حزب العدالة والتنمية: إخوان المغرب والبقاء في هامش السياسة

حزب العدالة والتنمية: إخوان المغرب والبقاء في هامش السياسة

حزب العدالة والتنمية: إخوان المغرب والبقاء في هامش السياسة


23/04/2025

يبرز حزب العدالة والتنمية بالمغرب (فرع إخوان المغرب) باعتباره نموذجاً يتماثل تماثلاً عضوياً مع جماعات الإسلام السياسي بالمنطقة، ولا يكاد يختلف عنها في المسارات والمآلات، تحديداً خلال مرحلة ما بعد الربيع العربي. فمن القفز على السلطة والوصول إلى "مرحلة التمكين"، مروراً بالرغبة في التغلغل التام، ثم التمدد في مفاصل الحكم، وحتى الإطاحة بالمعارضة المدنية وتشويه وقمع خصومهم لدرجة التصفية الجسدية، كانت مشهدية واحدة في البلدان التي انتقلت إليها عدوى الثورات مع العام 2011، في تونس ومصر والمغرب. 

والنتيجة الحتمية في الحالات كلها هي نبذ هذه القوى سياسياً ومجتمعياً، والاحتجاج الشعبي على الأداء السياسي لهم، في ظل عدم الوفاء بوعودهم المرتبطة بالرفاه والعدالة الاجتماعية. فقد سارت الأمور عكس ذلك، وانكمش الوضع الاقتصادي، بكل ما ترتب عليه من تدنّي الوضع الاجتماعي وتآكل، أو بالأحرى فقدان الطبقة الوسطى امتيازاتها. 

نحو التعويم السياسي

اللافت أنّ هذه القوى الإسلاموية ما تزال، رغم رفضها وعدم قبولها السياسي والشعبي وانحسار حواضنها، ما تزال تبحث عن فرصة لتعويم نفسها في المجال العام، وتبحث عن ذلك من خلال فرص مشبوهة، منها تضخيم حوادث للتشنيع على الحكومات والأنظمة التي تعاديها، فتقوم بنشر الشائعات وتعمل على الابتزاز والمناورة، أو توظيف حوادث إقليمية مثل حرب غزة، لجهة استمالة المجتمعات لخطابها. وقد دعا  مؤخراً العديد من النخب السياسية في المملكة المغربية إلى منع انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية (ذراع الإخوان المسلمين السياسية في المغرب)؛ بسبب استضافته لأعضاء من حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وأثار قرار اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي (البيجيدي) دعوة قادة من حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) لحضور المؤتمر التاسع للحزب، سجالات واسعة في المغرب وصلت إلى حدّ إطلاق دعوات لمنع المؤتمر الحزبي الذي يعتبر حاسماً للتحضير للانتخابات التشريعية ولانتخاب قيادة جديدة للحزب، أو منع المدعوين من (حماس) من المشاركة، وفق ما نقل موقع (ميديل إيست أون لاين).

مؤخراً العديد من النخب السياسية في المملكة المغربية إلى منع انعقاد مؤتمر حزب العدالة والتنمية (ذراع الإخوان المسلمين السياسية في المغرب)

ووجّهت أحزاب وشخصيات عامة مغربية انتقادات حادة للإسلاميين، معتبرة الدعوة خطوة غير مسؤولة وتتعارض مع مصالح البلاد العليا، خاصة في ظل التوترات الإقليمية والدولية، بل قد تؤثر هذه الدعوة سلباً على صورة حزب العدالة والتنمية لدى شريحة من المغاربة، خاصة أولئك الذين يفضلون الحفاظ على علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، ويعتبرون أنّ تلك الدعوة محاولة من الإسلاميين لتعزيز شعبية الحزب لدى قواعده وأنصاره المتعاطفين مع القضية الفلسطينية، بحسب الموقع ذاته.

في حين هاجم عبد الإله بنكيران الأمين العام للحزب الذين طالبوا وزارة الداخلية بمنع مؤتمر (البيجيدي)، أو حزب (المصباح). وقال بنكيران، بحسب ما نقلت صحيفة (العرب) اللندنية: "دعوات البعض لوزارة الداخلية من أجل منع حزب العدالة والتنمية من تنظيم مؤتمره التاسع بسبب استضافته أعضاء من قيادة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي قلة حياء لا نعلم مصدرها"، مضيفًا أنّه "يمكن أن نقبل هذه الدعوات لو أنّها تمّت لأسباب أخرى لمجرد إعلاننا عن حضور (حماس)". وعبّر عن استغرابه من صدور تلك المطالب تجاه "حركة تقاوم الاحتلال واستشهدت قياداتها، في الوقت الذي راح فيه عشرات الآلاف من سكان غزة ضحية الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين".

وقال بنكيران: إنّه يتعين على وزير الداخلية عبد اللطيف لفتيت أن يفتح تحقيقات مع مطلقي تلك الدعوات "بحكم أنّ القضية الفلسطينية عليها إجماع داخل بلدنا".

أزمة بنيوية عميقة

يمكن القول إنّه بعد أعوام من التموقع في قلب السلطة السياسية بالمغرب، يعاني الحزب الإسلاموي من أزمة بنيوية عميقة تهدد وضعه ومستقبله باعتباره ممثلًا للإسلام السياسي في البلاد. فمنذ الهزيمة التي تكبدها في انتخابات 2021، التي خسر فيها غالبية مقاعده البرلمانية، انتقل الحزب من قيادة الحكومة إلى موقع هامشي في المعارضة، تحت وطأة انقسامات داخلية حادة وتراجع في القاعدة الشعبية، ممّا يعكس ملامح واضحة ومباشرة بشأن عدم قدرته على التماسك، وفشل إمكانية إعادة التموضع في المشهد السياسي المغربي. وثمّة اختلالات أعمق بدأت تتشكل منذ أعوام، وتحديداً مع مرحلة وصوله إلى السلطة التي أدت إلى انكشافه، وفضح أغراضه السياسية، وأجندته الانتهازية، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي. يضاف إلى ذلك الانقسام الفادح في الحزب بين جناح عبد الإله بنكيران، وجناح سعد الدين العثماني، الذي اتُهم من قبل أنصار بنكيران بالتنازل المفرط أمام إرادة النظام، أسهم في تعميق الشرخ داخل الصفوف التنظيمية.

الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي: عبد الإله بن كيران

كما شكلت مرحلة ما بعد انتخابات 2016 لحظة مفصلية في مسار الحزب، حين اصطدم بنكيران بمؤسسات الدولة خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، فيما عرف آنذاك بـ"البلوكاج الحكومي"، والذي انتهى بإعفائه وتكليف العثماني، الأمر الذي فسره البعض على أنّه بداية لتفكيك "الاستثناء المغربي" الذي سمح بصعود الإسلاميين دون صدامات كبرى مع السلطة. هذا التحول أدى إلى إحباط عميق داخل قواعد الحزب، تجلّى في استقالات متتالية، وتراجع في الانخراط السياسي، واتهامات بتغليب منطق التوافق على المبادئ، لا سيّما مع الموقف من قضية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وزراعة القنب الهندي. 

مع كل هذا، فإنّ الحزب ما تزال تحاصره تحديات عديدة بشأن تراجع شعبيته بشكل غير مسبوق. فبعد عقد من إدارة المجال العام، وتسيّده بخطابات مؤدلجة، قادرة على الحشد والتعبئة والتهييج، وتشكيل اصطفافات، اصطدم الحزب باتهامات العجز عن الوفاء بوعوده الانتخابية، خاصة في ما يتعلق بمحاربة الفساد وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. وكانت قضايا عديدة اتخذتها الحكومة في ظل حكم "العدالة والتنمية"، أو ما يُعرف بالعشرية السوداء بالمغرب على غرار مماثلتها بتونس، منها إصلاح نظام التقاعد وتجميد التوظيف في القطاع العام، قد أثارت غضب فئات واسعة من المجتمع، خاصة الشباب والطبقة الوسطى.

ومع أفول ولاية العثماني، بدا الحزب كمن فقد توازنه، فهو غير قادر على العودة إلى خطاب المعارضة الراديكالية الذي مكّنه سابقاً من حشد الجماهير، وليس قادرًا على الاحتفاظ بمصداقية خطاب الإصلاح من داخل المؤسسات؛ الأمر الذي أسهم في انهيار ثقة الناخبين به، الذين اختاروا التصويت العقابي ضده، وتكبّد إثر ذلك هزيمة فادحة.

مع فقدان الحزب مكانته داخل السلطة، حاول استعادة بريقه السياسي من خلال تبنّي مواقف قوية في القضايا الإقليمية ذات الوقع الرمزي لدى الشارع المغربي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. ففي أعقاب التصعيدات العسكرية الإسرائيلية على غزة، أصدر الحزب عدة بيانات تنديدية، وشارك قادته في وقفات ومسيرات تضامنية، وحاول إعادة تقديم نفسه كمدافع عن قضايا الأمّة الإسلامية. هذه الاستراتيجية ليست جديدة، فقد دأب الحزب منذ نشأته على ربط شرعيته السياسية بالبُعد القيمي والديني. والقضية الفلسطينية شكّلت دائماً ورقة رابحة لتعزيز حضوره داخل الأوساط الشعبية. غير أنّ المفارقة تكمن في أنّ الحزب نفسه كان قد شارك في الحكومة التي وقعت اتفاق التطبيع مع إسرائيل، وهو ما وضعه في موقف متناقض، وجعل بعض المراقبين يعتبرون تحركاته بشأن غزة، تبدو مثل محاولة يائسة لتبييض صفحة تطبيع أسهم فيها.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية