حزب العدالة والتنمية في المغرب: من الصعود إلى الفشل السياسي (2011-2021)

حزب العدالة والتنمية في المغرب: من الصعود إلى الفشل السياسي (2011-2021)

حزب العدالة والتنمية في المغرب: من الصعود إلى الفشل السياسي (2011-2021)


14/10/2024

يعد *حزب العدالة والتنمية* المغربي أحد أبرز الأحزاب الإسلامية في المنطقة، وحقق انتصارًا تاريخيًا عندما وصل إلى السلطة بعد ما يسمى أحداث *الربيع العربي* في 2011، مستندًا إلى وعود بالإصلاح ومكافحة الفساد. ومع ذلك، فإن تجربة الحزب في السلطة على مدى عشر سنوات انتهت بفشل سياسي ذريع، حيث مُني الحزب بهزيمة ساحقة في الانتخابات البرلمانية لعام 2021، مما يمثل تحولًا في مساره السياسي. سنستعرض أبرز أسباب هذا الفشل، ويتناول بالتفصيل كيف تحول الحزب من رمز للأمل إلى رمز للفشل.

بعد الاحتجاجات التي شهدها المغرب في إطار حركة 20 فبراير، اتخذ الملك *محمد السادس* خطوات استباقية للإصلاح، بما في ذلك تعديل الدستور لتعزيز سلطات البرلمان والحكومة. في هذا السياق، وجد *حزب العدالة والتنمية* نفسه في موقع ممتاز للاستفادة من الموجة الإصلاحية، ونجح في الحصول على الأغلبية في *انتخابات 2011. ترأس الإخواني ورئيس حزب العدالةوالتنميةعبد الإله بنكيران* الحكومة في ظل توقعات كبيرة من الشارع المغربي بأن الحزب سيحقق تحولًا جذريًا في البلاد من خلال مواجهة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية كما وعدهم. 

رغم أن *حزب العدالة والتنمية* قدم نفسه كحزب إصلاحي يقود حملة ضد الفساد، فإن الممارسة الحكومية كشفت عن *تناقضات عميقة. منذ البداية، اضطر الحزب إلى الدخول في تحالفات سياسية مع أحزاب تقليدية كان يُنظر إليها على أنها جزء من النخبة المسؤولة عن إدارة الأوضاع العامة والتي وعد الحزب بمحاربتها. من أبرز تلك الأحزاب **حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي كان يقوده وزير الزراعة السابق **عزيز أخنوش*، والذي أصبح أحد أبرز الشخصيات المنافسة للعدالة والتنمية لاحقا.

خلال فترة حكمه، اضطر الحزب إلى التخلي عن الكثير من وعوده بالإصلاح، مما أثار غضب الشارع. على سبيل المثال، واجه الحزب انتقادات شديدة بسبب *القانون الإطار للتعليم* الذي دعا إلى تدريس بعض المواد باللغة الفرنسية بدلًا من العربية، مما اعتبره البعض تخليًا عن الهوية الوطنية والدينية التي يمثلها الحزب.

على الصعيد الاقتصادي، ورث حزب العدالة والتنمية تحديات اقتصادية كبيرة، لكنه اتخذ قرارات أثرت بشكل سلبي على شعبيته. تبنى الحزب سياسات *تقشفية* تحت ضغوط من *صندوق النقد الدولي، حيث تم رفع أسعار **المحروقات*، وخُفّض الدعم الحكومي على المواد الأساسية مثل الغاز والسكر. 

كانت هذه السياسات سببًا مباشرًا في *ارتفاع معدلات الفقر* وزيادة البطالة، لا سيما بين الشباب. رغم أن الحزب برر تلك السياسات بأنها ضرورية لتحقيق الاستقرار المالي، إلا أن النتائج الاجتماعية كانت قاسية. وفقًا لتقارير البنك الدولي، بلغت نسبة البطالة بين الشباب في المغرب *29.5%* في عام 2020، مما عزز شعورًا بالإحباط لدى المواطنين الذين توقعوا تحسينات ملموسة في حياتهم اليومية.

إحدى أكبر المشاكل التي واجهها حزب العدالة والتنمية كانت *التحالفات السياسية* التي اضطر إلى الدخول فيها من أجل الحفاظ على استمرارية حكومته. رغم شعاراته القوية ضد النخب التقليدية، اضطر الحزب إلى تشكيل تحالف مع *حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يرمز إلى النخب الاقتصادية. لعب **عزيز أخنوش، الذي يعد واحدًا من أبرز رجال الأعمال في المغرب، دورًا محوريًا في حكومة **سعد الدين العثماني، خلف **عبد الإله بنكيران*.

هذا التحالف أضر بمصداقية الحزب بشكل كبير. وبدلًا من مواجهة النخب المتجذرة، وجد الحزب نفسه مضطرًا إلى تقديم تنازلات سياسية كبيرة، مما أفقده دعم العديد من قواعده الشعبية التي كانت تتوقع منه الالتزام بمبادئه الإصلاحية. كما أن العلاقة بين الحزب والقصر الملكي، التي كانت تسير بهدوء في البداية، بدأت تشهد تباعدًا مع مرور الوقت، حيث بدأت ملامح التوتر تظهر في عدة مناسبات.

في السنوات الأخيرة من حكمه، شهد حزب العدالة والتنمية *خلافات داخلية* أثرت سلبًا على أدائه. قاد هذه الخلافات الصراع بين *عبد الإله بنكيران، الذي كان يتمتع بشعبية واسعة، وخليفته **سعد الدين العثماني*، الذي اعتُبر أكثر توافقًا مع النظام الملكي، ولكنه أقل قدرة على كسب تأييد الشارع.

أبرز هذه الخلافات ظهرت بعد توقيع *اتفاق التطبيع مع إسرائيل* في ديسمبر 2020، والذي دعمه العثماني باعتباره رئيس الحكومة. هذا الموقف أدى إلى انتقادات واسعة داخل الحزب وخارجه، حيث اعتبر البعض أن الحزب تخلى عن مبادئه المتعلقة بالقضية الفلسطينية. هذا القرار تسبب في مزيد من الانقسامات داخل الحزب، مما أدى إلى تراجع الثقة في قيادته.

كانت *الانتخابات البرلمانية لعام 2021* لحظة فاصلة في تاريخ حزب العدالة والتنمية. بعد عشر سنوات من الحكم، خسر الحزب بشكل مدوي، حيث تراجعت مقاعده في البرلمان من *125 مقعدًا* في عام 2016 إلى *13 مقعدًا* فقط. هذا التراجع الكارثي يعكس فقدان الحزب لقاعدته الشعبية بشكل كامل.

تُعزى هذه الهزيمة إلى مجموعة من الأسباب، من بينها السياسات الاقتصادية التقشفية، وفقدان الحزب لمصداقيته بسبب تحالفاته السياسية المتناقضة، وتراجع شعبيته بسبب خلافاته الداخلية. كان *عزيز أخنوش* وحزبه *التجمع الوطني للأحرار* أكبر المستفيدين من هذه الهزيمة، حيث حصل حزبه على الأغلبية في البرلمان، مما سمح له بتشكيل الحكومة.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن فشل حزب العدالة والتنمية في المغرب لم يكن نتيجة عامل واحد، بل كان نتيجة *سلسلة من الأخطاء الاستراتيجية*. الحزب الذي جاء إلى السلطة بوعود كبيرة بالإصلاح وجد نفسه عالقًا في شبكة من التنازلات السياسية والتحالفات التي أضعفت من قدرته على تنفيذ برنامجه. 

علاوة على ذلك، فإن *السياسات الاقتصادية* التي اتبعها الحزب، رغم أنها كانت تهدف إلى تحقيق الاستقرار المالي، إلا أنها أضرت بالشرائح الأكثر فقرًا، مما زاد من حالة الاحتقان الاجتماعي. وكان لفقدان الحزب قدرته على الحفاظ على التوازن بين مبادئه السياسية والتحالفات التي دخل فيها أثر كبير في تراجع الثقة به.

في النهاية، يعكس فشل حزب العدالة والتنمية تجربة فريدة من نوعها ضمن التيارات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في إطار موجة "الربيع العربي". ورغم أن الحزب حاول الحفاظ على توازن بين التيار الديني ومتطلبات الحكم، إلا أن التحالفات السياسية، والخلافات الداخلية، والقرارات الاقتصادية غير الشعبية، كانت عوامل حاسمة في تآكل شعبيته.

تجربة الحزب في الحكم تقدم درسًا مهمًا حول كيفية فشل الأحزاب الإسلامية في *التكيف مع متطلبات السلطة* والواقع السياسي في البلدان العربية، حيث تبقى السياسات الاقتصادية والتحالفات السياسية المحور الرئيسي في نجاح أو فشل أي تجربة سياسية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية