
حزب العدالة والرفاهية (Partai Keadilan Sejahtera - PKS) هو حزب إسلامي بارز في إندونيسيا، تأسس في العام 1998، ويُعتبر امتدادًا لحركة "التربية" (Tarbiyah) ذات الجذور الإخوانية. ويُعرف الحزب بمواقفه المحافظة وسعيه نحو أسلمة المجتمع الإندونيسي تدريجيًا، واعتماده نهج جماعة الإخوان المسلمين. ويركز الحزب على بناء "المجتمع الإسلامي" من خلال التربية والدعوة، مع الالتزام بمبادئ الديمقراطية الإندونيسية.
ويتبنّى الحزب مواقف محافظة تجاه الفنون، ويعارض المحتوى الذي يعتبره غير أخلاقي أو يخالف القيم الإسلامية. وقد دعم تشريعات تهدف إلى حظر المواد التي يراها لا تلائم منظوره للقيم الإسلامية، وطالب بتشديد الرقابة على المحتوى الإعلامي.
ورغم أنّ الحزب يزعم أنّه يشجع مشاركة المرأة في السياسة، إلّا أنّه يضع قيودًا على دورها الاجتماعي، معتبرًا أنّ دورها الأساسي هو في الأسرة. وقد عارض الحزب بعض التشريعات التي تهدف إلى حماية حقوق المرأة، مثل قانون القضاء على العنف الجنسي، معتبرًا أنّه يتعارض مع القيم الإسلامية. كما واجه الحزب انتقادات بسبب مواقفه تجاه الأقليات الدينية، حيث يُتهم بعدم دعم حقوقهم بشكل كافٍ. وقد عارض بعض التشريعات التي تهدف إلى حماية حقوق الأقليات، ممّا أثار جدلًا في الأوساط الحقوقية.
وفي الانتخابات العامة التي جرت في 14 شباط (فبراير) 2024 حصل حزب العدالة والرفاهية على (53) مقعدًا في مجلس النواب الإندونيسي (DPR) من أصل (580) مقعدًا، ممّا جعله الحزب الإسلامي الأكبر تمثيلًا في البرلمان. وتركزت قوته الانتخابية في المناطق الحضرية، خاصة في جاوة الغربية، حيث اعتمد على دعم الطبقة الوسطى المحافظة.
أسطورة الحزب النظيف
رغم سعي الحزب دائماً إلى تبييض سمعته، والترويج في كل المناسبات لمقولة الحزب النظيف، واجه حزب العدالة والرفاهية فضيحة سياسية كبرى في العام 2013، فقد أُدين رئيس الحزب السابق، لوتفي حسن إسحاق، بتهمة تلقي رشاوى في صفقة استيراد لحوم، وحُكم عليه بالسجن (16) عامًا. كما تورط أعضاء آخرون في قضايا فساد محلية، ممّا أثر على صورة الحزب كـ "حزب نظيف" في نظر الجمهور. وتمّ التحقيق مع سوسونو، وزير الزراعة السابق وعضو الحزب الإخواني، في فضيحة استيراد اللحوم نفسها، وأُشير إلى احتمال تورطه في القضية.
ومن القضايا المثيرة للجدل، قضية أريفينتو، عضو البرلمان عن الحزب، الذي طالب أكثر من مرة بتقييد حرية الإعلام، ومنع المواقع الإباحية، قبل أن يتم تصويره وهو يشاهد مواد إباحية خلال جلسة برلمانية، ممّا أثار انتقادات حادة للحزب، خاصّة أنّ أريفينتو كان يُعرف بمواقفه الأخلاقية الصارمة؛ الأمر الذي دفعه إلى الاستقالة.
هذا، وتعرّض أنيس ماتا، الذي تولى رئاسة الحزب بعد استقالة لوتفي حسن إسحاق، لانتقادات واسعة بسبب تعامله مع فضيحة الفساد، واعتبر البعض أنّ الحزب لم يتخذ إجراءات كافية لمعالجة القضية؛ الأمر الذي دفع فهري حمزة، وهو قيادي بارز في الحزب، إلى إطلاق تصريحات مثيرة للجدل انتقد فيها قيادة الحزب، فاتخذ الحزب قرارًا بطرده.
وتُظهر هذه الحالات التحديات التي يواجهها حزب العدالة والرفاهية، في الحفاظ على صورته كحزب نظيف ومبني على القيم الإسلامية، خاصة في ظل تورط بعض أعضائه في قضايا فساد، وممارسة سلوكيات تتعارض مع مبادئ الحزب المعلنة.
الصراعات الداخلية والانقسامات
شهد حزب العدالة والرفاهية الإخواني انقسامات داخلية عديدة، خاصة بين الجناح المحافظ والجناح الإصلاحي، ممّا أدى إلى استقالة بعض الأعضاء البارزين وتشكيل أحزاب جديدة. ففي العام 2019 انشق أنيس ماتا رئيس الحزب، وشارك في تأسيس حزب موجة الشعب الإندونيسي، ليتولى رئاسته، بعد فشله في البقاء رئيسًا لحزب العدالة والرفاهية.
كما انشق فهري حمزة عن الحزب بعد تجميد عضويته، وشارك في تأسيس حزب Gelora ، وشغل منصب نائب رئيس الحزب. وانضم إليه في الحزب نفسه النائب السابق عن العدالة والرفاهية محفوظ صديق. كما استقال هادي مولادي، الذي شغل منصب نائب حاكم كاليمانتان الشرقية، في العام 2019، وأصبح رئيس حزب Gelora في كاليمانتان الشرقية. وتبعه إلى الحزب نفسه القيادي تريويساكسنا، وهو عضو سابق في مجلس الشورى الاستشاري للعدالة والرفاهية في أواخر العام 2019.
وتعود الانشقاقات الكبيرة في الحزب على مستوى القيادة إلى تهميش الأصوات الداخلية المعارضة، وعدم الشفافية في اتخاذ القرارات.
توتر العلاقات مع الأجهزة الأمنية والتيار المدني
واجه الحزب تحديات مع الأجهزة الأمنية والتيار المدني، وقد وُجّهت إليه اتهامات بتعاطف بعض أعضائه مع جماعات متطرفة، ممّا أدى إلى مراقبة أنشطته من قبل الأجهزة الأمنية.
كما تعرّض لانتقادات من التيار المدني بسبب مواقفه المتشددة، وسعيه لفرض الشريعة الإسلامية، وفق منظوره، في التشريعات.
وتوترت العلاقة بين حزب العدالة والرفاهية وجمعية نهضة العلماء، وهي أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا، بسبب اختلاف التوجهات الدينية، حيث تتبع جمعية نهضة العلماء الإسلام الوسطي المعتدل، بينما يتبنّى الحزب الإسلام السياسي المحافظ. ووُجّهت للحزب اتهامات بمحاولة "اختراق" مؤسسات الجمعية، والتأثير على توجهاتها.
ويظلّ حزب العدالة والرفاهية لاعبًا إخوانيًا في السياسة الإندونيسية، ورغم التحديات التي يواجهها، والتي تتعلق بالشفافية والوحدة الداخلية؛ فإنّ الحزب يمارس سياسة تمدد ناعمة وبطيئة، يسعى من خلالها إلى تبييض سمعته، واختراق مؤسسات الدولة، كعادة الأذرع الإخوانية حول العالم.