حزب الله على الطريقة الترامبية في تصدير أزماته الداخلية

حزب الله على الطريقة الترامبية في تصدير أزماته الداخلية

حزب الله على الطريقة الترامبية في تصدير أزماته الداخلية


20/02/2025

جيرار ديب

يكثر الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الزعم بأن الناخبين في الخامس من نوفمبر الماضي منحوه تفويضا كي “يعيد أميركا عظيمة مرة أخرى." يوظف ترامب ما يراه فوزا كاسحا ليضفي الشرعية على إعادة تشكيل الولايات المتحدة ومؤسساتها من الداخل، بحيث يقضي على الدولة العميقة.

على طريقة الترامبية يلجأ حزب الله إلى تصدير أزمات بلاده الداخلية إلى الخارج، حيث استطاع هذا الرجل (ترامب) طرح إشكاليات على الساحة العالمية شهدت مسارات من الجدلية، بينما يجري تعديلات واسعة في الداخل الأميركي بسبب تراكم الأزمات التي رافقت عهد الرئيس السابق جو بايدن.

راقت هذه الطريقة لحزب الله اللبناني الذي خرج من حرب مع إسرائيل سببت له انتكاسات وانكسارات جعلت منه عاجزا عن مواجهة بيئته الحاضنة. لهذا وجد الحزب أنّ أفضل طريقة للخروج من مأزق عدم مقدرته على الوفاء بوعوده في إعادة إعمار ما تهدم، وفي مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية اليومية رغم الهدنة، هي التنفيس في الساحة الداخلية عبر خلق أزمة دبلوماسية وتحويلها إلى قضية وجودية.

منعت السلطات اللبنانية، مساء الخميس الثالث عشر من فبراير الجاري، طائرة إيرانية من الهبوط في مطار رفيق الحريري الدولي. وذلك بعد ساعات على توجيه إسرائيل إنذارا بقصف المطار، بعد سلسلة من الاتهامات لإيران وحزب الله بتهريب الأسلحة والأموال عبره.

لم تكن المرة الأولى التي تقدم السلطات اللبنانية على مثل هذا الإجراء. والملفت أن وزير الأشغال يومها علي حمية، المحسوب على حزب الله، هو من أوعز إلى الطائرة الإيرانية بعدم الهبوط، وتجنب حتى دخول الأجواء اللبنانية.

لم تقم قيامة حزب الله يومها، ولم يتوعد الإيراني بعواقب وخيمة، قد يكون السبب مرتبطا بأن الحزب كان يقود الحرب وكان في اعتقاده أنه سيخرج منها منتصرا كما حرب 2006. لكنّ الرياح جرت عكس ما تشتهيه سفنه، حيث أصيب الحزب بهزائم على المستويين العسكري والمالي، إضافة إلى أن التقارير تشير إلى أن العدو قام باستهداف حوالي 43 ألف وحدة سكنية وجرف البنى التحتية لبعض البلدات، ما سبب خسائر بمليارات.

لا تريد طهران دفع التعويضات، أو بلغة اقتصادية هي غير قادرة على القيام بهذا، لاسيما بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وفرض إجراءات أكثر عقابية عليها. لهذا وجد النظام في طهران ضالته في شأن الطائرة الإيرانية، فها هو يستخدمها ذريعة يتحجج بها للتنصل من مسؤوليته تجاه بيئة حزب الله، إذ رغم مرور أكثر من شهرين على وقف النار لكنّ الأرضية لم تلمس الكثير من الجدية في وعود إعادة الإعمار.

لا تزال أزمة الطائرات بين لبنان وإيران تتفاعل، ولا تزال احتجاجات مناصري ومحازبي حزب الله تعمل على قطع الطرقات المؤدية إلى المطار، وفي بعض المناطق اللبنانية. رغم خطورة ما يحصل على الأرض والذي قد يدفع بحرب داخلية يحتاجها العدو الإسرائيلي، إلا أن الرسائل التي تريد طهران توجيهها عبر حزب الله واضحة، بأن لبنان لم يزل ورقة تفاوضية بيدها، رغم “الطحشة” الخليجية والعربية لإخراج لبنان من أزمته، إذ وضع البعض زيارة رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني لبيروت السبت الخامس عشر من فبراير الجاري في هذا الإطار.

يريد حزب الله تصدير أزمته الداخلية إلى مواجهة بين بيئته الحاضنة والمؤسسات الأمنية والسياسية. لاسيما مع ازدياد منسوب النقد اللاذع من قبل جماهيره على وسائل التواصل، بعدما لمس الكثير منهم عدم التطابق بين دفع التعويضات المصروفة ونسبة الدمار الهائل لاسيما عند من سويت منازلهم بالأرض.

ويشعر الحزب بأن وصول جوزيف عون إلى قصر بعبدا، وتشكيل حكومة نواف سلام، أتى خارجا عن إرادته، فهو يدفع فاتورة الحرب وما بعدها. لهذا يجد البعض أن ردة فعل الحزب على الأرض تأتي بدوافع إيرانية لإعادة تكريس الحضور، لاسيما وأن الضغط الأميركي بدأ يأخذ شكلا تصاعديا.

يشكل مطار بيروت بالنسبة إلى الحزب ما تبقى من صورته المهمشة، لهذا يحاول أن يبقيه ورقة للابتزاز الداخلي، بعدما استسلم تماما للخارج، وبصم على الصفقة التي أوقفت الحرب وفرضت على لبنان شروطا مذلة لصالح إسرائيل.

ليس ما حدث على طريق المطار من شغب وقطع طرقات وحرق مركبة تابعة لـ”اليونيفيل” جديدا على حزب الله. فالحزب صاغ على مدار تاريخه سيرته السياسية والأمنية بروابط اتصلت دائما بالطريق المؤدية من المطار وإليه. إذ كان متوقعا أن يلجأ الحزب إلى قطع طريق المطار، وقد هدد القيادي وفيق صفا بذلك في مؤتمر صحفي قبل أسابيع، ملمحا إلى أنه يعقد مؤتمره على بعد أمتار من المطار، في إشارة إلى أن الحزب لا يزال صامدا رغم كل نكساته.

يدرك الحزب أن المطار هو المجال الحيوي المتبقي له لشبك علاقاته مع طهران عبر إرسال الأموال والأسلحة، بعدما خاض الحزب تحت اسم العشائر حربا مع الجيش السوري، أقفلت من خلالها جميع المعابر الشرعية وغير الشرعية. كما فقد الحزب سيطرته على مرفأ بيروت بعد الكارثة التي أدت إلى انفجاره في الرابع من أغسطس 2020.

بين مطرقة الحزب وسندان إيران ستستمر الاحتجاجات وقد تسلك طريقا أكثر دمويا مع دخول المنطقة في نفق سياسات ترامب الذي يسعى لسحب روسيا من الشراكة مع إيران عبر تكريمها على حساب أوكرانيا، بالمقابل يعمل ترامب على سحب البساط نهائيا في المنطقة من تحت أقدام طهران.

لهذا يبقى طريق المطار الطريق الأقصر لممارسة الضغط داخليا وخارجيا، حيث يعمل الحزب على إعادة ترتيب أوراقه على الأقل داخليا. لكنّ السؤال ما هي ضمانة الحزب إن استمرّ في اتباع لغة الشارع أن لا تتوجه السلطة إلى فتح مطار آخر في لبنان؟ عندها ألا يخسر كافة أوراق الضغط لديه؟

العرب




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية