقب عليها القانون في دول العالم، مع وجود اختلاف بين الدول حول توصيف التحرّش، وعقوباته، والموقف منه عبر وسائل الاتصال الحديثة.

وبسبب تنامي ظاهرة العنف، النابع من الدّين، وأخذه طابعاً إرهابياً، تمّ بإلارهاب، مثلما وصفت فرنسا الإرهاب النابع من البيئة المسلمة بأنّه "إرهاب إسلامي".

اقرأ أيضاً: لماذا يميل المجتمع لاختلاق الأعذار للمتحرش؟

وكذلك الحال مع التحرّش؛ فشيوعه وتداخل عوامل دينية فيه، ووجود التحريض ضدّ المرأة، يجعله يأخذ طابعاً إرهابياً، وإن لم يصفه القانون بذلك. وحول ذلك تقول الناشطة في حقوق المرأة، منّة بارح: "في مصر نحن البلد الوحيد الذي يُبرَّر فيه التحرش على أساس ديني، بسبب اللبس أو السلوك، ويكون مقروناً بتهديد للمرأة؛ إذا لم تلتزم بضوابط معينة فهي مباحة لكلّ فرد، والتحرش في ذاته ليس عملية إرهابية، لكنّه، في عمومه، فعل إرهاب للمرأة، التي تخالف مجموعة من الضوابط المحددة".

من مظاهر التحرّش في مصر

وتردف بارح، لـ "حفريات": "في كلّ دولة هناك تحرّش، لكن ليس على أساس الملبس، إنّما لأسباب إجرامية أو نفسية، لكن في مصر، أغلب المتحرّشين لا توجد لديهم دوافع جنسية، بل يضايقون الأنثى عقاباً لها على سلوكها غير المقيَّد بضوابطهم".

وكما احتلّ مفهوم الحاكمية، الذي يغذّي الإرهاب، مركزاً في دعوة الإسلام السياسي، والحركات الإرهابية النابعة منه، كذلك احتلّت قضايا المرأة مركزاً في هذه الدعوات.

اقرأ أيضاً: شكاوى داخل "الأمم المتحدة".. منها التحرش والتمييز الجنسي.. ما القصة؟

ومارست جماعات الإرهاب في مصر، إبان فترة التسعينيات، إرهاباً ضدّ الدولة والمرأة على حدّ سواء، وكذلك الأنشطة الترفيهية، مثل دور السينما، وتعرضت المرأة، غير المحجبة، أو التي ترتدي بنطالاً، إلى عقوبات جسدية؛ سواء بالجَلد، أو برشّ المياه الحارقة على أجسادهن.

الناشطة منّة بارح لـ"حفريات": في مصر يُبرَّر التحرش على أساس ديني، بسبب اللبس أو السلوك، ويكون مقروناً بتهديد للمرأة إذا لم تلتزم بضوابط معينة

وما يزال التعدّي على المرأة، حتى الطفلات منهنّ، يحدث بأدوات مختلفة، سواء عبر قيام متحرشين بضرب الفتيات، أو صدم بعضهن بالدراجات النارية، أو تضييق السائقين الذكور على الفتيات أثناء قيادتهن للسيارات، وهي أفعال تختلف عمّا فعلته الجماعات الجهادية في أنّ القائمين عليها أفراد غير منتمين إلى كيانات منظمة، وهي حالة تتشابه بشكل آخر مع العمليات الإرهابية التي يقوم بها أفراد يعتنقون الفكر الإرهابي، دون انتماء إلى جماعة معينة، وهي الظاهرة التي تُعرف باسم "الذئاب المنفردة".

التوصيف القانوني

وهناك اختلاف بين القانون والفهم الشائع حول مصطلح "التحرش"، ولا توجد جريمة في القانون المصري تحمل اسم "التحرش".

وحول ذلك؛ يقول المحامي المصري، أحمد خلوصي: "لا يميّز القانون المصري على أساس النوع في العقوبات، ولا يوجد نصّ في القانون الجنائي خاصّ بالمرأة، سوى نصّ عقوبة الاغتصاب".

ويتابع خلوصي، لـ "حفريات": "التحرّش الجنسي اللفظي يعامل بالقانون على أنّه "خدش للحياء"، أو سبّ وقذف، أو تعرُّض للأنثى، وذلك بحسب قيد وصف النيابة العامة، أما التحرّش الجنسي الجسدي فهو هتك عرض".

عدوانيّة تجاه المرأة

ويرى خلوصي؛ أنّ "نصوصاً كثيرة في القانون مطاطة، وتحتاج إلى إعادة نظر، بمشاركة أكاديميين ورجال قضاء ومحامين، حتى يخرج القانون دون ثغرات، وعند مناقشة القوانين حول المرأة، لا بدّ من إشراك فئات مجتمعية متنوعة؛ تضمّ حقوق الطفل والمرأة، وتمثيلاً رجالياً، كون القانون يمسّ الرجل".

اقرأ أيضاً: قضايا التحرش الجنسي.. إذا لم تنجح الحلول الأخلاقية هل تنفع الروادع القانونية؟

أما عن الموقف القانوني من الإرهاب، فيقول المحامي عبد الرحمن خوجلي: "التحرّش ليس عملاً إرهابياً، والإرهابي هو شخص منتمٍ لجماعة، أو فرد يقوم بفعل الترهيب للمواطنين، بهدف زعزعة الأمن، ويعامل وفق قانون الجرائم الإرهابية".

ويتابع خوجلي: "لا توجد جماعة للمتحرشين، فهي فعل مثل السرقة، وتتحوّل إلى إرهاب إذا نفّذتها جماعة منظمة، مثل العصابات الإجرامية الكبرى".

اقرأ أيضاً: حملات ضحايا التحرش والاغتصاب.. هل تحرك "المسكوت عنه"؟

وقدم المجلس القومي للمرأة، في مصر، تعريفاً واسعاً، يشمل جميع جرائم العنف ضدّ المرأة، ضمن "الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضدّ المرأة (2015 – 2020)"، يقول إنّها "أيّ فعل من أفعال العنف القائم على جنس الإنسان، يؤدّي أو يمكن أن يؤدّي إلى أذى بدني أو جنسي أو نفسي أو معاناة للمرأة والفتاة، بما في ذلك التهديد بالقيام بأفعال من هذا القبيل، أو بالقهر أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء كان ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".

وصنّف التعريف "التحرّش الجنسي" ضمن العنف المجتمعي، دون إشارة إلى التحرّش الجنسي داخل الأسرة.

غياب المعالجة المتكاملة

ويختلف التحرش عن الجرائم الأخرى؛ فمن الممكن وضع نظام ما يحدّ من جرائم معينة، شريطة تطوير هذا النظام لمواجهة ما يستجد من خروقات وثغرات فيه، لكنّ التحرش يرتبط بتغيير فكر الرجل وسلوكه، وهي قضية لا تكفي المعالجة القانونية وحدها لها، مثلما لا يكفي التعامل الأمني وحده في القضاء على الإرهاب.

اقرأ أيضاً: بعد اتهامات الاغتصاب الأخيرة.. حوادث التحرش في مصر إلى أين؟

ويرى المحامي عبد الرحمن خوجلي؛ أنّ القانون المصري غلّظ عقوبات العنف ضدّ المرأة، ووصلت إلى الإعدام في قضايا الاغتصاب وهتك العرض، لكن لم يؤدّ إلى القضاء أو العودة بهذه الجرائم إلى مستواها الطبيعي، لارتباط هذه القضايا بثقافة المجتمع، والفكر الذكوري ككل، في الشرق الأوسط، إلى جانب العوامل الاقتصادية وغيرها.

وأفادت نسبة 17% من النساء المتزوجات، و22% من الفتيات غير المتزوجات، بالتعرض للتحرش الجسدي

ويأتي المفهوم السائد عن الدين على رأس العوامل الثقافية التي تعمّق العنف ضدّ المرأة، بسبب تحويل النصوص التي كانت مقبولة في سياق ماضويّ إلى أحكام وحقوق أبدية، تُلقَّن كتعليمات صالحة لكلّ زمان ومكان، مثل النصوص التي تشجّع على العنف في ظاهرها، أو تميّز بحقّ المرأة في معناها الظاهر، مما يجعل التحرّش وقضايا المرأة ككل، تتطلب إصلاحاً دينياً.

اقرأ أيضاً: حادثة تحرش واعتداء جنسي تثير زوبعة في مصر... ما القصة؟

وأشارت الإستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضدّ المرأة، إلى ذلك، وجاء فيها، ضمن أسباب مشكلات العنف ضدّ المرأة: "وجود بعض أنواع الخطاب الديني المسيء، المتعلق بمبدأ استباحة تعنيف الزوج لزوجته، من قبيل ممارسة الزوج لحقوقه الشرعية في تأديب المرأة، دون توضيح أو فهم لحقوق كليهما، وإبراز سماحة الدين الإسلامي في وضع هذه الضوابط".

اقرأ أيضاً: بالصور.. إمام مسجد تونسي متهم بالتحرش بطفلة كان يحفظها القرآن

ويعيب التوصيف السابق للإستراتيجية وقوعه في أسر الخطاب الذي ينتقده؛ حيث لم يطالب بإعادة فهم هذه النصوص ضمن سياق وآليات تفسير مختلفة، بل طالب فقط بكلام عامّ عن الرحمة.

وتتشابه هذه المشكلة مع النصوص التي ترى فيها الجماعات الإرهابية مسوّغاً لأعمالها، وهي أكثر في حالة العنف، لكن، رغم ذلك، نجح القانون في تجاوزها، حتى صار التحريض على العنف أو الإرهاب جريمة، بينما التحريض ضدّ المرأة ما يزال غير مجرَّم.

ويقول المحامي خوجلي، لـ "حفريات": "في قضية التحرّش لا نجد تحريضاً مباشراً على التحرّش بالمرأة، لكن، بالطبع، هناك خطاب يعزّز الذكورية، التي ترى أنّ من حقّ الذكر التحكّم في جسد المرأة".

اقرأ أيضاً: التحرش في مصر يتعدى أجساد النساء إلى قتل المدافعين عنهن

ويرى خوجلي؛ أنّ هناك مشكلة في معالجة قضية التحرش، بدايةً من قيام الرجل بالتشريع في قضايا تخصّ المرأة، وتعريفه للقضية، دون أخذ رأي المرأة، صاحبة الشأن؛ لذلك نحتاج إلى نقاش مجتمعي، قائم على فهم الدراسات الحديثة حول مشكلة التحرش.

وبحسب الإستراتيجية الوطنية السابقة؛ تعرضت أغلبية الإناث في مصر للتحرش الجنسي بصفة مستمرة، سواء في الشوارع أو في المواصلات العامة؛ وتعرضت الإناث الأصغر سنّاً إلى نسبة أكبر من التحرش مقارنةً بالإناث الأكبر سناً.

ووفق دراسة لعام 2009؛ فقد تعرّضت 72% من النساء المتزوجات، و94% من الفتيات غير المتزوجات، إلى تحرّش لفظي في الشوارع، بينما قال 75% من عيّنة الشباب في القاهرة والإسكندرية، إنّهم تحرشوا لفظياً بالفتيات في الشوارع.

وأفادت نسبة 17% من النساء المتزوجات، و22% من الفتيات غير المتزوجات، بالتعرض للتحرش الجسدي، بينما أكّدت نسبة 13% من النساء أنّهن يعرفن إناثاً تعرّضن للاغتصاب أو الانتهاك الجنسي الحادّ.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية