حكاية "المرشد" وأول رئيسة لقسم "الأخوات المسلمات"

حكاية "المرشد" وأول رئيسة لقسم "الأخوات المسلمات"


19/05/2020

هدى الصالح

كتبت "تواصيف المقبل" مقالاً في صحيفة "الرياض"، في 18 سبتمبر 2018، بعنوان "اختراق"، متحدثة فيه عن "لبيبة أحمد"، وهي من كلفها "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، برئاسة أول لجنة للأخوات المسلمات في القاهرة في العام 1933.

وقالت فيه: "الثائرة لبيبة أحمد، فبعد اندلاع الثورة المصرية ضد الاستعمار الإنجليزي لمصر، إبان الحرب العالمية الأولى عام 1919م، كانت من بين هذه المسيرات الثورية امرأة تريد أن تدخل التاريخ كمناضلة عن حقوق المرأة والتي تنحصر حول أحقية المرأة المصرية في ممارسة حقها سياسياً، عوضاً عن ذلك حقوق المرأة في الخروج من منزلها متى ما أرادت..".

وأضافت: "كانت من أكثر النساء قدرة على التأثير، فقد جمعت نحو 300 امرأة في الثورة، ثم في العام 1921، أسست جريدة النهضة المصرية، ولم لا فقد كانت تمتلك موهبة الكتابة المؤثرة في السياسة والدين منذ أن كانت شابة، وهي تكتب في الصحف باسم مستعار، وكانت هي القوة القائدة للنساء في وقتها".

لتعرج بعد ذلك كاتبة المقال على مرحلة انخراط "لبيبة" في جماعة الإخوان المسلمين قائلة: "حينما استقطبها مؤسس جماعة الإخوان "حسن البنا" وكلفها بمنصب رئاسة جماعة "الأخوات المسلمات" في القاهرة، كان البنا قد وفق باختياره للبيبة، إذ أنها كانت في عز حماستها لنهضة المرأة .. "، إلى أن قالت: "وهكذا أصبحت لبيبة تلقن أفكار جماعة الإخوان المسلمين للنساء، وتنشر أفكار التيار دون أن تعي أنها اخترقت. وتمكنت لبيبة من إحداث طفرة في عدد لجان الأخوات، إذ وصلت 50 لجنة قبل حلها في العام 1948، كما استمرت في العمل التنظيمي حتى بلوغها سن السبعين".

إن اجتزاء حدث في سيرة ذاتية لشخص ما، والبناء عليه مع ما في ذلك من تجاهل للسياق التاريخي والزمني والمحيط الاجتماعي، حتما لن يصل بنا إلى تفسير أو قراءة دقيقة للتجارب المعبر عنها، وتبعا لذلك لا يمكننا التأكيد على التجربة باعتبارها خطابا وحقيقة واحدة.

و"المخاطر" من تقديم التجربة باعتبارها حقيقة أو معبرة عما هو حقيقي، كانت قد حذرت منه المؤرخة جوان سكوت Joan Scott ، مؤكدة على فكرة "التركيز على عمليات إنتاج الهوية، والتأكيد على التجربة باعتبارها خطابا، ومن ثم الالتفات إلى سياسات التشكيل في حد ذاتها، منبهة إلى تاريخية التجربة، وإلى أهمية التركيز على تفاصيل السياق الدقيقة، وإلى المادة النصية التي تؤثر على عملية تعريف الذات والهوية.

من هنا جاءت أهمية نقد ما جاء في المقال الذي كتبته "تواصيف المقبل" وإعادة قراءة وتوصيف هوية "لبيبة أحمد" وتوجهاتها لفهم وتقييم تجربتها القصيرة كأول رئيسة لقسم الأخوات المسلمات.

من مجلة النهضة

من هي "لبيبة أحمد"؟
ولدت "لبيبة أحمد عبد النبي" في القاهرة عام 1870 لأب يدعى أحمد عبد النبي "طبيب"، فأخذت دروساً في منزلها في اللغة العربية والسيرة النبوية وأدب الشريعة، تزوجت لبيبة من عثمان مرتضى، الذي ترقى في المناصب القضائية، حتى أصبح قاضياً في محكمه الإسكندرية، وحاصلاً على لقب الباشا. وكان على علاقة وثيقة مع الخديوي عباس حلمي الثاني، وتم تقليده رئيساً لمجلس الخديوية في يناير 1914 ولكن هذا لم يستمر طويلاً، وبسبب عزل الخديوي بعدها بعام واحد.

أنجبت "لبيبة" خمس فتيات وولد، وكانت تظهر صورهم بصفة مستمرة في جريدتها، ابنها الدكتور إسماعيل مرتضى، ساهم بمقالات عديدة وفي مشاريعها الاجتماعية الكبيرة، إحدى بناتها كانت زوجة الشيخ عبد الستار البسيل، مناصراً لحزب الوفد وزوجاً سابقا للكاتبة "ملك حنفي ناصف" ولكن فارقتها المنية وهي شابة.

ابنتها الثالثة "ملك" عرفت باتجاهاتها الصوفية والابنتان الأخيرتان "زينب وقمر" تؤام، زينب التحقت بمدرسة السنية للفتيات ودرست اللغة العربية والدروس الدينية، وسافرت إلى إنجلترا 1925 لدراسة الفنون، كجزء من بعثة حكومية للفتيات، وقضت ثلاث سنوات حتى حصلت على شهادتها لتصبح معلمه فنون، بالمقابل درست ابنتها "قمر" الطب في نفس البعثة.

شاركت "لبيبة أحمد" في ثورة 1919 المناهضة للاحتلال البريطاني، وأنشأت مجلتها التي حملته اسم "النهضة النسائية" والتي صدرت في العام 1921 وحتى العام 1939، وأنشأت باسمها جمعية "نهضة السيدات المصريات.

وبمقابل التيار الوطني – الليبرالي، اتخذت "لبيبة" ذات التوجه الديني – المحافظ ذي النزعة الصوفية، المناصر للدولة العثمانية، والداعي إلى ما عرف بـ"الجامعة الإسلامية".

"لبيبة" وثورة 1919
نسبت الكاتبة في مقالها ولا أعلم ماهية المصادر التي استقت منها ذلك، أن "لبيبة أحمد" ولقدرتها على التأثير قد "جمعت 300 امرأة في الثورة .."، والواقع أن المصادر وممن كتب وأرخ لتلك المرحلة كالمؤرخ المصري الشهير "عبد الرحمن الرافعي" ، فإن الرقم 300 كان العدد الإجمالي للنساء المشاركات في تظاهرات القاهرة في أعقاب اعتقال "سعد زغلول" ورفاقه من قبل السلطة البريطانية في 8 مارس 1919 وساقتهم في اليوم التالي إلى جزيرة مالطا كمنفى لهم ومعتقلاً.

كذلك أن خروج التظاهرات النسائية في 16 مارس 1919 ضد الاحتلال الإنجليزي وفقاً لما ذكره مؤرخون مصريون، كان دون تنظيم أو انتماء حزبي وبصورة عفوية، شاركت فيها سيدات الطبقة العليا والوسطى، وكذلك اشتركن فيها القبطيات بجانب المسلمات، ومن مختلف الانتماءات السياسية والحزبية والتوجهات الفكرية والثقافية.

وبحسب المؤرخ "عبد الرحمن الرافعي" وما ورد في كتابه "تاريخ مصر القومي" ، جاءت مشاركة المرأة المصرية: "بهدف الاحتجاج على ما أصاب الأبرياء من القتل والتنكيل في المظاهرات السابقة، وأعددن احتجاجا مكتوبا ليقدمنه إلى معتمدي الدول". (صفحة 210)

وفي خطاب الاحتجاج ذلك الذي حملته المتظاهرات لإيصاله إلى السفراء المعتمدين، والذي ورد فيه اسم "لبيبة أحمد" في الترتيب 21 ضمن ما يقارب 112 سيدة.

كان قد تقدمت فيه أسماء زوجات أعضاء الوفد المنفيين من بينهن "صفية زغلول"، زوجة "سعد زغلول"، و"هدى شعراوي" حرم "علي شعراوي"، وحرم اسماعيل صدقي (رئيس وزراء سابق) وحرم محمد محمود باشا، (رئيس وزراء سابق) وغيرهن.

وتأكيد هذا الدور الأساسي في المظاهرات النسائية، الذي لعبته كل من "صفية زغلول" و"هدى شعراوي"، أثبته الكاتب "مصطفى أمين" الذي ولد في منزل سعد زغلول وقال في كتابه "من واحد إلى عشرة": "عندما قبض الإنجليز على سعد زغلول يوم 8 مارس سنة 1919 قامت الثورة في اليوم التالي، ولكنها كانت في أسبوعها الأول، ثورة رجال فقط، واجتمعت في بيت سعد زغلول صفية زغلول وهدى شعراوى وحرم محمد محمود باشا.. وقالت هدى هانم إنها كتبت برقيات احتجاج باسم سيدات مصر إلى زوجة المندوب السامى البريطاني.."

وأضاف: "قالت صفية: إن كتابة الاحتجاجات والبرقيات لا تكفي، يجب أن تخرج المرأة المصرية إلى الشارع: تخرج جميع النساء إلى الشوارع متظاهرات هاتفات بسقوط الاحتلال، قالت زوجة محمد محمود متحمسة إنني لم أضع قدمي في الشارع منذ كنت طفلة، ولكن موافقة على الخروج إلى الشارع.. حتى لو ضربنا الإنجليز بالرصاص، قالت هدى شعراوي: يضربونا بالرصاص! لو قتلوا امرأة واحدة فسوف تلتهب مصر كلها، قالت صفية: هذا ما نريده تماما".

ورغم رفض أعضاء حزب الوفد للمشاركة النسائية في التظاهرات واعتراضه على ذلك باعتباره "وقاحة وقلة حياء"، أصرت صفية زغلول في مكالمة هاتفية مع "عبد العزيز فهمي" رفيق سعد زغلول في المنفى، حسب ما أشار إليه الكاتب "أشرف مصطفى توفيق" في كتابه "حريم في حياة الزعيم سعد زغلول"، قائلاً: "دارت مكلمة حول الوطنية والنسائية كان طرفها النساء في جهة بقيادة صفية زغلول وهدى شعراوي وأقطاب الوفد الذكور.. وإذ بصوت عبد العزيز فهمي يعلو: إني أعجب أن تقترح سيدة عاقلة مثل صفية هانم مظاهرة النساء في الشوارع؟ ويذهب لبيت الأمة ويحاول أن يمنع ذلك ويعود خائباً فيقول في اجتماع موسع بالحزب أن يخشى أن تكون النساء قد أصابهن نفي سعد بهزة أثرت على عقولهن.

"جهاد" أخلاقي أم "كفاح سياسي"؟
نشأت الصحافة النسائية في مصر مع صعود الحركة الوطنية في الربع الأخير من القرن التاسع عشر ومطلع القرن الـ20 التي برز معها خلق تصور جديد عن المجتمع وانتماءاته، وبالتالي إعادة التفكير في الأسرة والأدوار الاجتماعية والثقافية والسياسية للجنسين، وهي القضايا التي حملتها الصحافة النسائية في مصر، وانقسم المدافعون عن حقوق المرأة في مصر إلى ثلاث فرق: العلمانيين والحداثيين والإسلاميين.

وخلافاً للرائدات النسويات في مصر ممن انتمين إلى التيار الوطني الليبرالي، كانت لبيبة تنتمي إلى التيار الوطني ولكن بوجهه الديني – المحافظ، وهو الخط الذي انتهجته في مجلتها " النهضة النسائية".

وفي بعض القراءات قد يصح أن تكون المرجعية الفكرية والتاريخية لـ "لبيبة أحمد" أديبات مصريات عالجن قضايا المرأة من مرجعية دينية، محافظة، كـ"فاطمة راشد" صاحبة أول جمعية نسائية في مصر، "جمعية ترقية المرأة" (1908)، زوجة الكاتب محمد فريد وجدي صحاب التفسير الشهير للقرآن، والكاتب الدائم في مجلة "النهضة النسائية"، والذي تولى لاحقا رئاسة تحرير مجلة الأزهر " نور الإسلام" 1930، والكتابة في مجلة "الإخوان المسلمين ".

والكاتبة الشهيرة "عائشة تيمور"، وملك حفني الملقبة بـ"بنت البادية"، ومن جيلها "عائشة عبد الرحمن" الشهيرة "ببنت الشاطئ"، والتي اختارتها "لبيبة" مساعدة في تحرير مجلتها "النهضة النسائية".

و"سارة الميهية"، صاحبة مجلة "فتاة النيل" (1913)، والتي أبدى رشيد رضا إعجاباً بها على صفحات مجلة "المنار".

وكما ذكرت "لبيبة أحمد" في العدد الأول من مجلتها "النهضة النسائية" عن أسباب إنشاء جمعيتها التي تحمل اسم مجلتها: "أنشأت الجمعية لإيجاد رابطة بين السيدات والنهوض بهن إلى مستوى الرقي والآداب والفضيلة حتى تصل المرأة المصرية إلى المركز اللائق بها .. أنشأت الجمعية لإلقاء محاضرات أدبية واجتماعية وفي كل اجتماع يتيسر لنا ".

وعلى عكس ما ذكرته كاتبة المقال عن لبيبة: "كانت تمتلك موهبة الكتابة المؤثرة في السياسة والدين منذ أن كانت شابة ..".

"لبيبة أحمد" لم تتناول هي أو تستكتب أحداً يتناول الشأن السياسي في مجلتها، ولم تخصص أي صفحات لذلك، فهي مجلة "أدبية – تهذيبية – اجتماعية" كما هو معرف بها على غلافها، باستثناء بعض الأخبار الاجتماعية المتعلقة بزعماء الحزب الوطني، وزعيم حزب "الوفد" سعد زغلول وزوجته.

وتؤكد في افتتاحية العدد الأول والمؤرخ في (يوليو 1921) أن المجلة: "ترحب بما يكتبه إليها الكرام الكاتبون والكريمات الكاتبات في أي باب من أبواب الاجتماع والأخلاق وتدبير الصحة وسياسة المنزل وغير ذلك مما يرجع في مرد أمره إلى الإصلاح".

ومجرد مشاركة لبيبة في تظاهرات 1919، غير كاف لاعتبارها ناشطة سياسية، كما توهمت كاتبة المقال، فالثورة اشتعلت بين كل فئات المجتمع المصري رجالاً ونساءً، فـ"لبيبة" لم توافق على المشاركة في "لجنة الوفد المركزية للسيدات" والتي ترأستها "هدى شعراوي" ( 9 مارس 1920) ، مقتصرة "جهادها" في النشاط الاجتماعي، ومبتعدة عن " الكفاح" السياسي.

ذلك من جانب أنها تؤمن أن وظيفة المرأة المنزل ورعاية الأسرة، ومن جانب آخر، انكفاءً منها عن صراعات الأحزاب السياسية رغم انتمائها العاطفي والفكري مع الحزب الوطني وزعمائه.

ولتأكيد ذلك، نستعرض ما كتبته "لبيبة" في العدد 12 من مجلتها عام 1932 بعنوان "نهاية عامنا": "تركت السياسة لأهلها .. نعم تركتها وقد لامني الكثيرون وما لهؤلاء حق اللوم، وقد كان ذلك الصوت الضعيف أول صوت نسائي دوى في شوارع المدينة، يوم كنا نواجه الإنجليز وجها لوجه.. ولكن اليوم رأيت المشتغلين بالسياسة كثير من نساء ورجال، وكل له فيها وجهته، وكل له فيها غايته، ولكن القضية الكبرى قضية الأخلاق".

الجزء الثاني، سنخصصه لبحث ظروف انضمام "لبيبة أحمد" إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتوليها رئاسة قسم الأخوات المسلمات لمدة 4 أعوام ( 1933-1937)، والوقوف على تساؤل هل حقا اختطفها "حسن البنا" مؤسس جماعة الإخوان، وتبدلت من "ثائرة نهضوية" إلى "إخوانية"، أم أن المسألة كانت "التحاما" و"التقاء" في لحظة زمنية لها سياقاتها التاريخية والاجتماعية والسياسية.

عن "العربية.نت"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية