حملات ضحايا التحرش والاغتصاب.. هل تحرك "المسكوت عنه"؟

حملات ضحايا التحرش والاغتصاب.. هل تحرك "المسكوت عنه"؟


06/08/2020

"أنا أيضاً، أنتِ لستِ وحدكِ، ما تسكتوش، اتكلموا، ماساكتاش، لازم نحكي، ما تسكتيش عن حقك، إحكي، افضحي المتحرش، أنا ناجية"، هذا بعضٌ من أسماء الحملات العالمية والمحليّة التي انتشرت في السنوات الأخيرة ضد التحرّش الجنسي والاغتصاب، وسواء كانت هذه الحملات فرديةً أو جماعيّة، فإنّ الهدفَ المشترك الذي يجمع بينها، هو كسر الصمت حول الانتهاكات الجنسيّة التي يتعرض لها النساء والأطفال، وإبرازها للرأي العام، وهذا يدلّل على أنّ هذه الانتهاكات في مجتمعاتنا وفي مجتمعاتٍ أخرى تدور في حيّز المسكوت عنه، على الرغم من اختلاف الأسباب بين مجتمعٍ وآخر، نتيجة التباينات السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية، والأسئلة التي يمكن أن تدور حول هذه الحملات كثيرة: ما الفارق الذي يمكن أن تُحدثه على صعيد الضحية؟ على صعيد الجاني؟ على صعيد مجتمعاتٍ سيجعلها كشف المستور وجهاً لوجه مع ما يحدث؟

 

تتشكل بنية المسكوت عنه في أيّ مجتمعٍ  من الإخفاء المتعمّد لجملةٍ من السلوكيات التي يمارسها الأفراد خوفاً من الفضائح

تتشكل بنية المسكوت عنه في أيّ مجتمعٍ  من الإخفاء المتعمّد لجملةٍ من السلوكيات التي يمارسها الأفراد خوفاً من الفضائح، سواء كانت من طبيعةٍ اجتماعيّةٍ أو دينيّةٍ أو أخلاقيّةٍ أو سياسيةٍ، فالمسكوت عنه هو ما يُحظَر في الخطاب الشفهي العام، بالرغم من تفشيه في السلوك الاجتماعي للأفراد، وبينما تأخذ المحظورات صفةً علنيّة  في الحظر، يتمتع المسكوت عنه بطبيعةٍ مراوغة تتشكل من تواطؤ عام على الصمت حوله، مما يمنحه القدرة على التمدد في النسيج الاجتماعي بعيداً عن المحاسبة، وهذا يعني أنّ ارتفاع نسبة المسكوت عنه في أي مجتمع تتعلق بمدى غياب الشفافية والوضوح عن علاقة الأفراد ببعضهم البعض أو مع المجتمع، ويزداد خطر المسكوت عنه، حين تدعمه التقاليد والأعراف، وما يرافقها من غياب للقانون أو من عدم تفعيلها.

 

يمكن أن نلمسَ فداحة ما وصلنا إليه من خلال إحصائيات نسب ومعدلات التحرش والاغتصاب حول العالم

لقد أوجدت الحملات الفردية أو الجماعية فسحةً آمنة لضحايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، لكشف الغطاء عن الانتهاكات التي تعرضن ويتعرضن لها والإفصاح عنها بحرية، والتقليل من شعورهن بالوحدة والخجل، فاكتشاف الضحية أنها ليست وحدها من تعرضت أو تتعرض لهذا الشكل من العنف وأنّ هناك من يساندها، سيجعل من المعاناة المشتركة حافزاً يمنحها الجرأة في الخروج عن صمتها ورفع صوتها لفضح ما يجري، فمن المعروف أنّ المخاوف التي تنشط واقعياً تتقلص على المواقع الافتراضية، كونها لا تحمل مواجهة مباشرة كما في الواقع، وبالطبع هذا الأمر في حالات كثيرة يحمل طابعاً سلبياً كونه يُعدّ هروباً، ولكن في هذه الحالة تحديداً يحمل طابعاً إيجابيا،ً لأنه يمهد للانتقال من المواجهة افتراضياً إلى المواجهة واقعيا،ً إنها بداية جيدة كخطوة أولى في كسر الصمت،  فليس من السهولة تجاوز عتبات الخوف وامتلاك أدوات المواجهة خاصةً في مجتمعاتٍ تربي على الخوف والإذعان.

 

هناك الكثير من الحركات والحملات التي لا يمكن تسميتها أكثر من فقاعة، تشحنها العواطف حيناً والشهرة أحياناً

يمكن أن نلمسَ فداحة ما وصلنا إليه من خلال الإحصائيات التي تضمنت نسب ومعدلات التحرش والاغتصاب حول العالم، وحجم العنف المتزايد اتجاه المرأة والطفل، فمع غياب القانون أو مع عدم تفعيله في أغلب مجتمعاتنا، ووجود قوانين غير مُحكَمة تجعل من إثبات جرم التحرش أو الاغتصاب معقداً كما في المجتمعات الغربية، كل هذا مازال يمنح المتحرش والمُغتصِب فسحةً لممارسة أفعاله بحرية، وفرصة للإفلات من المحاسبة، وبغض النظر عن التشخيص الطبي أو النفسي للمتحرش، على أنه مريض نفسي أو مصاب بخلل سلوكي، أو المسببات التي جعلت منه متحرشاً أو مغتصباً، أو العجز الحالي عن معالجة هذه الأسباب للحد من انتشار هذه الظاهرة، فإنّ الحملات ضد التحرش والاغتصاب قد تشكّل تهديداً حقيقياً للمتحرّش ومن ثم رادعاً له.

اقرأ أيضاً: لماذا يميل المجتمع لاختلاق الأعذار للمتحرش؟

 فالنسبة الأكبر من المتحرشين والمغتصبين، هم أفراد يمارسون حياتهم الاجتماعيّة، يعيشون بيننا ونتعامل معهم، ومنهم من قد يكون في الدائرة الأقرب (الأسرة)، والدليل على ذلك أننا لا نكتشف هويتهم النفسية إلا إذا كنا أحد ضحاياهم أو بعد فضح أفعالهم من قبل الضحايا أنفسهم، وقد يكون هؤلاء شخصيّات بارزة اجتماعياً، أو اقتصادياً أو سياسياً أو دينياً، وهذا ما يجعل من عامل الخوف على السمعة والسقوط الاجتماعي، عاملاً مهماً ومشتركاً بينهم جميعاً فيما لو تم فضحهم، لذلك يمكن للحملات أن تستثمر هذا العامل وتشكل تهديداً ورادعاً للمتحرش، خاصةً في ظل سرعة تداول وانتشار الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هناك الكثير من الحركات والحملات التي لا يمكن تسميتها أكثر من فقاعة، تشحنها العواطف حيناً والشهرة أحياناً والكثير من المحسوبيات والدوافع المزيفة، مما يجعلها تتلاشى بعد وقتٍ قصير، فلا تبدو أكثر ممن يحرك مستنقعاً ويمضي، فلا ينالنا من ذلك سوى المزيد من الروائح النتنة، لذلك تكمن أهمية هذه الحملات في استمراريتها، هذه الاستمرارية ستنزع عن المسكوت عنه أهم خصائصه وهي السرية، وذلك بنقله إلى حيز التداول والنقاش والحوار، ووضع الجميع وجهاً لوجه أمام نقص إنسانيتنا، وقد تكون المعركة شرسة مع مجتمعات تغذيها الأفكار المغلقة، ولكن هذا لن يمنع الربيع من القدوم، فـ"زهرة تلو أخرى تتفتح أزهار البرقوق" "قصيدة هايكو".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية