حماس والتحول من الصلابة إلى المرونة السياسية

حماس والتحول من الصلابة إلى المرونة السياسية

حماس والتحول من الصلابة إلى المرونة السياسية


26/09/2022

تطور الفكر السياسي للأحزاب والحركات السياسية أمر لا بد منه، نظرا إلى التحديات التي تفرضها معطيات الواقع السياسي المحلي والإقليمي. واليوم، هنالك رؤية مشتركة بين حماس وإيران نحو تعزيز سبل الدعم والمساندة للحركات الفلسطينية (الإسلام السياسي). وهذا مختلف إلى حد بعيد مع محددات السياسة الأميركية تجاه حماس والجهاد الإسلامي، فاليمين الأميركي المسيحي له دور كبير في عدم تحول سياسة الإدارة الأميركية وإبقائها تراوح مكانها تجاه حماس، وهذا يعتمد على مدى ترميم فكر حماس بما يتناسب وطبيعة المرحلة.

ورغم الوثيقة التي أعلنت عنها حماس عام 2017، ومدى جدية الحركة في إقامة الدولة على حدود 1967 ومغازلة العالم والولايات المتحدة على وجه الخصوص، إلا أن ذلك لم يشفع لها بشيء. مازالت الحركة على قائمة الحركات الإرهابية، حسب التصنيف الأميركي والغربي. نتيجة هذا التحول يرى الكثير من المفكرين والمحللين أن على حركة حماس القيام بمراجعة شاملة لأساليبها في الحكم، فضلا عن فلسفة برنامج المقاومة العسكرية وسربلته بثوب المقاومة الشعبية.

إذا، تسير حماس اليوم بخط قريب من الدبلوماسية السياسية بعدما وضعت المواجهة المسلحة على الرف كأسلوب تكتيكي الهدف منه التحول إلى الخط السياسي. وكان هذا واضحا في الحرب الأخيرة ضد الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، فكان دور حماس فيها باهتا وخجولا. الرؤية الدولية والإقليمية لكيفية الحل والنهج التفاوضي ساعدت في تعديل تفكير الحركة لتصبح لاعبا على الساحة الدولية، ومحاولة منها ليكون لها دور قوي في صنع القرار الفلسطيني، طارحة نفسها كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية.

وبالرجوع إلى وثيقة حماس المحسنة سياسيا، نرى أن الطرح الأيديولوجي حول اليهود والصهيونية شكل اعترافا صريحا حول فلسفة الصراع، وقد جاء في الوثيقة أن أعداءها ليسوا اليهود بسبب ديانتهم، وإنما المحتلون الصهاينة الذين اغتصبوا الأرض الفلسطينية واحتلوها.

من هذا المنطلق سعت حماس منذ سنوات وبالتحديد بعد ميلاد الوثيقة للتمدد خارجيا، فهنالك علاقات أقامتها مع بعض دول الاتحاد الأوروبي وروسيا، وزيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة إلى روسيا لها دلالات سياسية واضحة المعالم. ويقول الرئيس الأسبق لحركة حماس موسى أبومرزوق إن “روسيا دولة مهمة ومؤثرة في العالم بالنسبة إلينا كفلسطينيين، فهي دولة صديقة ويهمنا شرح موقفنا ومعرفة ردها”. وهذا ما أكده أيضا عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران، قائلا إن “العلاقة بين حركة حماس وروسيا ثابتة وقديمة ومستمرة”، مشيرا إلى أن الاتصالات بين الجانبين لم تنقطع وكان آخرها اتصال هاتفي جرى بين رئيس المكتب السياسي للحركة هنية ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف.

ميلاد الحركة من رحم الإخوان المسلمين وتبنّيها الفكر الإخواني أبقياها على مدى عقود من الزمن معزولة وتحت مجهر المراقبة، والرفض العالمي والمقاطعة السياسية الدولية، والتحول من الصلابة إلى المرونة السياسية قبل خمس سنوات بعد ميلاد الوثيقة لم يخرجها من تحت الركام.

هذا الوضع القائم على الجمود الدبلوماسي مع الغرب لا يتناسب وطبيعة المرحلة والجو الدولي السائد. تبذل الحركة قصارى جهدها أملا في كسب ود العالم وتغيير نظرته إليها. مع هذا مازالت الطريق أمامها شائكة لأسباب منها نبذ العنف كشرط أساسي للرباعية الدولية التي ما فتئت تتنفس، بالإضافة إلى الاعتراف العلني بحق إسرائيل في الوجود.

لقد ذهب بعض المراقبين إلى القول إن حركة حماس اعترفت ضمنا بوجود إسرائيل، ولا أحد يستطيع إنكار وجودها، وهذا ليس دليلا كافيا على احتضان الحركة عالميا واستيعابها دوليا كحركة تحرر فلسطينية تتبنى النهج التفاوضي والمقاومة الشعبية كما حصل في مسيرات العودة.

أما على صعيد لقاء هنية مع المسؤولين الروس والخروج بنتائج لحلحلة ملف القضية الفلسطينية غير وارد، فإن روسيا اليوم في وضع سياسي وحتى عسكري لا تحسد عليه، ودخول روسيا إلى أوكرانيا وحربها هناك لا يعطيها حتى هذه اللحظة بريق أمل في تَصَدُّر القطبية، في ظل محاولة صعود قطب آخر كالصين مثلا. يبقى لقاء رئيس المكتب السياسي لحماس مع الروس مجرد محاولة أملا في صعود روسيا كدولة مؤثرة لها حضورها السياسي والعسكري، وبديلا عن الولايات المتحدة، وذلك في حال خرجت ظافرة من الحرب.

توجهات الحركة السياسية للمرحلة القادمة تتلخص في تصريحات الدكتور أحمد يوسف القيادي في حماس الذي يرى أن ما ورد في تلك الوثيقة يعتبر بعضه إستراتيجيا وواقعيا، على اعتبار أنه يلتقي مع الإجماع الفلسطيني والتوافق الوطني، كما ويتوافق مع القانون الدولي. لهذا سعت الحركة لاستعادة العلاقات مع سوريا بضغط إيراني. وهي تتطلع إلى قادم الأيام لتعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، فهنالك تلكؤ سوري رغم الترحيب بالمصالحة لأسباب قد لا تكون ناضجة بعد.

ويرى بعض المراقبين أن حماس ستفقد جزءا كبيرا من شعبيتها إذا أقدمت على ترميم علاقتها مع النظام السوري، فبوصلة الحركة تتجه الآن نحو روسيا كدولة لها حضور على الساحة الدولية كتحرك نوعي، حيث ترى فيها الطرف البديل للولايات المتحدة التي مازالت تعتبر حماس حركة إرهابية تهدد وجود إسرائيل. في المقابل تسير الحركة بنهج مواز لإبقاء علاقتها مع قطر جيدة وتركيا وسوريا في حال أعادت الأخيرة العلاقات معها كما كانت. وكامتداد إقليمي توسعي يضمن لها عمقا إستراتيجيا عربيا، مع استمرارية تواصل الاتصال مع روسيا كعمق دولي.

أما في حال فقدت حركة حماس حاضنتها من الدول التي ترعاها مثل قطر وتركيا التي تشهد هذه الأيام ضغوطا إسرائيلية وأميركية للحد من نشاط الحركة على المستوى السياسي والاقتصادي، فإنها تتطلع، أي حماس، إلى ماليزيا كبديل تمارس على أراضيها نشاطها السياسي. هنا نلاحظ أن حماس قفزت قفزة نوعية نحو التشبث بالسياسة والبحث عن حلفاء يكونون لها عونا مساعدا ومؤثرا في العالم لتجميل صورتها، هذا إلى جانب محاولة حلفائها الجدد دمجها كتيار سياسي فعال على الساحة الفلسطينية.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية