بعد تعثر كل المحاولات الدولية والمحلية لحل أزمة السلطة التنفيذية في ليبيا، ينشغل الوسط السياسي بمناقشة مبادرة جديدة تقترح تشكيل حكومة جديدة موحدة أو مصغرة، ووقوف هذه المسألة حجر عثرة في وجه تنفيذ الانتخابات العامة.
ويشهد ملف تشكيل حكومة جديدة للبلاد خلافاً بين أفرقاء الأزمة الليبية؛ حيث يتمسك البرلمان بضرورة البحث عن بديل لحكومة الدبيبة، ويتهمها بالفشل في إجراء الانتخابات، بينما يتمسّك هذا الأخير بالبقاء في السلطة حتى إجراء الاقتراع المرتقب.
وتتنازع على السلطة في ليبيا حكومتان: الأولى وهي "الوحدة الوطنية" المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتتخذ من العاصمة طرابلس مقراً لها، والأخرى مكلفة من البرلمان وتدير المنطقة الشرقية وبعض مناطق الجنوب، بقيادة أسامة حماد.
تشكيل حكومة مصغرة لقيادة البلاد
وقد وجهت 50 شخصية ليبية، الجمعة، رسالة للقائمة بأعمال رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، اقترحوا فيها تشكيل حكومة مصغرة لقيادة البلاد نحو تنظيم الانتخابات.
وجاء في الرسالة التي وُجهت أيضا لسفراء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وروسيا والصين، أنه أن الأوان لوقف حالة الانقسام السياسي التي تمر به البلاد ولاستعادة ليبيا وحدتها.
ينشغل الوسط السياسي بمناقشة مبادرة جديدة تقترح تشكيل حكومة جديدة موحدة أو مصغرة
وقال الموقعون على الرسالة، بينهم سياسيون ونشطاء حقوقيون، إن الانقسام المؤسساتي بين الحكومتين المتنافستين في الشرق والغرب لا يعدو أن يكون مجرد مرحلة ضمن مخطط طويل الأمن يستهدف، وفقهم، تقسيم ليبيا إلى مناطق متفرقة.
واعتبرت الرسالة أن حالة الانقسام الذي تشهده البلاد "تسهم في تفشي الفساد، وضعف آليات الرقابة المالية والإدارية، وعدم تنفيذ أحكام القضاء الوطني. كما تؤدي إلى إبطاء جهود المصالحة الوطنية الشاملة، وترسيخ حكم المجموعات العائلية وبعض المنتفعين على حساب مستقبل الليبيين".
وطالبوا "بأن يتضمن قرار تمديد ولاية البعثة الأممية للدعم الخاص بليبيا نصا صريحا على تشكيل حكومة جديدة مصغرة، يكون هدفها الأساسي الإشراف على الانتخابات الوطنية التي تحتاجها بلادنا".
وكانت بدايات الحديث عن ضرورة تشكيل حكومة مصغرة جديدة للإشراف على الانتخابات قد بدأ منتصف سنة 2023، وذلك ضمن "خارطة طريق" أعلن عنها حينها مجلسا النواب والأعلى للدولة في سبيل الوصول إلى الاستحقاق الانتخابي المؤجل منذ ديسمبر 2021.
إزاحة "ثالوث الأزمة السياسية"
وبخصوص حل تشكيل حكومة موحدة، فقد وصفه المستشار القانوني إحميد الزيداني بـ "الممكن الذي يتوقع أن يحسن الوضع في ليبيا، لكنه في الوقت نفسه لن يكون حلاً مجدياً"، مضيفاً أن الجمع بينهما في ظل الظروف الراهنة هو جمع بين نقيضين، فلكل حكومة توجهاتها ومناصروها وأطرافها الدولية الداعمة.
ونوه المستشار القانوني إلى أن الدمج بين حكومة أسامة حماد (شرق) وحكومة عبدالحميد الدبيبة (غرب) من شأنه أن يخلق حكومة هجينة لن تستطيع بأي شكل من الأشكال إدارة شؤون البلاد أو تجاوز حال الانسداد السياسي الراهنة.
وأبرز الزيداني أن الإشكال في ليبيا معقد ومركب ولا ينحصر حله في دمج الحكومتين، محذراً من أنه "في حال تم الدمج بينهما ونتجت منهما حكومة جديدة، فلن تنتهي بمجرد الوصول بالسلطة إلى انتخابات برلمانية أو رئاسية، بخاصة أنه لا يوجد ضامن للتسليم بنتائج تلك الانتخابات، وسينتهي الحال بليبيا إلى العودة لمربع النزاع والاحتراب الأول".
ونصح الزيداني بإزاحة "ثالوث الأزمة السياسية" في ليبيا، والمتمثل وفق رأيه في المجلس الأعلى للدولة (غرب) ومجلس النواب (شرق) والمجلس الرئاسي (غرب)، معتبراً أن هذه الخطوة هي اللبنة الأولى لخلق حال من الاستقرار السياسي، لتتلوها بعد ذلك خطوة تعيين حكومة تصريف أعمال بصلاحيات ووزارات محدودة ولوقت محدد، على أن تنحصر مهمتها في الاستفتاء على الدستور والإشراف على الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
ولضمان تحقيق ذلك فقد أوصى الزيداني بأن يكون مقر هذه الحكومة في منطقة محايدة ومنزوعة السلاح، وتحت إشراف أممي، شرط توفر الرغبة الدولية في إنهاء التدخلات الخارجية وحال الفوضى، مع اتخاذ التدابير الضرورية كافة لتوفير الظروف المناسبة لعمل هذه الحكومة كفرض العقوبات مثلاً ضد من يثبت تورطهم في عرقلة هذا المسار، سواء كانوا أفراداً أو جماعات أو دولاً، على اعتبار أن المجتمع الدولي هو المسؤول عن الملف الليبي منذ عام 2011.
حل الاستفتاء
من جانبه، أوضح المتخصص في الشأن الليبي فرج دردور أن ثمة قاعدة تقول إنه "عند استمرار تكرار حدوث المشكلة يجب البحث عن المتغير والثابت"، فإذا تغير أحد هذه العناصر مرات عدة فلا يجب علينا تكرار تغييره وإنما نذهب فوراً نحو العنصر الثابت، مضيفاً "في الحال الليبية تغيرت الحكومات تسع مرات، بينما بقي البرلمان وقائد القوات المسلحة في الشرق الليبي خليفة حفتر في حال ثبات، وكانت النتائج دائماً هي نفسها".
ممثلو الاتحاد الأفريقي والمجلس الرئاسي الليبي قد وجهوا دعوة الأطراف المنخرطة في النزاع من أجل الاجتماع والتوقيع على ميثاق المصالحة الوطنية
وأقر دردور لـ"اندبندنت عربية"، بحاجة ليبيا إلى حكومة مصغرة، ولكن في ليبيا لا توجد حكومات مثل هذه، فحتى حكومة فتحي باشاغا التي أكدوا أنها ستكون مصغرة ضمت قرابة 39 وزيراً مثلها مثل بقية الحكومات الليبية، ما يبين أن الخلل في الجسم التشريعي وليس في الحكومات، باعتبار أنها تغيرت مرات عدة وبقي الجسم التشريعي يراوح مكانه، وبالتالي وجب تغييره هو وليس الحكومات.
ودعا إلى التسريع بالتوجه للاستفتاء على الدستور حتى تكون كلمة الشعب هي الفيصل، لأن الذهاب نحو حكومة أخرى إضافية حتى لو كانت مصغرة لا يعني عدم انتهاء المراحل الانتقالية، بخاصة أن اتفاق جنيف أقر بأن حكومة الدبيبة هي آخر حكومة انتقالية تذهب بالبلد نحو انتخابات وطنية، لكن من أفشل الانتخابات هو العنصر الثابت المتمثل في البرلمان، وذلك على خلفية تفصيله قوانين انتخابية غير ملائمة، على حد قوله.
الانتخابات حلقة مفقودة
وكان ممثلو الاتحاد الأفريقي والمجلس الرئاسي الليبي قد وجهوا دعوة الأطراف المنخرطة في النزاع من أجل الاجتماع والتوقيع على ميثاق المصالحة الوطنية، إضافة إلى وثيقة العدالة الانتقالية ووثيقة التعويضات اللازمة والضرورية من أجل العدالة الانتقالية.
وبعد زيارة العاصمة تخطط بعثة الاتحاد الأفريقي لإجراء مشاورات مماثلة مع السلطات في بنغازي ومع سائر الأطراف الليبية، كمرحلة ثانية في غضون أسابيع قليلة.
وأكد رئيس الدبلوماسية الكونغولية جان كلود جاكوسو، أن "الهدف هو تمهيد الطريق للانتخابات المقبلة؛ لأن العملية تعثرت في العام 2021"، موضحًا أنه "يجب علينا بالتأكيد أن نخوض انتخابات عامة، ومع ذلك، يمكن أن تكون الانتخابات مصادر للعنف".
وتعتزم الأمم المتحدة إطلاق حوار موسع برعاية البعثة منتصف شهر كانون الثاني/ديسمبر المُقبل، تزامنًا مع مرور نحو 4 سنوات على انتكاسة الانتخابات، وذلك استمرارًا لجهود الاتحاد الأفريقي في الوصول إلى تحفيز الأطراف الليبية على تجاوز معضلة الخلافات على القوانين الانتخابية.