جرسها يُقرع من جديد في الموصل.. ماذا تعرف عن كنيسة مار توما؟

جرسها يُقرع من جديد في الموصل.. ماذا تعرف عن كنيسة مار توما؟


19/09/2021

بعد مرور 7 أعوام على سيطرة تنظيم داعش الإرهابي على مدينة الموصل، شمالي العراق، قُرع جرس كنيسة مار توما في الموصل القديمة، أمس السبت، وسط احتشاد عشرات المصلين، ليكون الجرس الأول الذي يُعاد تركيبه في المدينة منذ احتلالها.

وتجمّع عدد كبير من مسيحيي المدينة العراقية والمدن المجاورة ليشهدوا قرع الأب بيوس عفاص لجرس الكنيسة، مُحتفلين بالحدث من خلال الزغاريد والتصفيق وترديد الصلوات. 

يبلغ وزن الجرس الذي انتشر صداه أمس في أرجاء المدينة 285 كليوغراماً، وقد صُنع بسواعد لبنانية بدعم من تبرعات منظمة "التآخي"

ولا زالت أعمال الترميم تجري في الكنيسة التي دمرها تنظيم داعش الإرهابي عند سيطرته على مدينة الموصل عام 2014، حين اتخذ من مدينة الموصل "عاصمة" لدولته المزعومة، قبل أن يستعيدها الجيش العراقي بالتعاون مع التحالف الدولي للقضاء على داعش عام 2017، وقد  تم تفكيك الأرضية الرخامية لإعادة تركيبها بالكامل.

ويبلغ وزن الجرس الذي انتشر صداه أمس في أرجاء المدينة 285 كليوغراماً، وقد صُنع بسواعد لبنانية بدعم من تبرعات منظمة "التآخي"، وهي منظمة فرنسية غير حكومية تُعنى بدعم الأقليات الدينية؛ إذ نُقِل الجرس من بيروت بالطائرة قبل أن يصل إلى الموصل عن طريق شاحنة كبيرة.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مؤسس ومدير جمعية التآخي في العراق، فرج بنوا كامورات، تصريحات أكّد فيها أنّ مسيحيي الموصل لم يتخلوا عن مدينتهم "كل ما يمثل الصليب ويشير إلى المسيحية دُمر. كان بإمكان المسيحيين أن يتركوا الموصل ويتخلوا عنها إلى الأبد، لكنّهم لم يطووا الصفحة وباتوا الآن يستثمرون فيها".

وتابع: "نريد أن يكون هذا الجرس رمزاً لولادة جديدة في الموصل"، رغم أنّ "حوالي 50 عائلة مسيحية فقط عادت إلى المدينة، ومن يأتي للعمل فيها أثناء النهار يغادرها في المساء إلى المدينة التي فرّ إليها".

قبل أن يُحولّها إرهابيو تنظيم داعش إلى سجن ومحكمة، كانت كنيسة مار توما أحد أهم مقرات أسقفية السريان الأرثوذكس في الموصل وشمال العراق

وألقى الأب بيوس عفاص كلمة أمام الجموع لدى قرعه جرس الكنيسة، قال فيها: "أخيراً، بعد 7 أعوام من الصمت، قرع ناقوس مار توما، للمرة الأولى في الجانب الأيمن من الموصل. إنّه يوم فرحة كبيرة جداً".

وتابع عفاص "أتمنى أن تزداد الفرحة أكثر عندما يتم إعادة بناء، ليس المساجد والكنائس في الموصل جميعها فحسب، بل المدينة كلها بمواقعها التاريخية والحضارية ومساكنها".

الباب الملكي بعد تدميره من قبل داعش

وعبّر عفاص عن أمله بمستقبل مُشرق ينتظر العراق، قائلاً: "إنّ عودة قرع الناقوس هذا تؤذن بأيام أمل ورجاء مستقبلية وتفتح المجال لعودة المسيحيين إلى مدينتهم العريقة - إن شاء الله-".

صُنع باب الكنيسة الملكي من رخام الموصل ونُحِت إطاره بنقوش بارزة تُمثّل تلاميذ المسيح، وقد دُمرّت هذه الزخارف من قبل إرهابيي داعش 

وبحسب وكالة "فرانس 24" قالت مُعلمة من أبناء الموصل كانت حاضرة أثناء قرع جرس الكنيسة إنّها جاءت من أربيل حيث عاشت عدة أعوام لتشاهد كنيستها تُبنى وتتجدد وتنبض فيها الحياة من جديد". 

وتابعت نداء عبد الأحد، البالغة من العمر 40 عاماً: "أشعر كأن المسيحية تعود لتنبض بالحياة من جديد. إنّها فرحة لا توصف".

كنيسة مار توما.. تاريخ ضارب في القدم يُدمره إرهابيو داعش 

قبل أن يُحولّها إرهابيو تنظيم داعش إلى سجن ومحكمة لدى سيطرتهم على المدينة، كانت كنيسة مار توما أحد أهم مقرات أسقفية السريان الأرثوذكس في الموصل وشمال العراق.

كنيسة مار توما - المدخل والواجهة الشمالية (بعد الحرب)

وشُيّدت كنيسة مار توما في موقع المنزل الذي أقام فيه القديس توما خلال رحلته إلى الهند، وقد تم بناؤها على مراحل متتالية من القرن السابع عشر مروراً بالقرن الثامن عشر ثمّ القرن التاسع عشر، وفق ما أورد غيوم دي بوريبير في كتابه "الموصل من القلب إلى القلب، نداء مهندس معماري لإعادة تأهيل تراث في خطر". 

ولطالما كانت هذه الكنيسة مكاناً للحج لمسيحيي الهند وتحديداً مسيحيي القديس توما، الذين يأتون لتكريم المكان الذي مر به القديس توما قبل القدوم إليهم - بحسب المعقد .

الكنيسة عبارة عن مجمع معماري مُعقّد يتكون من 5 صحون تتكون من كنيستين أو ثلاث كنائس متوازية مُحدّدة بأقواس ذات أعمدة مثمنة

وتقع الأرض التي أقيمت عليها الكنيسة على مستوى متدنٍ من مستوى الشارع، حيث تقع المقبرة القديمة شمالي الأرض وعلى الجانب الآخر توجد الكنيسة، التي يُمكن دخولها من خلال الأبواب المفتوحة في الواجهات الشمالية والغربية.

وبحسب غيوم دي بوريبير؛ فإنّ الكنيسة عبارة عن مجمع معماري مُعقّد يتكون من 5 صحون تتكون من كنيستين أو ثلاث كنائس متوازية محددة بأقواس ذات أعمدة مثمنة.

وتعود الهندسة المعمارية للمنزل الذي أُقيمت عليه الكنيسة إلى فترة "الأتابكة"، وقد رُفِعَ مستوى أرضية الكنيسة تدريجياً خلال المراحل المختلفة من بنائها، ولهذا السبب يُلاحَظ أنّ الأعمدة المثمنة للكنيسة القديمة مدفونة تحت الأرض تقريباً.

كنيسة مار توما من الداخل (بعد الحرب)

وصُنع باب الكنيسة الملكي من رخام الموصل ونُحِتَ إطاره بنقوش بارزة تُمثّل تلاميذ المسيح الاثني عشر، وقد دُمرّت هذه الزخارف من قبل إرهابيي داعش الذين حفروا الوجوه جميعها.

وقد أُزيحت البوابة الملكية على بعد أمتار قليلة في عام 1848 لتتماشى مع مذبح كنيسة مار توما الجديدة، التي دمجت مع المذبح القديم في جانبها الجنوبي وبُنيت بأسلوب زخرفي يحاكي النمط القديم وقد تمّ تدمير المذبح الموجود في المكان المُقدّس من قبل داعش.

مرّت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بأحداث تاريخية مفصلية مثل غزوات المغول والإبادة الجماعية التي قام بها الأتراك واستيلاء داعش على مدينة الموصل

يُذكر أنّ الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تأسست في بلاد ما بين النهرين في سلوشية كتسيفون على ضفاف نهر دجلة، حيث تشير المعتقدات إلى أنّ القديس توما توقّف هناك أثناء رحلته إلى الهند، وتعتبر هذه المسيحية من أصول اللغة السريانية التي لا تزال تشكّل قاعدة مشتركة للكنائس المحلية في العراق.

وخلال القرن السادس، أعاد الراهب السوري يعقوب البرادعي تنظيم الكنيسة السريانية، حيث سُميّت الكنيسة السريانية بـ "اليعقوبية" تكريماً له، وقد انقطعت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية عن المسيحية الغربية لعدة قرون وتطورت في مواقف معقدة وبقيت صامدة رغم مرورها بأحداث تاريخية مفصلية مثل غزوات المغول والإبادة الجماعية التي قام بها الأتراك واستيلاء تنظيم داعش على مدينة الموصل.

حجر تذكاري في الكنيسة تمّ حرقه من قبل داعش

وكان البابا فرنسيس الثاني قد زار العراق في آذار (مارس) الماضي وترأس صلاة في ساحة حوش البيعة في مدينة الموصل أمام كنيسة أثرية مدمّرة، قال خلالها: "إنّ التناقص المأساوي في أعداد تلاميذ المسيح، هنا وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط إنّما هو ضرر جسيم لا يمكن تقديره"، مُرحباً بـ "عودة المسيحيين إلى الموصل".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية