حسن الترابي: قراءة نقدية لتجربة سياسية وفكرية مليئة بالتناقضات

حسن الترابي: قراءة نقدية لتجربة سياسية وفكرية مليئة بالتناقضات

حسن الترابي: قراءة نقدية لتجربة سياسية وفكرية مليئة بالتناقضات


10/04/2025

يعتبر حسن الترابي واحدًا من أبرز الشخصيات الإسلامية في العالم العربي والإسلامي، حيث لعب دورًا محوريًا في تشكيل الإسلام السياسي في السودان. من خلال مسيرته السياسية والفكرية، سعى الترابي إلى دمج الإسلام بالدولة الحديثة، إلا أن تجربته اتسمت بالكثير من التناقضات. بين دعم الانقلابات العسكرية ومحاولات تقديم فكر إسلامي تجديدي، شهدت مسيرة الترابي تحولات كبيرة جعلته شخصية محورية مثيرة للجدل.

حسن الترابي، الذي درس القانون في جامعة الخرطوم ثم في جامعة السوربون في باريس، سعى إلى وضع رؤية إسلامية للدولة الحديثة. إحدى الأفكار المحورية التي طرحها كانت *مفهوم الشورى* كبديل للديمقراطية الغربية. في كتاباته، حاول الترابي تقديم الشورى كآلية إسلامية تسمح للمسلمين بالمشاركة في الحكم دون تقليد النظام الديمقراطي الغربي، وهو ما عرضه في كتابه *"الحرية والشورى"*.

ورغم أن هذه الفكرة تبدو تجديدية في ظاهرها، إلا أنها لم تتجسد عمليًا على أرض الواقع في السودان. بعد دعمه *لانقلاب 1989* الذي قاده *عمر البشير*، أصبحت السلطة مركزية في يد الحكومة العسكرية، بينما تم تهميش أي ممارسات شوروية أو ديمقراطية حقيقية. هذه الفترة التي عرفت بـ"الإنقاذ"، كانت أحد أكبر التناقضات في مسيرة الترابي، حيث تحولت شعارات الشورى والمشاركة إلى غطاء لحكم استبدادي عسكري.

في عام 1989، دعم حسن الترابي انقلابًا عسكريًا قاده *عمر البشير، وهو حدث مفصلي في تاريخ السودان. الترابي كان العقل المدبر وراء الانقلاب الذي أزاح حكومة **الصادق المهدي* الديمقراطية، وأقام نظامًا إسلاميًا قمعيًا. رغم أنه كان يُنظر إليه في البداية كشريك رئيسي في الحكم، فإن العلاقة بين الترابي والبشير بدأت في التدهور تدريجيًا. بحلول *عام 1999*، انقلب البشير على الترابي وحل البرلمان، بعد محاولة الترابي تعديل الدستور لمنح المزيد من الصلاحيات التشريعية، في خطوة اعتبرها البشير تهديدًا لسلطته.

هذا الصراع الداخلي بين حلفاء الأمس كشف عن هشاشة النظام السياسي الذي أسسه الترابي. المحللون يرون أن الترابي، رغم قدراته الفكرية، فشل في ترجمة مبادئه على أرض الواقع، حيث أصبح جزءًا من منظومة حكم استبدادية أدت إلى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية في السودان.

خلال التسعينيات، لعب السودان دورًا محوريًا في دعم *الحركات الإسلامية* العالمية تحت قيادة الترابي. في تلك الفترة، استضاف السودان شخصيات مثل *أسامة بن لادن، الذي كان يعيش في الخرطوم من **1991 حتى 1996. هذا التعاون مع الحركات الإسلامية العالمية، وخاصة المتطرفة منها، زاد من عزلة السودان دوليًا وأدى إلى فرض **عقوبات أمريكية* على البلاد في *عام 1997*، حيث اعتبرت الولايات المتحدة السودان داعمًا للإرهاب.

الترابي، الذي سعى إلى تعزيز دور الإسلام السياسي على الصعيد العالمي، لم يدرك في البداية تداعيات دعمه لحركات إسلامية متطرفة، مثل القاعدة. هذا الدعم أثار قلق المجتمع الدولي وعزز من صورة السودان كدولة راعية للإرهاب، مما زاد من العزلة السياسية والاقتصادية وأدى إلى تدهور الأوضاع في الداخل السوداني.

رغم دعم الترابي لنظام استبدادي، إلا أنه كان يسعى في العديد من القضايا لتقديم فكر إسلامي تجديدي. على سبيل المثال، دعا إلى *مشاركة المرأة في الحياة العامة*، وسمح لها بالترشح والمشاركة في الانتخابات. هذه الأفكار كانت جديدة على الساحة السودانية المحافظة، لكنها قوبلت بالانتقاد من التيارات الإسلامية التقليدية التي رأت في دعوات الترابي انحرافًا عن الفقه الإسلامي المحافظ.

ومع ذلك، كان الترابي يتبنى أفكارًا محافظة في مجالات أخرى. دعمه لتطبيق الشريعة في السودان أدى إلى فرض قوانين صارمة تحت مسمى "قوانين النظام العام"، والتي استُخدمت لتقييد الحريات العامة وقمع المعارضة. هذه التناقضات جعلت الترابي شخصية جدلية حتى داخل الأوساط الإسلامية، حيث اعتبره البعض مفكرًا تجديديًا، بينما رأى فيه آخرون شخصية محافظة تسعى فقط للحفاظ على السلطة.

أحد أبرز الإخفاقات في تجربة الترابي هو فشله في تحقيق استقرار سياسي طويل الأمد في السودان. بدلًا من بناء دولة إسلامية متماسكة ومستقرة، أدى حكم الترابي وحلفائه إلى تفاقم الأزمات الداخلية. الحرب الأهلية في الجنوب استمرت طوال فترة حكمه، وانتهت بتوقيع *اتفاقية نيفاشا* في *2005* التي أدت إلى *انفصال جنوب السودان* في *2011*. هذه الخسارة الكبيرة لأراضي السودان تُعتبر نتيجة مباشرة للسياسات القمعية التي اتبعها النظام، والتي ساهم الترابي في تأسيسها.

حسن الترابي يُعتبر من الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيرًا في تاريخ السودان، إلا أن تجربته السياسية اتسمت بالكثير من التناقضات والإخفاقات. من دعم الانقلاب العسكري الذي أدى إلى حكم استبدادي، إلى تعزيز علاقات مع الحركات الإسلامية المتطرفة، كان لإرثه السياسي تداعيات كبيرة على السودان والمنطقة.

رغم محاولات الترابي تقديم فكر إسلامي يجمع بين الحداثة والشورى، فإن تطبيق هذه الأفكار على أرض الواقع كان بعيدًا عن النجاح. سيظل إرث الترابي موضوع نقاش واسع، خاصة فيما يتعلق بتأثيره على الإسلام السياسي في العالم العربي والفشل في تحقيق دولة إسلامية مستقرة في السودان.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية