"حفريات" تستطلع آراء سياسيين وأمنيين وقادة رأي تونسيين: السيناريوهات الممكنة

"حفريات" تستطلع آراء سياسيين وأمنيين وقادة رأي تونسيين: السيناريوهات الممكنة


29/07/2021

استجاب الرئيس التونسي، قيس سعيّد، للشارع التونسي، الذي طالب بحلّ البرلمان وإنقاذ البلاد من المنظومة الجاثمة على البلد منذ 2011، وما خلّفته من أزمات على جميع المستويات، وقرر تجميد عمل البرلمان، وسحب الحصانة من نوابه، وتجميع السلطات بيده لمدّة شهر، في إطار ما يخوّله له الدستور، لكنّ هذه الخطوة الجريئة، والتي عجز عنها الرؤساء الذين سبقوه، وضعت تونس من جديد أمام مستقبل غامض لا يتضّح إلى أين يسير.

وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس لـ"حفريات": كلّ السيناريوهات ممكنة لكنّ تونس ستتجاوز هذه العقبة أيضاً، وستستعيد خطواتها بالاتجاه الصحيح نحو إرساء الديمقراطية

أمام هذا الغموض وارتفاع مخاوف التونسيين من المستقبل المجهول، حاولت "حفريات" استطلاع آراء مختلف الفاعلين التونسيين حول السيناريوهات الممكنة للمشهد الحالي، وفي ظلّ الظروف الجديدة، وأكدت مختلف القراءات على أنّ الديمقراطية التونسية لن تفقد بوصلتها، خصوصاً أنّ عيون المجتمع الدولي على تونس وديمقراطيتها، فيما يفتح المشهد على عدّة فرضيات جميعها ممكنة.

ثلاث فرضيات مطروحة

يرى وزير الخارجية الأسبق، أحمد ونيس، في قراءته لـ "حفريات"؛ أنّ "كلّ السيناريوهات ممكنة"، لكنّه متفائل في أنّ تونس ستتجاوز هذه العقبة أيضاً، وستستعيد خطواتها بالاتجاه الصحيح نحو إرساء الديمقراطية، وأنّ المنظمات الوطنية ومكوّنات المجتمع المدني الذين التقاهم قيس سعيّد وتشاور معهم خلال اليومين الماضيين، إلى جانب حرص المجتمع الدولي على مراقبة مستجدات البلد، سيكونون الضامن لنجاح التجربة التونسية.

وزير الخارجية الأسبق، أحمد ونيس

ومن الأحداث التي يتوقّع ونيس حدوثها؛ دخول تونس في إصلاحات دستورية ضرورية، لكنّ ذلك سيكون بعد تشكيل حكومة يختار سعيّد رئيسها، وسيقع إدخال إصلاحات على القانون الانتخابي، وهذا أمر مطروح بشدّة وضروري؛ لأنّ الرئيس تحدّث دائماً عن عدم رضاه عن بعض فصول الدستور.

ولا يستبعد ونيس انجرار تونس نحو الفوضى، بسبب ردّة فعل الأطراف التي تضرّرت من قرارات الرئيس، وفي مقدمتها حركة النهضة، التي لن تقبل المسار الإصلاحي الذي سيمضي فيه سعيّد، رغم وجود جهات، في الداخل والخارج، ستحاول منع نجاح هذا المخطط، بالتالي، لن يحظى هؤلاء بالمساعدات التي يتوقعونها لتمرير برنامجهم.

رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية، بدرة قعلول لـ"حفريات": فرضية حلّ البرلمان ممكنة جدّاً، خاصة أنّ أكثر من ثلث النواب لديهم مشكلات قضائية ومالية

رئيس الخارجية الأسبق لا يستبعد أيضاً إمكانية عودة البلد إلى الدكتاتورية والاستبداد، بعد أن جمع سعيّد كلّ الصلاحيات بيده، لكنّ الأطراف التي ستشارك في اتخاذ مثل هذا القرار تدرك أنّ الشعب ونخبه والأحزاب السياسية سيرفضون خيار عودة الاستبداد مهما كانت المزايا التي سيقدمونها.

ودعا ونيس إلى ضرورة تشكيل حكومة في أقرب وقت للحفاظ على ثقة الداعمين الدوليين، ودعمهم للتجربة التونسية، لأنّها مرتهنة لهم من أجل مواصلة استكمال انتقالها الديمقراطي والنفس الاقتصادي والمالي.

اقرأ أيضاً: تونس وهزيمة المشروع :"الإخواني"

ولفت ونيس إلى موقف تركيا الذي كان حاداً إلى نوع ما في البداية، معتبراً ذلك مجرّد استجابة لنجدة حركة النهضة، وإرضاء لها، لأنّها أدركت أنّ قرارات الرئيس تستهدفها بشكل مباشرٍ، رغم أنّ المصالح التي تربط تونس بتركيا لا ترقى إلى حدّ أن تؤثر تركيا في القرار التونسي.

 وتابع: "موقف تركيا كان حاداً، على عكس موقف قطر، التي تجاوبت بشكل راقٍ مع نداءات النهضة".

حلّ البرلمان جائز

وترى رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية، بدرة قعلول؛ أنّ فرضية حلّ البرلمان ممكنة جدّاً، خاصة أنّ أكثر من ثلث النواب لديهم مشكلات قضائية ومالية، بحسب تقارير دائرة المحاسبات، وملفاتهم جاهزة، كما سيتمّ حلّ عدّة أحزاب سياسية، لكنّ ذلك سيكون بعد ستة أشهر، على الأقل، لأنّ المحاسبة ستطول قليلاً.

بدرة قعلول

تتوقّع قعلول أيضاً أن تشهد تونس إعفاءات لشخصيات مهمة مورطة بطريقة أو بأخرى في قضايا فساد أو قضايا إرهابية، فيما لا تستبعد أن تقوم الجماعات الرافضة لقرارات سعيّد بردّ فعل عنيف؛ لأنّ هؤلاء سيتضرّرون من الخطوة التي اتّخذها سعيّد، رغم أنّها تأخرت كثيراً.

وتقول رئيسة المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية؛ إنّ حركة النهضة لن تقبل بالهزيمة أمام سعيّد، وستستعين بأذرعها الإعلامية والإرهابية، وستلجأ إلى العنف واستخدام مخزونها من الأسلحة والميليشيات.

عنف وعنف متبادل

من جهته، أبدى العميد المتقاعد من الجيش الوطني والرئيس السابق للجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، مختار بن نصر، في تصريحه لـ "حفريات"، تخوفه من تقسيم الشارع والتفرقة بين الشعب الواحد، وما قد ينجرّ عنه من عنف وعنف متبادل، خاصةً في ظلّ وجود أغلبية مبتهجة ومرحبة بقرارات الرئيس وأقلية موالية لحركة النهضة تعدّ ما حدث انقلاباً.

مختار بن نصر

ولفت بن نصر إلى أنّ ما حدث في محيط البرلمان بعد يوم من قرارات الرئيس؛ من مواجهات بين القابلين والرافضين، ورمي الحجارة، دليل على إمكانية انزلاق الأحداث إلى العنف، في حال لم تتجه كلّ الأطراف إلى تهدئة جماعتها، وإقناعها بضرورة تغيير الوضع الذي تعيشه البلاد.

اقرأ أيضاً: تونس وعداء "الإخوان" للجيوش!

بن نصر شدّد أيضاً على أنّ خطر الإرهاب سيظل قائماً في ظلّ تواصل انقسام المجتمع، منوهاً بفطنة الرئيس الذي أكّد أنّ "رصاصةً واحدة يطلقها الإرهابيون ستُواجه بوابل من الرصاص"، معتبراً أنّ الوضع يتجه مبدئياً نحو التهدئة، لأنّ حركة النهضة بدت وكأنّها راجعت حساباتها، واتجهت نحو البراغماتية، حتى لا تخسر كلّ شيء.

سعيّد سيرتب الأوضاع خلال 30 يوماً

يقول رئيس المركز المغاربي للدراسات الإستراتيجية، طاهر شقروش، لـ "حفريات": "قيس سعيّد سيرتب الأمور كلّها خلال 30 يوماً، وذلك بحكم معرفتي به وصداقتي معه"، مضيفاً أنّ لديه معلومات أكيدة بأنّ سعيّد لن يتجه نحو دكتاتورية عسكرية، كما يروّج مخالفوه، وأنّه لن يحلّ حركة النهضة، رغم خلافه الجذري معها.

العميد المتقاعد مختار بن نصر لـ"حفريات": الوضع يتجه مبدئياً نحو التهدئة، لأنّ حركة النهضة بدت وكأنّها راجعت حساباتها، واتجهت نحو البراغماتية، حتى لا تخسر كلّ شيء

شقروش أضاف أيضاً أنّ معرفته الجيّدة بسعيّد تؤكد أنّه لم يستجب لأيّة ضغوط خارجية في خطوته الجريئة التي قام بها، معتبراً أنّ حركة النهضة كانت ذكية في تراجعها عن الاعتصام أمام البرلمان وعن تصعيد الأحداث، لأنّها تعرف أنّ القوى الدولية ستمنعها من الانزلاق إلى العنف، وإلا ستقضي على نفسها بنفسها.

وأكّد شقروش أنّ بعض الدول من محيط تونس العربي، المليء بالملوك والسلاطين، لا يعجبها نجاح مسار البلد، وتحاول تعطيله وإحباطه، مشدّداً على أنّ تركيا التي أعلنت أنّها لا توافق على قرارات سعيّد لن تؤثر في تونس أو في مسارها.

استفتاء شعبي ممكن

من جانبه، يتوقّع الصحفي والمحلل السياسي، جمال العرفاوي، في تصريحه لـ "حفريات"، إمكانية أن يدعو الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إلى استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي للبلاد (برلماني معدل)، وتعديل القانون الانتخابي، فيما لا يتوقع انزلاق البلد إلى أيّ من السيناريوهات التي تتخوف منها بعض الأطراف، خصوصاً أنّ الرئيس بعث برسائل طمأنة إلى الشعب التونسي بضمان الحقوق والحريات والحفاظ على المسار الديمقراطي ومؤسساته، وذلك بعد التشاور مع أغلب المنظمات الوطنية الناشطة في تونس.

جمال العرفاوي

وتوقع العرفاوي أن يتمّ "تطهير" البرلمان من الذين تسبّبوا في تعطيل دواليب الدولة، خصوصاً المطلوبين لدى القضاء، عبر تطبيق ما جاء في تقارير دوائر الرقابة المالية، والمتعلقة أغلبها بالفساد وفقاً للقانون.

ولفت المحلل السياسي إلى أنّ حركة النهضة باتت في عزلة شديدةٍ، بعد أن فقدت الطرف القوي الذي كانت ترتكز عليه بالبرلمان، وهو قلب تونس، الذي تخلى عنها ودعم قرارات قيس سعيّد، كما أنّها قامت بوزن حجمها حين دعت أنصارها للنزول إلى الشارع للتصدي لقرارات الرئيس، لكنّها لم تستطع حشد العدد المقبول.

الحذر واجب

ؤؤ، دعا في حديثه لـ "حفريات"، إلى ضرورة الحذر من ردّة فعل غير محسوبة من قبل حركة النهضة، باعتبارها الطرف الأكثر تضرّراً من قرارات الرئيس، مشيراً إلى أنّ الأوضاع الأمنية، والحدود البرية والبحرية والجوية تحت السيطرة، وأنّ أغلب المؤسسات مساندة للرئيس.

محمد بوعود

ورجّح بوعود أن ينتج عن الوضع الحالي مشهد سياسي لن يكون مثل السابق، وأنّ حركة النهضة قد تبقى في المشهد، لكن لن تكون كما كانت خلال السنوات العشر الماضية، أي في الحكم من وراء الستار، مشدّداً على أنّها ستبقى في المشهد فقط لأنّ سعيّد لن يتولى آلية الإقصاء، بل سيعتمد آليات عقاب دستورية.

كما توقّع أن يقدّم سعيّد خرائط طريق واضحة في قادم الأيام، مع المحافظة على ما حققه الشعب من حقوق وحريات، ومواصلة بعض الاستحقاقات التي لا تنتظر كالوضع الوبائي ومحاولة إنقاذ الوضع الاقتصادي.

"لن يعود أيّ شيء كما كان"

الإعلامي والمحلل السياسي يوسف الوسلاتي، يؤكّد لـ "حفريات"؛ أنّ "لا شيء سيعود كما كان قبل يوم 25 تموز (يوليو)، والبرلمان لن يعود للنشاط بالنسق العادي"، لافتاً إلى أنّ الرئيس لن يحلّ البرلمان، لكن من المستحيل أن تعود الحياة السياسة كما كانت حتى 30 يوماً قادمة.

 يوسف الوسلاتي

يقول الوسلاتي: "سعيّد سيغيّر شروط اللعبة السياسية التي قامت دائماً على المال السياسي المتدفق بأرقام كبيرة على بعض الأحزاب، ما أثر على نتائج الانتخابات، كما قامت على الأذرع الإعلامية التي أوصلت البعض إلى البرلمان دون كفاءة، وقامت أيضاً على هيئة انتخابية مرتهنة إلى حركة النهضة"، مرجّحاً ان تُلغى كلّ هذه الشروط.

الوسلاتي أكّد أيضاً أنّ "المجتمع الدولي سيضغط كثيراً في الفترة المقبلة من أجل استمرار الديمقراطية، ومؤسسات الدولة، وعودة النسق العادي للبلد في أقرب وقت". 

النهضة لم تقبل ولكن

يؤكّد القيادي بحركة النهضة ووزير المالية الأسبق، سليم بسباس، لـ "حفريات"؛ أنّ "حركة النهضة لم تقبل بالتدابير الاستثنائية والقرارات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد، واستند فيها على الفصل 80 من الدستور، لكن لها ثقة في المؤسسة الأمنية والعسكرية، لما يُعرف عنها من حياد تجاه كلّ الأطراف، لذلك هي ستنتظر ما سيحدث بعد 30 يوماً من الآن.

اقرأ أيضاً: دول عربية تدعم تونس بعد قرارات قيس سعيد... تفاصيل

وأكّد بسباس على ضرورة أن يعلن سعيّد خريطة طريق اقتصادية وسياسية للوصول إلى شاطئ السلام في أقرب وقت ممكن، لافتاً إلى أنّ الأوضاع الداخلية والإقليمية لن تسمح بعودة تونس إلى الوضع الاستبدادي، وتفرض الالتزام بضوابط الديمقراطية ومؤسساتها والشرعية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية