حركة الشباب تتمدد داخل الصومال وخارجه.. كيف ستواجهها الحكومة؟

حركة الشباب تتمدد داخل الصومال وخارجه.. كيف ستواجهها الحكومة؟


24/08/2022

أثار الهجوم الدموي الذي نفذته حركة الشباب الإرهابية مؤخراً على أحد الفنادق، بقلب العاصمة الصومالية مقديشيو، تخوفات دولية من تمدد نشاط الحركة داخل البلاد وخارجها، ما يمثل تهديداً إقليمياً خطيراً بمنطقة القرن الأفريقي، خاصة أنّ الأسبوع الماضي شهد هجمات للحركة خارج الحدود الصومالية أسفرت عن مقتل العشرات من قوات الشرطة الأثيوبية، فيما نفذت هجوماً آخر بمنطقة مانديرا داخل الحدود الكينية. 

وقتل (12) شخصاً خلال عملية الحصار على فندق حياة بقلب العاصمة، استمرت قرابة (30) ساعة قبل أن تتمكن قوات النخبة الأمنية الصومالية من تحرير الرهائن البالغ عددهم (105) أشخاص، والقبض على عدد من منفذيه بعد مقتل آخرين، بحسب البيانات الرسمية المنشورة السبت الماضي، فضلاً عن تصريحات مصادر أمنية صومالية لوكالة الأنباء الفرنسية.

ووصفت عدة تقارير الهجوم بأنّه الأكبر منذ تولي الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود منصبه، فيما اعتبره مراقبون رسالة للرئيس وحكومته والقوى الدولية الداعمة لهم، بأنّ حركة الشباب ما تزال حاضرة في المشهد الصومالي وقادرة على تنفيذ عمليات تستهدف قلب العاصمة، والمنطقة الحكومية المحصنة فيها. 

فشل أمني

وصف رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري واقعة الفندق، بأنّها "فشل أمني"، وقال خلال زيارته لمصابي الحادث، الأحد الماضي، إنّ "الحكومة ستتحمل مسؤولية ما حدث، وستحاسب كل من فشل في أداء واجباته". 

وأضاف بري، بحسب تصريحات نقلتها عنه صحيفة "الشرق الأوسط"، أنه "لا يوجد سوى خيار واحد أمام الشعب الصومالي، إما أن نسمح لحركة الشباب بالعيش، وإما أن نعيش نحن، لا يمكننا العيش معاً".

 رئيس الوزراء الصومالي: الحكومة ستتحمل مسؤولية ما حدث، وستحاسب كل من فشل في أداء واجباته

 وتابع: "إذا كانت نيتهم هي النيل من عزيمة الشعب الصومالي الذي قرر محاربتهم، فإنّ ذلك لن يحدث أبداً، وقد بدأ القتال ضدهم بالفعل في مواقع عدة". 

وفي السياق، قال الباحث السياسي الصومال أحمد جيسود إنّ "الهجوم على فندق يرتاده عناصر حكومية بشكل مستمر بقلب العاصمة الصومالية، هو رسالة خطيرة من جانب حركة الشباب لا يمكن التهاون معها، ويجب أن تقرأ في سياق الأزمة الأمنية المتفاقمة، والتهديد المحلي والإقليمي الذي باتت تمثله الحركة الإرهابية".

أحمد جيسود: الهجوم على فندق يرتاده عناصر حكومية بشكل مستمر بقلب العاصمة الصومالية، هو رسالة خطيرة من جانب حركة الشباب لا يمكن التهاون معها

وأشار الباحث الصومالي في تصريح لشبكة "سكاي نيوز" إلى "خطورة وصول عناصر الحركة لتلك المناطق ذات الحساسية الأمنية داخل العاصمة، بالرغم من تواجد القوات الحكومية التي تقدر أعدادها بنحو 30 ألفاً، والقوات الدولية عددها حوالي 26 ألفاً من عناصر حفظ السلام".

وقال إنّ "الحكومة والسلطات الأمنية، تحتاج إلى جانب القوات الدولية المتواجدة لحفظ السلام في الصومال، إلى "مراجعة خطتها فيما يتعلق بالتصدي لعمليات الحركة الإرهابية، في ضوء تحقيق الثانية اختراقاً للعملية الأمنية والوصول بعملياتها إلى قلب المناطق المحصنة".

تهديدات إقليمية

إلى جانب تكثيف الهجمات داخل الصومال، تحاول حركة الشباب فرض تواجدها العسكري في دول مجاورة، الأمر الذي يصفه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حمدي عبد الرحمن بأنه إستراتيجية للتمدد داخل منطقة القرن الأفريقي. 

وفي تحليل مطول نشره مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، تحت عنوان: "إستراتيجية البقاء والتمدد: دلالات توغل حركة الشباب داخل أثيوبيا"، اعتبر أستاذ العلوم السياسية الهجوم على قوات الشرطة الأثيوبية" الأكثر جرأة ضمن العمليات التي قامت بها حركة الشباب منذ أن سيطرت على جنوب وسط الصومال في عام 2007".

ويقول عبد الرحمن: "يجب أن ننظر إلى غارة حركة الشباب الأخيرة داخل الأراضي الإثيوبية، على الرغم من أنها تمثل حدثاً استثنائياً، في سياق قدراتها المتجددة داخل الصومال، ما تزال الحركة واحدة من أكبر فروع القاعدة من حيث الفاعلية وأكثرها ثراءً من حيث مواردها المادية".

حمدي عبد الرحمن: تحتفظ الشباب في الوقت الحالي بسيطرة كبيرة على جزء شاسع من جنوب ووسط الصومال، كما أنّ لديها القدرة على شن هجمات على مقديشو، واختراق الأراضي الكينية، حيث تحتفظ لها بموطئ قدم هناك

وبحسب عبد الرحمن "تحتفظ حركة الشباب في الوقت الحالي بسيطرة كبيرة على جزء شاسع من جنوب ووسط الصومال، كما أنّ لديها القدرة على شن هجمات على العاصمة مقديشو، واختراق الأراضي الكينية، حيث تحتفظ لها بموطئ قدم هناك".

 وينوه أستاذ العلوم السياسية المصري إلى أنّ "الحركة تقوم بمواجهة قواعد شديدة التحصين في كل من الصومال وكينيا"، ويضيف: "من جهة أخرى يجب أن تذكرنا عملية التوغل الأخيرة في الأراضي الإثيوبية بأنّ حركة الشباب لا تهدد بشكل كبير فقط الأمن الصومالي أو حتى الأمن الكيني، ولكن الأمن والسلم في معظم أنحاء القرن الأفريقي".

ويرجح عبد الرحمن أن "يؤدي الانسحاب المستقبلي لقوات "أتميس" والقوى الإقليمية الأخرى من الصومال إلى تفاقم هذا التهديد الإقليمي. وربما نشهد في نهاية المطاف عودة طالبان أخرى في شرق أفريقيا".

ويشير إلى أنّ "التوغل عبر الحدود من قبل حركة الشباب يظهر طموح الجماعة الجهادية وانتهازيتها في خضم بعض التحولات الأكثر أهمية في المشهد الأمني الإقليمي منذ أكثر من عقد". 

هل ثمة دلالات للتوقيت؟

يأتي تصعيد حركة الشباب للعمليات في الداخل والخارج خلال الفترة الماضية، رداً على الإستراتيجية الجديدة للرئيس الصومالي الجديد، حسن شيخ محمود، والتي تستهدف حشد دعم دولي وإقليمي لإطلاق حرب شاملة ضد الحركة لإضعافها، بالتزامن مع محاولة تجفيف منابع التمويل الرئيسة للحركة، تمهيداً للدخول في حوار معها من مركز القوة، وهو الأمر ذاته الذي أكده رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، والذي لوّح باستعداد حكومته لشن عملية أمنية ضد حركة الشباب، سوف تركز على عدة قرى في جنوب ووسط الصومال، بحسب دراسة نشرها مركز المستقبل للدرسات المتقدمة تحت عنوان: "تمدد حركة الشباب داخلياً وخارجياً". 

إلى جانب تكثيف الهجمات داخل الصومال، تحاول حركة الشباب فرض تواجدها العسكري في دول مجاورة

وفي إطار الإستراتيجية الجديدة، أعلن بري، في 2 آب (أغسطس) الجاري، عن تشكيل حكومته، والتي عيّنت القيادي السابق في حركة الشباب، مختار روبو، وزيراً للشؤون الدينية، حيث يعد أحد المؤسسين لحركة الشباب الصومالية، وشغل سابقاً المتحدث باسم الحركة، قبل أن ينشق عن الحركة في عام 2013، ويعلن دعمه للحكومة الصومالية في 2017. ويمكن أن تساعد هذه الخطوة في تعزيز سلطة القوات الحكومية في منطقة "باكول" التي باتت الحركة تسيطر على مساحات واسعة منها، لاسيما أنّ هذه المنطقة تعد مسقط رأس مختار روبو، كما يمكن أن تشجع هذه الخطوة مزيداً من عناصر حركة الشباب للانشقاق عنها، وفق الدراسة ذاتها.

كما تشير الدراسة إلى محور الدعم الأمريكي للحكومة الصومالية باعتباره أحد أهم الدوافع وراء تكثيف العمليات من جانب الحركة الإرهابية، مشيرة إلى أنّ "الأشهر الأخيرة شهدت عودة القوات الخاصة الأمريكية إلى مقديشو، وتجدد الضربات الجوية الأمريكية ضد مواقع الشباب".

 وفي منتصف تموز (يوليو) الماضي، تمكنت إحدى الغارات الأمريكية من قتل اثنين من العناصر البارزة في الحركة، وما تزال القوات الأمريكية تواصل التنسيق مع الأجهزة الأمنية الصومالية لتكثيف الهجمات على حركة الشباب. ولذا، فإنّ حركة الشباب تسعى للرد على دور الأمريكي عبر التأكيد أنّ عملياتها سوف تزداد، ولن تتراجع.

وكان قائد الحركة، أحمد ديري، أعلن أيضاً قبل نحو عام أنّ ثمة توجهات جديدة للحركة تتضمن التوسع في هجماتها الإقليمية خارج الصومال، واستهداف المصالح الغربية في القرن الأفريقي، وبحسب الدراسة، "ربما تستغل الحركة في ذلك انشغال إثيوبيا بالصراعات الداخلية الراهنة، فضلاً عن تركيز الحكومة الكينية على الاستعداد للانتخابات الرئاسية المقرر لها آب (أغسطس) الجاري".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية