
أيمن خالد
الظروف التي سبقت ولادة حركة الإخوان المسلمين بعد الحرب العالمية الأولى ونتائجها السياسية والاجتماعية في المنطقة، واستمرار مرحلة الاستعمار ما بعدها وتمدده على دول عربية جديدة عبر مسمى الانتداب، ثم الحرب العالمية الثانية، والتي ساهمت في انتشار فكرة الاخوان المسلمين في الأرياف خاصة، لكي تنشأ تلك المنظومة الفكرية المعقدة لتكون بمثابة البداية البنيوية الأولى "خارج إطار الدولة".
ثم يأتي بعد ذلك ميقات حركة حماس، والتي كانت ولادتها بين _بينْ، في زمن تراجع الراديو، وانطلاق العصر الرقمي وانتشار الرواية الدينية المصورة عبر الفضائيات، ما جعل فكرة الإقصاء وصناعة البدائل السياسية لها خصوصية في الساحة الفلسطينية، التي كانت تشهد تبدلات سريعة، بدءًا من الانتفاضة الأولى في ديسمبر كانون الأول 1987وصولاً إلى إعلان الدولة الفلسطينية في المنفى في نوفمبر 1988 والتي شهدت اعترافاً عربياً ودولياً كبيراً، ثم مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ثم اتفاقية أوسلو في سبتمبر أيلول 1993.
كان يعني ذلك أن القضية الفلسطينية انطلقت في المسار السياسي برعاية دولية، ولم يكن ثمة صوت مؤثر لحركة حماس والتي بقيت آنذاك وطوال العقود الماضية تؤكد استقلالية قرارها، ولكن الذي كشفته إيران في نوفمبر 2023 الماضي كان مفاجأة مدوية، فقد أخفت إيران وحماس عن العالم اللقاء الذي جمع الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة مع خامنئي في طهران في عام 1998، وفيه طلب الشيخ أحمد ياسين دعم خامنئي، وفي اللقاء ذاته أجابه خامنئي أن حماس ومجاهديها " يقفون في الجبهة الأمامية للحرب بين الإسلام والكفر وبين الحق والباطل".
لقد أخفت حماس وإيران حصول اللقاء مدة 25 سنة، لكيلا تعلم الناس الخلفية التي تستند عليها الحركة في الظل. فاللقاء الذي جمع خامنئي مع مؤسس حماس، حدد فيه خامنئي الزاوية التي تقف فيها الحركة، بأنها تؤدي دوراً وظيفياً في توقيت ومكان صعب، فهي في الواجهة. من هنا يمكن أن نقرأ استماتة الاخوان المسلمين في زج حماس في المشهد الفلسطيني والذي ترافق مع ضخ إعلامي كبير أثناء الانتفاضة الثانية، ثم العمل على تسويق حركة حماس سياسياً ودعائياً في العالم الإسلامي، بأنها هي التي تقود المواجهة مع إسرائيل على الأراضي الفلسطينية.
ومع انقلاب حماس على السلطة الفلسطينية في غزة، ضاع الخطاب السياسي بين ثنايا الخطاب الديني الجديد الذي أصبح بارزاً بامتياز، فقد أصبحت حركة حماس حركة المرابطين إلى قيام الساعة، وفق عملية إسقاط للنبوءات الدينية بما يخالف أصل النصوص الواردة في أمهات كتب الحديث، وهو ما عمل عليه جمهرة كبيرة من الوعاظ من داعمي حماس، بينما ذهبت الحركة في داخل بنيتها على تأصيل هذه الرواية الدينية، وبذلك تأسست لدى حماس ثقافة بنيوية إقصائية بالدرجة الأولى، تؤمن أنها باقية في غزة حتى قيام الساعة، أسهمت فيها الرواية الدينية في تأجيج الفكرة الاقصائية المتوارثة أصلاً في منهج الإخوان المسلمين والتي تفصل بين عالمين نقيضين، الإخوان، ومن يختلف معهم.
بالتالي إذا كان الاخوان المسلمون قد اعتبروا أنهم هم الإسلام وفق ما قاله حسن البنا في كتابه "الرسائل" فإن حماس أصبحت " المرابطون حتى قيام الساعة" وبهذه المشروعية "الدينية المزعومة"، أصبحت حركة حماس في الخطاب الاخواني هي الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني وهي الحامل للواء الأمة، وبالتالي أصبح انقلاب حماس على السلطة في غزة مبرراً، وأصبحت فكرة الدولة الفلسطينية مرفوضة، بما يلامس جوهر الفكرة لدى الإخوان.
في هذا المشهد تصبح رسالة خامنئي التي وصلتنا بعد 25 سنة بأن حماس هي في الجبهة الأمامية للمشروع الإيراني، ويصبح العشق السري طوال ربع قرن بين إيران وحماس هو جسر العبور الإيراني إلى المنطقة، في الوقت الذي كانت فيه إيران تتسلل للمنطقة تحت تلك المبررات، وأما ما كانت تريده حركة الاخوان المسلمين من ذراعها "حماس" فهو عدم السماح بحصول تسوية للقضية الفلسطينية، لأن حل القضية الفلسطينية يعني تلقائياً نهاية مبررات مشروع الاخوان المسلمين، وتحت سقف هذه الأطماع السياسية تحولت فلسطين إلى مذبح للشعب الفلسطيني، وتوالت غزة على دفع هذا الثمن طوال الحروب السابقة منذ عام 2008 حتى الحرب الحالية.
المرابطون حتى قيام الساعة والفئة المنصورة والفئة التي لا يمكن أن تهزم، هي شعارات من صنع "كهنوت ديني" لا يستند لأي أصول دينية، ويهدف للتغطية على كهنوت سياسي يجري في الظل، يتم فيه استغلال شريحة بسيطة من الناس، عبر منابر دينية تارة، وعبر منابر إعلامية أكثر تضليلا.
العربية