منذ منتصف نيسان (أبريل) الماضي؛ بدأت الأنباء تتعاقب عن بدء الجيش التركي بناء جدار عازل حول منطقة عفرين الكُردية، شمال سوريا، والتي سيطر عليها الأتراك، في آذار عام 2018، وسط اتهامات للنظام السوري بالتقاعس وللجانب الروسي بالصمت والتواطؤ على اقتطاع أراضٍ سورية، فيما يرى الأكراد السوريون أنّ فرض طوق إسمنتي حول عفرين، دلالة على نوايا تركيا ضمّ المنطقة التي تصل مساحتها إلى أكثر من 2000 كم2، على غرار لواء إسكندرون، الذي تمّ سلخه عام 1939.
تتهم روسيا من قبل أهالي عفرين بأنّها منحت الضوء الأخضر لتركيا بغية السيطرة على منطقتهم
النوايا التركية استشفها أهالي عفرين المهجَّرون في الشهباء (ريف حلب الشمالي)؛ حيث يتواجد قرابة 150 ألف مواطن، وهو ما دفعهم للتظاهر يوم الثامن عشر من نيسان (أبريل)، أمام مركز المصالحة الروسي، لمطالبة الحكومة الروسية بتصحيح أخطائها وإخراج القوات التركية من عفرين؛ حيث تتهم روسيا من قبل أهالي عفرين بأنّها منحت الضوء الأخضر لتركيا بغية السيطرة على منطقتهم.
مطلبٌ، رغم عدالته، يبدو صعباً، في ظلّ التفاهمات التركية الروسية المعقودة في سوتشي والأستانة، والتي باتت تقض مضاجع مختلف السوريين في مختلف الفرق المتخاصمة، كونها غدت رهينة توافقات "الدول الضامنة" للأستانة، وهي (روسيا، تركيا وإيران)، فلا النظام قادر على مُهاجمة إدلب، رغم تعهداته، ولا "قسد" قادرة على تحرير عفرين، رغم تعهداتها، ولا حتى فصائل المعارضة المسلحة بمقدورها تحقيق مطالبها أو مُهاجمة النظام، رغم تعهداتها السابقة على مدار أعوام الحرب الثمانية.
بناء على مراحل
ما يزال الجدار التركي حول عفرين مُجزأ؛ حيث نوّه المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أنّ القرى التي تمّ بناء جزء من الجدار فيها؛ هي قرية كيمار الأثرية، التي تقع 8 كم جنوب شرق مركز مدينة عفرين، وقرية جلبل الواقعة على بعد 8 كم شرق مركز مدينة عفرين (دمرت فيها عشرات المنازل للسكان المُهجرين بغية بناء الجدار)، إضافة لقرية مريمين التي تبعد 7 كم شمال شرق مركز مدينة عفرين.
ترى فصائل غصن الزيتون أن التجزئة تنحصر في حماية النقاط التركية من الهجمات التي يشنها المقاتلون الأكراد ضدّ مسلحيهم
تجزئةٌ تعني، من وجهة نظر فصائل "غصن الزيتون"، التابعة لتركيا، أنّها إثبات لعدم وجود نوايا بضم المنطقة؛ بل تنحصر في حماية النقاط التركية من الهجمات التي يشنها المقاتلون الأكراد ضدّ مسلحيهم وقوات الجيش التركي.
لكنّها، من وجهة نظر العفرينيين، ألاعيب تركية هدفها امتصاص غضب الأهالي المُهجرين، وتثبيط أيّ تفاعل إقليمي أو دولي معهم؛ حيث يؤكد ناشطون كُرد أن الجدار يبنى حالياً بشكل مجزأ، وعلى مراحل، لينتهي أخيراً بتشكيل طوق حول المنطقة الكُردية لعزلها عن باقي المناطق السورية؛ أي إنّ استكمال الجدار سيستمر بشكل تدريجي إلى أن يكتمل ويصبح أمراً واقعاً.
استفتاء وهمي
ممارسات تركية عديدة تعزز رواية العفرينيين الآنفة الذكر، من بينها: رفع الأعلام التركية فوق المدارس والدوائر الرسمية بعفرين، ووجود العلم التركي ضمن المناهج المُقررة للمدارس فيها، إضافة إلى إعادة تسمية القرى والساحات والمرافقة العامة بأسماء تركية، وإزالة أبراج الاتصالات السورية، ومحاولة ربط شبكات الكهرباء بتركيا، إضافة إلى إجبار السكان الأصليين الكُرد المتبقين في المنطقة، والغرباء عنها، ممن جاؤوا مع مسلحي المعارضة، من أرياف حمص ودمشق وحماة، وغيرها، على استصدار بطاقات تعريف شخصية بديلة عن الهوية السورية؛ حيث يرى ناشطو عفرين أنّ العملية تمهيد لإجراء استفتاء وهمي، سيمنح بموجبه أهالي الغوطة وحمص وإدلب، وغيرها، الحق في تقرير مصير المنطقة الكُردية، عبر منح الحقّ في التصويت لكل حاملي البطاقات، فيما كانت جماعة الإخوان المسلمين قد دعت تركيا للسيطرة على الشمال السوري بذريعة المنطقة الآمنة.
يؤكد ناشطون كُرد أن الجدار يبنى حالياً بشكل مجزأ لينتهي أخيراً بتشكيل طوق حول المنطقة الكُردية لعزلها عن باقي المناطق السورية
وقالت مجلة "دير شبيغل" الألمانية، في تقرير نشرته، في الثالث والعشرين من نيسان (أبريل) الماضي: إنّ الرئيس، رجب طيب أردوغان، يسعى إلى احتلال شمال سوريا بشكل دائم وجعله تركياً، إلا أنّ الأكراد لم يرفعوا الراية البيضاء، ويصرون على مقاومة الوجود التركي في المنطقة.
وأضافت: "إن إطلاق أردوغان عملية عسكرية انتهت باحتلال منطقة عفرين شمال سوريا، في آذار (مارس) 2018، لم يكن استجابة لأخطار تهدّد بلاده، لكنها بسبب أطماعه الشخصية، ورغبته في توسيع حدود تركيا لتشمل شمال سوريا، لاعتقاده أنّ حدود بلاده التي رسمت وفق اتفاقية لوزان 1923 غير عادلة".
اقرأ أيضاً: تركيا تعاني من "الفوبيا الكردية".. والكرد شمال سوريا يخشون "تجربة عفرين"
وتابعت: "أردوغان يخطط لاحتلال طويل لشمال سوريا، وتغيير ديموغرافي للمنطقة عن طريق طرد الأكراد، وتوطين عرب وترك موالين له"، مشيرة إلى أنّ تنفيذ الجزء الأكبر من الخطة، وهو طرد سكان عفرين الأكراد يتم بالفعل، وذكرت المجلة الألمانية؛ أنّ "العلم التركي متواجد في كل مكان بعفرين، واللغة التركية باتت اللغة الأساسية في المدارس، وجرى حظر استخدام اللغة الكردية والاحتفالات الخاصة بالسكان الأكراد".
مواقف من الجدار
استنكرَ مجلس سوريا الديمقراطيّة، في بيانٍ أصدره، في الخامس والعشرين من نيسان (أبريل) الماضي، بدء تركيا بناء جدار عازل في محيط عفرين، لعزلها عن محيطها السوري، قائلاً: "تعمل الدولة التركية على بناء نحو 70 كم من جدار إسمنتي عازل، مع أبراج مراقبة، على اتصال مباشر مع نقاط عسكرية تركية، وتهدف الدولة التركية المحتلة من خلاله إلى ترسيخ الاحتلال، تمهيداً لضمّ منطقة عفرين مستغلة الصمت الدولي المريب".
يخطط أردوغان لاحتلال طويل لشمال سوريا وتغيير ديموغرافي للمنطقة عن طريق طرد الأكراد وتوطين عرب وترك موالين له
كما أبدى المجلس امتعاضه من تعاطي النظام السوري مع الملف بشكل مستهتر، فقال: "جميع الانتهاكات والممارسات التي تنتهجها الدولة التركية ومرتزقتها في منطقة عفرين، أكّدتها تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، دون أن تكف تركيا عن استكمال مخططاتها التوسعية، وكلّ ذلك دون أن يصدر أيّ موقف جدّي من الحكومة السورية تجاه احتلال جزء من الأراضي السورية، هذا غير الصمت الدولي المشجع للدولة التركية المحتلة".
فيما قالت بيريفان خالد، الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في تصريح لموقع "العين" الإخباري: إنّ "هدف تركيا من بناء جدار لفصل عفرين عن محيطها الجغرافي، هو إعادة كابوس الدولة العثمانية التي قامت فوق جماجم وجثث الأبرياء، واستمرت لعدة قرون متتالية"، مؤكدة أنّ أطماع أردوغان لن تقف عند عفرين فحسب؛ بل تمتد للشمال السوري، وحتى منابع الطاقة لحدود دير الزور.
وأوضحت القيادية؛ أنّ التغيير الديموغرافي ممنهج من قبل أردوغان، وظهرت ملامحه في تهجير سكان عفرين وتوطين غرباء من الغوطة الشرقية والمناطق التي كانت تقع تحت سيطرة ميليشيات مسلحة مدعومة من الدولة التركية، كبداية لطمس ملامح الهوية السورية، واستبدالها بالثقافة التركية.
اقرأ أيضاً: "الغوطة وعفرين": أحلام المهجرين بالعودة إلى منازل تهدّمت وجغرافيا سُرقت
أما النظام السوري؛ فبقي ردّه مقتصراً على نقل الخبر؛ حيث قالت وكالة الأنباء السورية (سانا): إنّ "الهدف من بناء الجدار هو عزل عفرين عن محيطها الجغرافي الطبيعي، كجزء لا يتجزأ من الأراضي السورية، وتقطيع أوصال المنطقة عن بعضها"، وأشارت إلى أنّ القوات التركية طردت قسماً من أهالي عفرين، بهدف "إحلال مجموعات إرهابية مكانها"، كما "عملت على قطع أشجار الزيتون وهدم العديد من البيوت والاستيلاء على ما تبقى منها".
اقرأ أيضاً: انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في عفرين.. ما حقيقتها ومن يرتكبها؟
إلى أن قال رئيس وفد النظام إلى محادثات أستانة، بشار الجعفري، خلال مؤتمر صحفي، يوم الجمعة 26 نيسان (أبريل) الماضي: إنّ "السلطات التركية تحتل نحو 6 آلاف كيلومتر مربع من الأراضي السورية في شمال سوريا؛ أي عفرين وجرابلس ومدن أخرى، علاوة على إدلب، وتقوم الآن بإنشاء جدار بطول 70 كيلومتراً، جنوب منبج، لفصلها عن حلب، وتفرض التتريك في المدارس السورية".
لكنّ المعلومات المتوفرة من منبج لا تبين وجود جدار كالذي يجري بناؤه حالياً حول عفرين، وهو ما أثار حفيظة العفرينيين، من الخطأ الذي ارتكبه الجعفري، سواء كان بشكل مقصود أو غير مقصود، فيما استنكر مجلس سوريا الديمقراطية في بيان جديد، ضعف الموقف المُتخذ من النظام السوري حيال بناء الاحتلال التركيا الجدران حول عفرين، فقال: "رغم التحركات التركية الخطيرة على سيادة ووحدة الدولة السورية، إلا أن النظام السوري علق على ذلك ببيان ضعيف يخلو من أيّة جدية، ويعدّ بمثابة ذر الرماد بالعيون؛ حيث إنّ هذه الخطوة ليست بعيدة عن حلفائه الروس والإيرانيين الذين يتشاركون مع الاحتلال التركي عبر اتفاقيات أستانة".
جدار برلين
يستذكر المواطن حسين جاذو، وهو مُهجر عفريني مُقيم في مناطق الشهباء القريبة من منطقته، جدار برلين في خضم حديثه لـ"حفريات"، حول الجدار العازل الذي تبنيه تركيا، فيقول: "إنشاء الجدران العازلة ليس حلاً، ولو كانت الجدران كذلك، لكان الجدار الأضخم في برلين الذي قسمها إلى نصفين، عقب الحرب العالمية الثانية، قد شكّل ذلك الحلّ، لكن في النهاية هدم الألمان الجدار ووحّدوا ألمانيا، الجدار يعني أنّ من يصنعه خائف من الشعب، تركيا ولخشيتها من الشعب الكُردي وطموحه في بناء سوريا حرة ديمقراطية تقوم ببناء تلك الجدران".
خالد: هدف تركيا من بناء جدار لفصل عفرين عن محيطها الجغرافي إعادة كابوس الدولة العثمانية التي قامت فوق جماجم الأبرياء
مضيفاً: "لقد كان العفرينيون وحدهم من يديرون عفرين، وعندما منح الروس تركيا الضوء الأخضر، هاجمت المنطقة بمنتهى الوحشية بمساندة قوى رجعية مشابهة لداعش؛ حيث كان التصور التركي يخمن أنّ عفرين لن تتمكن من الصمود أكثر من ثلاثة أيام، لكن المقاومة استمرت لـ58 يوماً، وكانت دليلاً على حبّ شعب عفرين لأرضه وترابه".
ويشير العفريني المهجر إلى "عقد الروس والأتراك قبل فترة اتفاقاً (في إشارة إلى اجتماع بوتين وأردوغان الأخير) بغية إفراغ منطقة الشهباء (ريف حلب الشمالي) من المهجرين العفرينيين؛ بسبب قرب المنطقة من عفرين، وبناءً على ذلك، تم تسويق إشاعات عديدة، كان هدفها ضرب معنويات المهجرين ودفعهم لإخلاء المنطقة، لكن ارتباط العفرينيين بحقهم في العودة إلى منطقتهم التي هجروا منها قسراً قبل أكثر من عام، دفعهم لمقاومة تلك الشائعات، وهو ما زاد من مخاوف الأتراك".
اقرأ أيضاً: العودة إلى عفرين: الأكراد أمام مُقاومة بيضاء أو استسلام بطعم الهزيمة
ويتابع حسين لـ"حفريات": "ما نستطيع القيام به حالياً، تنفيذ الاعتصامات أمام مركز المصالحة الروسي في الشهباء؛ حيث ننفذ انتفاضة مُصغرة هناك، ومن هنا نوجه نداءنا لكل العفرينيين في الخارج، وعموم الكُرد، ومحبي السلام والعالم الحرّ، بضرورة تنفيذ اعتصامات في البلدان الأوروبية والعربية للتظاهر أمام السفارات الروسية والتركية، كوننا نرى أنّ روسيا خانت العفرينيين عندما تخلت عنهم مقابل مصالحها الاقتصادية، رغم أنّها أرض سورية، ولا يحق لأحد أن يبيعها بأثمان بخسة، مقابل مصالحه المستقبلية، أو محاولة إبعاد تركيا عن الناتو".
ربيع تركي
ويطالب حسين دول العالم "في حال كانت لديها الرغبة في التعاطي المُحق مع القضايا وسيادة قيم العيش المُشترك، إدانة الممارسات التركية والروسية"، قائلاً: "لم نلحظ ذلك بعد عام من الاحتلال رغم التخريب الذي طال المواقع الأثرية والأوابد التاريخية، وهو ما يوجب على الاحتلال تعويضه لأهالي عفرين، إضافة إلى إيقاف التغيير الديموغرافي في المنطقة وإخراج مسلحي تركيا منها، والضغط السياسي والاقتصادي عليها".
تركيا تُحلق في سرب مُنفرد عن العالم ما يعني حتمية قيام ربيع تركي سيكون من أهدافه تصفية تيار الإخوان المسلمين
مردفاً: "لقد حارب الكُرد نيابة عن العالم، دافعنا خلالها عن وجودنا وعن العالم بأسره، وبعد بذل الكثير من الدماء، يفترض بالمجتمع الدولي أن يُقر بحقوقنا عبر الاعتراف بوجود الشعب الكُردي شمال سوريا على أرضه التاريخية"، مختتماً بالقول: إنّ "تركيا تُحلق في سرب مُنفرد عن العالم، وهو ما يعني حتمية قيام ربيع تركي، سيكون من أول أهدافه تصفية تيار الإخوان المسلمين في مركزه، وبالتالي في العالم بأسره".
صمت دولي
ومن جانبه يؤكد الرئيس المشترك للمجلس التشريعي لإقليم عفرين، سليمان جعفر، (وهي الإدارة الذاتية التي أقامها الأكراد في عفرين، قبل سيطرة تركيا عليها، ومتواجدة حالياً في الشهباء) خلال حديثه إلى "حفريات": أنّ "بناء الجدار مسألة جدية لا تحتمل الانتظار"، متابعاً: "بدأنا نشكّ في الصمت الدولي، الروس يسرحون ويمرحون في مقاطعة الشهباء، ويرون بأم العين كيف يمتد الجدار كثعبان يريد التهام مقاطعة عفرين، وضمّها إلى تركيا، تماماً كما حصل عندما اقتطعت تركيا لواء إسكندرون، تركيا تحاول خداع الرأي العام بأنها تحمي مقراتها العسكرية، لكنّ ألاعيبها مكشوفة، والسؤال هنا: هل لتركيا دينٌ في رقبتنا ونحن لا ندري؟ كيف يسكت العالم (الحر) عن احتلال دولة لأراضي دولة أخرى أمام مرآه ومسمعه؟ الجدار حقيقة واضحة للعيان، وهو بداية لضمّ عفرين إلى تركيا، وهذا يثير مخاوفنا بشكل جدي".
اقرأ أيضاً: الطعم التركي والإدارة الذاتية في عفرين: نار المقاومة تنبعث من جديد
وحول جدوى الاعتصامات التي نفذها مهجرو عفرين أمام مركز المصالح الروسي القريب منهم، رغم اتهامهم الروس بالتواطؤ مع الأتراك، قال جعفر لـ"حفريات": "بعد أن دخلت كلّ الدول ذات التأثير بالملف السوري في وضع الصمت المطبق، كان لا بدّ لشعبنا من أن يعبّر عن معاناته بالطرق السلمية، وما الوقفات الاحتجاجية أمام مركز المصالحة الروسية إلا جزء من الفعاليات السلمية المشروعة لشعب خذله الروس، عندما أناروا الضوء الأخضر للقوة الهائلة للدولة التركية، التي أطلقت العنان لآلتها الحربية المدمرة، وغير المتكافئة مع المدافعين عن عفرين من أبنائها وبناتها؛ حيث حلقت ثلاث وسبعون طائرة حربية، من طراز "إف 16"، الأمريكية الصنع، ودبابات "ليوبادر"، الألمانية الصنع، ودكّت على مدار ثمان وخمسين يوماً كلّ شبر من مقاطعة عفرين، ولم تنسَ تركيا أن تستعمل حتى السلاح الكيميائي، كلّ هذا كان نتيجة لسماح روسيا لتركيا بأن تفعل ما تشاء على حساب شعبنا المسالم في عفرين، وفي هذه الوقفات الاحتجاجية يطالب العفرينيون من الروس تصحيح الخطأ الذي ارتكبوه بحقهم، وذلك بالعمل على إخراج تركيا من عفرين، وهو مطلب حقّ طبيعي".
موقف النظام
أما فيما يخص موقف النظام السوري من الجدار التركي، فيقول جعفر لـ"حفريات": "نحن كنا، وما نزال، نقول إننا سوريون، وعفرين جزء من سوريا، ولم نطالب في يوم من الأيام بالانفصال، وقد ورد في العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية الديمقراطية أنّ حماية الحدود الدولية لمناطق الإدارة الذاتية هي من مهام الحكومة المركزية، ولذلك نحن منذ بداية الأزمة السورية ننادي بحلّ أيّة مشكلة بالحوار والطرق السلمية، وفي اليوم الأول من بدء الهجوم التركي على عفرين، أصدرت الإدارة الذاتية بياناً طالبت فيه النظام بأن يقوم بواجبه تجاه قسم من الأراضي السورية يتعرض للهجوم، أمّا قبل ذلك؛ فقد كان النظام في صراع مع العديد من التنظيمات الجهادية والتكفيرية، وكانت الإدارة الذاتية دائماً تطالب بالحوار سبيلاً لحلّ أيّة مشكلة، ولم ترفع الإدارة الذاتية سلاحها في وجه النظام يوماً".
متابعاً: "نحن نعتقد أنّ النظام لا يرغب في استمرار الاحتلال التركي لأيّ شبر من سوريا، لكن، شئنا أم أبينا، فإنّ روسيا تحاول دائماً العمل وفق ما تقتضيه مصلحتها، ومصلحتها في الحالة العفرينية هي عدم السماح لأحد بأن يطالب بخروج تركيا من عفرين بشكل جدي، في هذه الأوقات على الأقل، ريثما تأخذ كلّ ما ترغب فيه من تركيا".
ما هو الحل؟
وحول مستقبل عفرين والسيناريوهات الأقرب للتطبيق، يرى جعفر؛ أنّ "ما يجري في سوريا هو ترسيخ، أو فرض، حالة التقسيم التي تقوم بها روسيا وأمريكا، فهما عملياً، وبشكل خفي، قسمتا سوريا؛ حيث يكون شرق الفرات تحت إشراف ووصاية التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وغرب الفرات بقيادة روسيا"، مردفاً: "روسيا وأمريكا اتفقتا على أن تقوم كلّ منهما بتنظيف منطقة (نفوذها) من القوى أو الدول الموجودة فيها، أمريكا على ما يبدو نفذت ما وعدت به؛ حيث قضت، بالتعاون مع " قسد"، على تنظيم داعش عبر الضربات الجوية من قبلها، والأرضية عن طريق " قسد"، لكنّ منطقة نفوذ الروس ما تزال حبلى بالتنظيمات المتشددة، وبعض الدول، قسد وعدت الشعب بتحرير عفرين بعد تنظيف الباغوز من داعش، وأعتقد أنّ "قسد" عندما تعود ستكون عند وعدها، لكن علينا ألّا نكون رومانسيين، ونحلم بأن قسد ستطرد الأتراك من عفرين خلال ليلة وضحاها (علماً بأنّه حلم مشروع وسيتحقق عاجلاً أم آجلاً)".
اقرأ أيضاً: محاكم شرعية تطبّق أنظمة داعش في عفرين
ويتابع: "بيد أن طرد مُحتل كتركيا يحتاج إلى قوة تماثل القوة التي تمتلكها تركيا، النظام من جهته يريد عودة سوريا إلى ما كانت عليه قبل عام 2011، لكنّ هذا الحلم قد لا يتحقق؛ نظراً إلى ما جرى لسوريا من تدخلات قوى وجماعات لا تعد ولا تحصى في شأن سوريا، وهو أيضاً يرى أنّ خروج تركيا وغيرها من الدول والقوى من كلّ سوريا أمر مشروع؛ كون عفرين جزءاً من سوريا، وفي اعتقادي: إنّ الحلّ لهذه الأزمة يكون بتكاتف النظام و"قسد" في كل المجالات المتاحة، لطرد المحتل التركي من عفرين وباقي المناطق السورية، أما إذا غنى كلّ طرف على ليلاه، فأخشى أن يكون مصير عفرين كمصير لواء إسكندرون".
فصل عنصري
المحامي عماد الدين شيخ حسن، العضو في "مركز ليكولين للدراسات والأبحاث القانونية"؛ الذي يتخذ من ألمانيا مقراً له، يوضح لـ "حفريات"؛ أنّ "البدء ببناء الجدار، يجعل توصيفه قانوناً وبصورةٍ دقيقة سابقاً لأوانه بعض الشيء، إلا أنّ هذا لا يمنع من التأكيد على أنّ هناك جرائم جديدة قد وقعت جراء هذا الإجراء تُضاف إلى جملة الجرائم الكثيرة والخطيرة التي ارتكبتها وترتكبها تركيا منذ إعلانها الحملة العسكرية على عفرين، ومن ثم احتلالها".
اقرأ أيضاً: محاكم شرعية تطبّق أنظمة داعش في عفرين
قائلاً: "ما قامت به تركيا من أعمال، إلى الآن، في مباشرتها لبناء الجدار، تشكّل جرائم بلا شكّ، بموجب القانون الدولي، ولا سيما القانون الدولي الإنساني منها، فاستيلاؤها على مساحات واسعة من الأراضي لذلك الغرض، ومصادرتها لتلك الأراضي والممتلكات العائدة لسكان منطقة البناء، ومحيطها، وهدمها لمئات المساكن، وإتلافها للمحاصيل، وسواها من الأضرار، جميعها تعدّ خرقاً فاضحاً وواضحاً للعديد من مواد القانون الدولي، توجب المسؤولية والمحاسبة، ولا سيما تلك المواد المتعلقة منها بالحقوق الأساسية للإنسان، وتحديداً الحقّ في التملّك وعدم جواز مصادرة الملكية الخاصة بأيّ شكل من الأشكال (المادة 46)، وأيضاً (المادة 4) من اتفاقية (لاهاي 1907)، و(المادة 53) من اتفاقية جنيف الرابعة)".
اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تحاول تركيا وحلفاؤها فرض تغيير ديموغرافي وصراع عرقي بعفرين
متابعاً لـ"حفريات": "بموجب القانون الدولي؛ تندرج هذه الحالة بدرجة أبرز تحت وصف جريمة الفصل العنصري (المنصوص عليها في نظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية 1998، وأيضاً في الاتفاقية الدولية لقمع ومنع جرائم الفصل العنصري التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة 1973)، ويعدّها القانون الدولي بمستوى الجرائم ضدّ الإنسانية".
ويؤكد شيخ حسن؛ أنّ "مانع الحركة والتنقل يخالف ويخرق أيضاً العديد من النصوص الدولية الأخرى، مثل:
1- حقّ الإنسان في التنقل ((المادة 12) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسة، (المادة 13) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، (المادة 49) من اتفاقية جنيف الرابعة).
2- الحقّ في الصحة (م 56 جنيف 4)، الحقّ في التعليم (م 13 من العهد الدولي، م 50 من اتفاقية جنيف 4)، الحق في العمل (م6 من العهد الدولي، م23 الاعلان العالمي)، ...إلخ".
التصدي القانوني
وفيما يتعلق بإمكانية التصدي للإجراءات التركية؛ يرى شيخ حسن؛ أنّ "ما من أدنى شكّ في أنّ الدولة السورية، كدولة ذات سيادة في المجتمع الدولي، جرى الاعتداء على سيادتها من قبل دولة أخرى هي تركيا، وقامت هذه الأخيرة بالمساس بتلك السيادة واقتطاع جزء من أراضيها، بمثابة احتلال، وبالتالي فالدولة السورية هي المعنيّة والمسؤولة عن حفظ وحماية حقوقها، وطرق أبواب الجهات المختصة بتطبيق القانون الدولي، ولا سيما منظمة الأمم المتحدة بهياكلها المختلفة".
حسن: ما قامت به تركيا من أعمال في مباشرتها لبناء الجدار تشكّل جرائم بلا شكّ بموجب القانون الدولي
وينوه إلى أنّ "الجانب الأخطر في الموضوع، ألا وهو جريمة الفصل العنصري، يدخل في اختصاص محكمة الجنايات الدولية، وهذا الأمر يستتبع الاصطدام بالعديد من العوائق والصعوبات المتعلقة باتخاذ الإجراءات في هذا الصدد ضد تركيا، ولا سيما إذا ما علمنا بأنّ سوريا وتركيا كلتاهما ليستا عضواً في نظام المحكمة المذكورة، وبالتالي لا يشملهما اختصاصها".
ويشير شيخ حسن إلى أنّ "أمام الدولة السورية العديد والكثير من الآليات والمنافذ المتاح اللجوء إليها في هذا الشأن، عبر الأمم المتحدة، لكن من المؤسف القول؛ إنّ نظام الحكم في سوريا متقاعس ومتخاذل الى درجة كبيرة في مسؤولياته وواجباته"، مستدركاً بالإشارة إلى كون "مسؤولية المجتمع الدولي ككل إزاء ما يجري، لا تقل عن مسؤولية الدولة السورية"، قائلاً: "لكننا للأسف مرة أخرى نصطدم دائماً بواقع مرير، وهو أنّ القانون الدولي والمكلّفون بتطبيقه تتحكم بهم معايير القوة والمصالح والنفوذ".
اقرأ أيضاً: بهذه الطريقة تحاول تركيا وحلفاؤها فرض تغيير ديموغرافي وصراع عرقي بعفرين
ويختت حديثه بالتنويه إلى عدم إمكانية "تجاهل الدور الذي من الممكن تمارسه المنظمات الحقوقية والإنسانية المدنية في هذا الشأن، ولا سيما لجهة رصد وتوثيق معلومات الجرائم والانتهاكات، ونقلها إلى الجهات المختصة، وممارسة نوع من الضغط والحرج لديها لتنهض بمسؤولياتها".