حركة النهضة إذ تراهن على ضغوط الخارج: بنية المظلومية والتأليب الخارجي ضد تونس

حركة النهضة إذ تراهن على ضغوط الخارج: بنية المظلومية والتأليب الخارجي ضد تونس

حركة النهضة إذ تراهن على ضغوط الخارج: بنية المظلومية والتأليب الخارجي ضد تونس


04/03/2025

تحشد حركة النهضة، عبر العديد من المنظمات الحقوقية التابعة لها، حملة دولية للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين على ذمة قضايا تتعلق بالتآمر على أمن الدولة في تونس، وذلك تزامناً مع انطلاق الدورة الـ (58) لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف في 24 شباط (فبراير) المنصرم. ويعزز هذا التحرك توجه حركة النهضة نحو توظيف بعض الآليات والشخصيات والتنظيمات لصالح تأجيج الوضع الداخلي في البلاد.

حركة النهضة تسعى لتدويل قضايا الموقوفين

يكثّف القائمون على هذه الحملة جهودهم وتحركاتهم بالتزامن مع انعقاد أول جلسة محاكمة لهؤلاء المعتقلين، في الرابع من آذار (مارس) الجاري، بالمحكمة الابتدائية في تونس.

يمتد نشاط حركة النهضة وأذرعها الحقوقية إلى التعاون مع عدد من التنظيمات في الخارج، مثل "جمعية ضحايا التعذيب"، و"مواطنون ضد الانقلاب في الخارج"، ومنظمة "الزيتونة"، ومنظمة "نجدة لحقوق الإنسان"، ومنظمة "العدالة لحقوق الإنسان".

وتهدف حركة النهضة من خلال هذه التحركات إلى تدويل قضية الموقوفين، وتحويلها من مسألة قانونية، تمثل حقاً أصيلاً لأيّ دولة في فرض القانون وضمان استقلال قرارها الوطني، إلى ورقة ضغط سياسية تُستخدم ضد نظام الرئيس قيس سعيد وتونس. وتطمح الحركة إلى أن يؤدي هذا الضغط إلى الإفراج عن الموقوفين تحقيقاً لأهدافها السياسية.

تحركات منسقة مع منظمات في الخارج

في هذا السياق، يشير الخبير الأمني علي الزرمديني إلى أنّ حركة النهضة تعمل منذ أمد بعيد على الارتباط بأطراف خارجية تناهض النظام التونسي، بل تناهض تونس بصفة عامة، كما أنّها لا ترضى بالتمشي المتبع من طرف الرئيس قيس سعيد.

الرئيس التونسي: قيس سعيد

ويضيف الزرمديني في حديثه لـ (حفريات) أنّ حركة النهضة في تونس تعتمد أساساً على عناصرها المنتشرين، الذين يملكون علاقات مع أطراف سياسية في البلدان الأوروبية، خصوصاً في بريطانيا، وفرنسا، وسويسرا، وألمانيا، وغيرها.

وبالاعتماد على هؤلاء العناصر، تسعى النهضة إلى خدمة توجهاتها من خلال الترويج لمعلومات مغلوطة وتأويلات خاطئة بشأن الحقائق القضائية والأمنية، وتصوير نفسها على أنّها مضطهدة، وأنّ أفرادها يعانون القمع، وتُكمَم أفواههم، ويتعرضون لأبشع أشكال التمييز السياسي.

هذا على المستوى الأوروبي، أمّا على المستوى الأمريكي، فهناك شخصيات بعينها ترتبط بعلاقات مع مؤسسات داخل الولايات المتحدة، وتدير مراكز دراسات حول الإسلام في أمريكا. وبالاعتماد على هذه المراكز، وعلاقاتهم مع أطراف في الكونغرس الأمريكي، يسعون إلى الترويج لرواياتهم الخاصة، وإقناع الرأي العام الأمريكي بأنّهم يعيشون في عصر اضطهاد سياسي وتمييز ممنهج في تونس، بحسب المصدر ذاته.

من خلال ذلك تحاول حركة النهضة تكريس هذا الواقع المزيف وتمريره إلى دوائر صنع القرار في الخارج، بهدف صياغة صورة ذهنية مغايرة للحقيقة في تونس. كما تسعى إلى كسب ودّ هذه الأطراف، واستغلال نفوذها السياسي للتأثير على قرارات بلدانها ضد تونس، عبر الترويج للإشاعات وتأليب المجتمع الدولي عليها.

ويختتم الخبير الأمني التونسي علي الزرمديني حديثه لـ (حفريات) بقوله: إنّ الأجهزة الدبلوماسية التونسية، وكذلك الأجهزة الأمنية، تتابع هذه التحركات عن كثب، وتراقب أنشطة الشخصيات المرتبطة بالخارج، خاصة في الاتحاد الأوروبي. كما أنّها تجمع معطيات حول نفوذ هؤلاء الأشخاص، وارتباطهم بجماعة الإخوان المسلمين في مختلف دول العالم، حيث يتمحور نشاطهم حول الأهداف نفسها.

 الخبير الأمني التونسي: علي الزرمديني

السلطات التونسية تردّ على الاتهامات الدولية

إلى ذلك، استنكرت تونس ما ورد في البيان الصادر عن المفوّض السامي لحقوق الإنسان بشأن "المساجين السياسيين" في تونس، معتبرةً أنّ ما تضمنه "مغالطات"، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية التونسية.

وأوضحت الخارجية، في بيانها الصادر بالتزامن مع انعقاد الدورة الـ (58) لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف، أنّ "تونس ليست في حاجة إلى تأكيد حرصها على حماية حقوق الإنسان، إيماناً منها بهذه الحقوق، فضلاً عن التزامها بما نصّ عليه دستورها، وبما أقرّته قوانينها الوطنية، وما تعهّدت به على الصعيدين الإقليمي والدولي"، بحسب البيان.

وأضافت أنّ "قوات الأمن التونسي، عند تنظيم المظاهرات، لا تلاحق المتظاهرين، بل تقوم بتأمينهم وحمايتهم، وتوفر الحماية الخاصة لعدد من الأشخاص المعارضين، حتى لا يتعرضوا لأيّ اعتداء"، وفق ما جاء في البيان.

أمّا فيما يتعلق بملف "المساجين السياسيين"، كما ورد في بيان المفوض السامي لحقوق الإنسان، فقد أكدت الخارجية التونسية أنّ "إحالة هؤلاء على القضاء تمّت بقرار مستقلّ من القضاة، ولا دخل لأيّ جهة غير قضائية في الإجراءات التي يتخذها القضاة في إطار تطبيق القانون"، مشددةً على أنّهم "أحيلوا على المحاكمة في قضايا تتعلق بجرائم حقّ عامّ، لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي أو السياسي أو الإعلامي، أو بممارسة حرية الرأي والتعبير"، على حدّ تعبيرها.

واختتمت قائلةً: "ليس لأحد أن يدّعي أنّه فوق المحاسبة، أو أن يستعمل وسائل ضغط داخلية أو خارجية للتهرب من العدالة أو الإفلات من العقاب"، حسب نص البيان.

الانزياح الشعبي وخسارة الحاضنة الاجتماعية

من جانبه، يلفت الكاتب الصحفي مراد علالة إلى أنّ حركة النهضة تراهن على الضغط الدولي وعلى حاضنتها الخارجية، وتسعى للاستفادة من منظومة حقوق الإنسان وآلياتها لإحراج السلطة في معركة لم تعد متكافئة في الداخل.

ويضيف الصحفي التونسي مراد علالة، في تصريحاته لـ (حفريات)، أنّ حركة النهضة تسعى إلى جرّ القوى النافذة في العالم واستعطافها للتفاعل وإقرار عقوبات وإكراهات قد تصل إلى تغيير الحكم، وفق أحلام الجماعة المستحيلة.

الصحفي التونسي: مراد علالة

هنا، والحديث للمصدر ذاته، لا بدّ من التذكير بأنّ حركة النهضة خسرت خلال مرورها بتجربة الحكم في تونس وهيمنتها على المشهد العام فيها على امتداد عقد ونيف، ما يمكن أن نسمّيه الحاضنة الاجتماعية. وليس أدلّ على ذلك من تدهور خزانها الانتخابي من استحقاق انتخابي إلى آخر، وتنامي الرفض الشعبي، وخصوصاً رفض أبناء التنظيم الذين بلغ بهم الأمر حدّ عدم تلبية نداء زعيمهم راشد الغنوشي، عندما دعاهم إلى الالتحاق به في محيط مجلس نواب الشعب يوم إغلاقه.

ولا تتوقف المؤشرات على تراجع حركة النهضة في المجتمع التونسي عند هذا الحدّ؛ فالوقفات الاحتجاجية التي كانت تدعو إليها بعد 2021، بصفة فردية أو ضمن ما يُسمّى "جبهة الخلاص"، كانت في البداية جماهيرية نسبياً، إذ تضم المئات، لكنّها تقتصر اليوم على العشرات فقط، ممّن يحضرون بين الفينة والأخرى أمام قصر العدالة عند انعقاد جلسات المحاكمات، على سبيل المثال.

قصور الداخل تعوّضه حركة النهضة بالمراهنة على الخارج، الذي يشهد أوضاعاً إقليمية ودولية متحركة، والإطار الأنسب بالنسبة إليها اليوم هو دورة مجلس حقوق الإنسان، التي تمتد على مدى أسابيع، وتتزامن مع محاكمات كبرى لرموز الإسلام السياسي في تونس، سواء في علاقة بالإرهاب، أو الاغتيالات السياسية، أو تبييض الأموال، أو التآمر على الدولة، بحسب علالة.

في المقابل، ثمّة عمل أمني استباقي ووقائي كبير لقطع الطريق أمام أيّ محاولة للقيام بأعمال خارجة عن القانون، أو اللجوء إلى العنف أو الإرهاب أو غيره، فيما يتسم أداء الأجهزة الدبلوماسية بشيء من الحذر، وتغليب ردّ الفعل السياسي الذي له حدوده، كما حصل في البيان الأخير للخارجية.

مقاربة وطنية لمواجهة التوظيف الخارجي

ويختتم الكاتب التونسي مراد علاله تصريحاته لـ (حفريات) بقوله: هذا المشهد يفرض وجود مقاربة وطنية، تونسية-تونسية، عقلانية متكاملة، للتصدي لأيّ توظيف أو تدخل أو استقواء، ولا يتحقق ذلك إلا من خلال الشفافية، والحريات، والقضاء العادل والناجز، والإعلام الحر المسؤول، الذي يمنع الهجرة إلى الإعلام الأجنبي، والانفتاح على القوى الوطنية، سواء المؤيدة للسلطة أو المعارضة لها، بشرط ألّا تكون قد أقصت نفسها أو ملاحقة قضائياً، دون أن ننسى القوى الاجتماعية التي تشكل صمام أمان للسلم الاجتماعي، الذي يمكن أن تتسرب من ثقوبه الجماعات المتشددة التي تسعى إلى الاستثمار في الأزمة الاقتصادية، وحالة القلق الشعبي من غلاء الأسعار، وتردي الخدمات، والخوف من المستقبل.

وبالنسبة إلى تنظيم حركة النهضة، قد تكون المظلومية والتقية وتبنّي الخطاب الحقوقي لتورية خطاب "الخلافة السادسة"، والمراهنة على الخارج، قد أتت أُكلها قبل 2011، لكنّ التاريخ لا يعيد نفسه.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية