"ثورة" الإخوان... هل يؤمنون حقاً بالحرية؟

"ثورة" الإخوان... هل يؤمنون حقاً بالحرية؟

"ثورة" الإخوان... هل يؤمنون حقاً بالحرية؟


24/11/2022

في سياق الدعوات الأخيرة التي أطلقتها جماعة الإخوان وطالبت من خلالها المصريين بالنزول إلى الشوارع من أجل الثورة في 11/11 الجاري، كان من بين الأهداف الرئيسية التي طالبت الثورة به "الحرية"، ذلك الشعار الذي يردده الإخوان منذ زمن، ويدّعون أنّهم يسعون لتحرير الأوطان والشعوب؛ بل إنّ القائم بأعمال المرشد لجبهة إسطنبول محمود حسين في كلمته الأخيرة منذ عدة أيام نعى بعض قيادات الجماعة وسمّاهم "شهداء الحرية"، لكن على جانب آخر تكشف ممارسات الجماعة، سواء داخل إطارها التنظيمي أو خارجه، عن صورة مناقضة بذلك، فهل يسعى الإخوان لينال الشعب حريته؟ وهل يؤمنون حقاً بالحرية كقيمة مطلقة، أم أنّ حقيقة الأمر غير ذلك؟

الحرية... مفهوم ملتبس

شغلت قضية الحرية والإرادة الإنسانية الكثير من الفلاسفة والمفكرين منذ عصر الفلاسفة الإغريق والرومان مروراً بعلماء الكلام والفلاسفة المسلمين ومروراً كذلك بالعصور الوسطى الأوروبية وعصري النهضة والتنوير، وما تزال القضية تشغل مفكري وفلاسفة هذا الزمان، هل الإنسان يملك الحرية في اختيار فعله، أم أنّ هناك خطاً مرسوماً مسبقاً تتدخل في تحديده إرادة الله، والإنسان لا يملك تغييره؟

وكان هذا الأمر من أسباب الخلاف الذي وقع بين المسلمين قديماً، ونتج عنه تعدد الفرق والمذاهب الفكرية متأثرين في ذلك بالفلسفة اليونانية وبالحضارتين الرومانية والفارسية، حيث بدأ يُثار العديد من القضايا المتعلقة بالعقيدة، مثل القدر وإرادة الإنسان وهل هو مسير أم مخير، ونتيجة لاختلاف الآراء حول هذه المسألة وغيرها فقد تعددت المذاهب الفكرية، أشهرها الجبرية والمعتزلة والأشعرية والماتريدية والسلفية، وفيما عدا المعتزلة الذين رأوا أنّ الإنسان مسؤول عن أفعاله، وأنّ الله خلق فيه القدرة على الاختيار، تأتي بقية المذاهب على درجات متفاوتة من القرب أو البعد من فكرة الجبرية التي تقضي بأنّ الله هو خالق الفعل، وأنّ الإنسان لا يملك ذلك، وقد تراجع مع الوقت انتشار المذهب المعتزلي وضعف تأثيره في الفكر الإسلامي لحساب الأشعرية والسلفية.

 القائم بأعمال المرشد لجبهة إسطنبول محمود حسين

واستخدم حكام الدولتين الأموية والعباسية ثقافة الجبر في ترسيخ حكمهم وتبرير ممارساتهم، وفي هذا السياق يقول الدكتور سامح إسماعيل في كتابه (الله والإنسان): إنّه "سرعان ما تلقف الأمويون الطرح الجبري الاستسلامي الذي يقدّم تبريراً دينياً كانوا في أشد الحاجة إليه لتسويغ ممارستهم القمعية، كمذهب يكرس للخضوع والاستسلام للقضاء والقدر الذي جاء بهم إلى الحكم"، ويرى في كتابه أنّ المذاهب الفقهية الـ (4) الكبرى كانت تميل إلى تثبيت فكرة القدر وأنّ أفعال العباد مخلوقة.

الحرية في أدبيات الجماعة

تتحدث الجماعة في العديد من أدبياتها عن حقوق الإنسان وعن الحريات، فيقول البنا عن الأقباط في رسالته إلى الطلاب: "أؤكد لحضراتكم أنّ سياسة الإسلام داخلية أو خارجية تكفل تمام الكفالة حقوق غير المسلمين"، بل جعل البنا في مذكراته "الحرية" من المنجيات الـ (10) للأمة، بما يعكس رؤيته لها كمطلب أساسي، وفي برنامج حزب الحرية والعدالة تم النص على أنّه من المبادئ التي يقوم عليها الحزب احترام حقوق الإنسان، وأهمها حق الحياة والكرامة الإنسانية والحريات العامة"، ويصرح العديد من قيادات ومنظري الجماعة بأنّهم يرفضون الدولة الدينية التي يحكمها رجال دين يتحكمون في الناس، وأنّ الدولة التي يريدونها دولة مدنية.

بسبب عدم تقبل الجماعة للنقد، فقد انشق عنها أفراد آخرون لاختلافهم معها حول بعض الأفكار والممارسات

لكن على الجانب المقابل، وبالنظر في بعض الأدبيات الأخرى، فإنّنا نجد العديد من التناقضات لهذه الآراء، فبخصوص الأقباط مثلاً يرى البنا أنّ العلاقة مع الأقباط لا تقوم على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، ولكن يرى أنّهم أقل درجة، فيقول في رسالة التعاليم: "ولا بأس بأن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة"، بل يصل الأمر إلى المقاطعة الاقتصادية معهم، فيقول في الرسالة نفسها: "وأن تحرص على القرش فلا يقع في يد غير إسلامية مهما كانت الأحوال"، وبخصوص حرية تكوين الأحزاب يقول: "الإسلام لا يقر نظام الحزبية ولا يرضاه ولا يوافق عليه"، ومع المختلفين مع أفكاره يقول: "وإنّما نعلن في وضوح وصراحة أنّ كل مسلم لا يؤمن بهذا المنهاج ولا يعمل لتحقيقه لا حظ له في الإسلام"، ولا شك أنّ كل هذه النصوص والآراء تهدر قيمة الحرية وتضع عليها قيوداً كثيرة، وعلى عكس رفض فكرة الدولة الدينية فإنّ البنا يقول: "ليس هناك سلطتان، ولا يتنازع المجتمع الإسلامي جهتان، ولكنّها سلطة واحدة لا تتعدد، إنّها الدولة وحدها تشرف على شؤون المجتمع في الدين والدنيا... تؤم في المعبد وتُدرس في المعهد" وهل الدولة الدينية غير ذلك!

الحرية في واقع الجماعة

داخل التنظيم لا وجود للحرية، فهي جماعة تقوم على السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة وفي الفكرة، وقد غرس البنا نفسه بذور الاستبداد في الجماعة من أول يوم، فقد كان هو المؤسس والمنظّر والقائد الذي يدين الجميع له بالطاعة، وقد عمل على المزج بين شخصه وبين الجماعة حتى صارا كياناً واحداً، فيقول: "... أمّا ونحن دعوة، فلا بد من الإيمان بها والسير على نهج داعيتها والعمل على تطبيق أفكاره متى اقتنعنا به عن رضا"، وفي ذلك يقول أسامة درة عضو الجماعة السابق في كتابه (من الإخوان إلى ميدان التحرير): "كنا – شباب الإخوان – محظورين غير أحرار، وداخل الجماعة لم نكن أحسن حالاً... علامة الرشد عندهم أن تتبع قائدك ولو أجهض كل اقتراحاتك، وأن ترى كبته لك عين الحكمة"، وفي هذا السياق يقول أحمد سلطان الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية لـ"حفريات": إنّ "الجماعة تدّعي أنّها تواجه الاستبداد، وهي جماعة مستبدة إلى أبعد مدى وقياداتها فاسدة، وفي الحقيقة ليس في الجماعة تداول للسلطة، بل تتلاعب القيادات بالقواعد التنظيمية من أجل مصالحها الشخصية بينما تدّعي أن ذلك لمصلحة التنظيم، فقد ألغت على سبيل المثال الانتخابات الداخلية في العام 2014 عندما وجدت أنّ نتائج الانتخابات تتعارض مع مصالحها".

 يرى حسن البنا أنّ العلاقة مع الأقباط لا تقوم على أساس المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات

أمّا خارج التنظيم، فإنّ النموذج الأبرز كان بعد ثورة كانون الثاني (يناير) ووصول الجماعة إلى الحكم، دخلت في اختبار لمقولاتها عن الحرية، وكانت هناك بعض الأمور الدالة على مستوى الممارسة والخطاب، فقد أنتجت الجماعة خطاباً استعلائياً تجاه الجميع مدعية أنّها الوحيدة التي تفهم الإسلام الفهم الصحيح، وأنّها الكيان الأقوى صاحب الحضور الأكبر في المشهد السياسي، وأنّ التيارات والأحزاب الأخرى ضئيلة الحجم مقارنة بها، ورغم ذلك وبسبب عوامل كثيرة ضاقت الجماعة بالمعارضة ولم تتحمل النقد الموجه لها بسبب المشكلات الكثيرة التي نتجت عن أدائها في الحكم وفي العمل السياسي بشكل عام، فلجأت إلى مسار القضاء، وقدمت العديد من البلاغات في عدد من الإعلاميين، واشتبكت عبر أفرادها في مواقف عدة مع متظاهرين ينتمون لتيارات سياسية مدنية كان أشهرها اعتصام الاتحادية في العام 2012، وعند مكتب الإرشاد وعند وزارة الثقافة، وسعت إلى تشويه معارضيها، واتهمت كل من يخالفها أو ينتقدها بأنّه يرفض المشروع الإسلامي ويحارب الدين، بل لم تقبل الحراك الداخلي الذي قام به مجموعة من شباب الجماعة بعد الثورة رغبة في إصلاح بعض الأوضاع التنظيمية أو بسبب انضمامهم لأحزاب أخرى غير الحرية والعدالة، وقامت بفصل العديد منهم، كما أنّه، وبسبب عدم تقبل الجماعة للنقد، فقد انشق عنها أفراد آخرون لاختلافهم معها حول بعض الأفكار والممارسات، ويتضح من ذلك أنّ الجماعة كانت تطالب بالحرية فقط التي تصل بهم إلى الحكم، لا بالحرية في المطلق.

يتسم تنظيم الإخوان بأنّه مغلق يقوم على السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة وفي الفكرة، ومن هنا تعودت نفوس الأفراد على الاتباع والخضوع والقهر فهم لم يتمتعوا بالحرية ولم يمارسوها ليقدّروا قيمتها وأهميتها

وفي هذا السياق، يرى الباحث أحمد سامر مؤسس حركة "علمانيون" أنّ مفهوم الحرية عند الإخوان مفهوم مجتزأ، ويقول في تصريح لـ"حفريات": "إنّ الإخوان يختزلون الحرية فقط في الحرية السياسية، وهي عندهم تعني حرية الصندوق والانتخابات، وذلك لثقتهم في قدرتهم على حشد الأصوات، فهم يؤمنون بالحرية التي تصل بهم إلى التمكين، لكنّهم لا يتحدثون عن الحرية بمفهومها الواسع والأشمل التي تتضمن الحرية الفكرية والحرية الاجتماعية والحرية الفردية"، ويضيف سامر أنّ الإخوان يوظفون مفهوم الحرية حسب مصلحتهم، فيقول: "من أكثر التناقضات الموجودة في خطاب الإخوان ما يتعلق بفكرة الحرية، فقبل 25 كانون الثاني (يناير) كانوا يتغنون بشعارات الحرية على خلفية ما كانوا يتعرضون له من ممارسات من جانب أنظمة الحكم المتعاقبة، لكن بعد وصولهم إلى الحكم بدأ الكلام يدور حول حرية الفن والإبداع والضوابط التي من المفترض أن تحكم هذه المجالات، كما تحدث سعد الكتاتني عن قطاع السياحة وأنّه يجب إعادة النظر في بعض الأمور الخاصة بسلوك السائح الذي يجب أن يحترم قيم وعادات المجتمع المصري، الأمر الذي يضع قيوداً عليه".

أحمد سلطان: الجماعة تدّعي أنّها تواجه الاستبداد، وهي جماعة مستبدة إلى أبعد مدى وقياداتها فاسدة

لماذا لا يؤمن الإخوان بالحرية؟

رأينا ذلك التناقض الغريب بين حديث الجماعة عن الحرية وبين واقعها العملي، الأمر الذي يجعلنا نطرح تساؤلاً عن السبب في أنّ الإخوان لا يؤمنون بالحرية كقيمة مطلقة؟

 يعود ذلك إلى عدة أسباب:

أولًا: الجذور الفكرية التي تمتد إليها الجماعة

 نظراً لما كان للمذاهب الفكرية والفقهية التي تحدثنا عنها في البداية من تأثير على تشكيل العقل الإسلامي وواقعه وأنّها كانت أقرب إلى فكرة الجبر، وما رسخته أنظمة الخلافة المتعاقبة من ثقافة الاستبداد وتأسيس ذلك على فكرة الجبر تلك؛ فإنّه قد سادت هذه الثقافة بشكل كبير في المجتمع الإسلامي، وتأثرت بها بشكل أكبر الحركات الإسلامية التي ظهرت في القرن الـ (20)، وفي مقدمتها الإخوان، والتي اتخذت جميعها طابعاً سلفياً، بمعنى أنّها حركات غير مجددة، ولكنّها مقلدة تستقي كل أفكارها وآرائها من الفقه ومن التراث الإسلامي دون تجديد، وبالتالي فهمت هذه الحركات، والإخوان منها، الشريعة بمفهوم ضيق يضع الكثير من القيود على الواقع بسبب عدم قدرته على التجدد ومواكبة التغيرات، وهذا الفهم الضيق يلقي بظلاله على رؤية الجماعة للحرية، ويعلق الباحث سامح عسكر على هذا الأمر قائلاً: "مفهوم الحرية عند كافة جماعات الإسلام السياسي مشروط بقيد الشريعة، وبرغم أنّ هذه الشريعة متنوعة ومختلفة حسب المذاهب، إلا أنّ الإخوان والجماعات صدّروا نسخة واحدة من الشرع، وحكموا على كل النسخ الأخرى بالكفر والبدعة، كشريعة إسلامية مطلقة خارج الزمان والمكان، وتتصف في عموم قواعدها بالإطلاقية، فمن بين بنود هذه الشريعة قتل المرتدين، والولاء والبراء، وولاية الرجل على المرأة"، ويرى أنّ كل هذه الأمور تضع قيوداً على الحرية، وأنّها بحاجة إلى تجديد فقهي.

أحمد سامر: مفهوم الحرية عند الإخوان مفهوم مجتزأ

ثانياً: الأفكار والصور الذهنية

 الجماعة لديها بعض الأفكار والمنطلقات والصور الذهنية عن نفسها وعن الآخر تتحكم فيها وفي ممارساتها، فهي ترى أنّها صاحبة الحق المطلق، وأنّها هي الإسلام، وأنّ على الجميع أن يتبعها، وأنّه لا قيام للدولة الإسلامية إلا بها، وأنّ الله يؤيدها وسينصرها حتماً، وأنّ كل أزمة تتعرض لها إنّما هي أمر طبيعي يتعرض له كل الرسل، وأنّ الله بيده كل شيء، وأنّ الأسباب لا تؤدي إلى نتائج، ولكنّ إرادة الله هي التي تتدخل لتنصرهم؛ كلّ ذلك يؤدي إلى نوع من الاستهانة بالتفكير والتواكل وإهمال الأسباب والعوامل الذاتية، ويكونون أقرب في حقيقة الأمر إلى ثقافة الجبر، وذلك يجعل مفهومهم عن الحرية قاصراً، ويؤثر على نظرتهم إليها بشكل عام، كما أنّ نظرتهم إلى الآخر على أنّه على باطل أو على خطأ، وأنّ كل مخالف أو معارض لهم عدو للدين ومحارب له، تجعلهم غير متقبلين للاختلاف خائفين من الحرية، لأنّ المخالف بذلك سوف يمارس سلوكه الباطل وينشر فكره الخاطئ ويقف عائقاً أمام مشروعهم! وعن فكرة المنطلقات يوضح الباحث أحمد سامر أنّه "لا يمكن لشخص أو جماعة أن تقدر قيمة الحرية وتؤمن بها وهي تتبنّى أفكار سيد قطب عن الحاكمية والجاهلية، فمثل هذه الأفكار تضع العديد من القيود على المجتمع وتصطدم بالحرية". 

ثالثاً: طبيعة التنظيم

 يتسم تنظيم الإخوان بأنّه تنظيم مغلق يقوم على السمع والطاعة والثقة المطلقة في القيادة وفي الفكرة، وبالتالي تعودت نفوس الأفراد على الاتباع والخضوع والقهر، وعلى عدم ممارسة الحرية داخل التنظيم إلا في أضيق نطاق، فهم لم يتمتعوا بالحرية ولم يمارسوها ليقدّروا قيمتها وأهميتها.  

أحمد سامر: الإخوان يوظفون مفهوم الحرية حسب مصلحتهم فهم يؤمنون بالحرية التي تصل بهم إلى التمكين، لكنّهم لا يتحدثون عن الحرية بمفهومها الواسع والأشمل التي تتضمن الحرية الفكرية والحرية الاجتماعية والحرية الفردي

إنّ الجماعة التي عاشت منغلقة على نفسها لأعوام طويلة، واعتادت على العمل السري، لا تستطيع أن تدرك وتقدّر معنى الحرية، وترى الحرية خروجاً عن الإطار وانفلاتاً يهدد النظام، والجماعة التي اعتادت على التبعية والطاعة لا تستطيع أن تتحمل تبعات الحرية، إنّها جماعة تمكّن منها الخوف وسكنتها الهواجس واعتادت الظلام، ومن اعتاد الظلام لا يتحمل ضوء الشمس في عينيه.

مواضيع ذات صلة:

حراك الإخوان الممنهج ضد مصر ينتهي إلى هزيمة مريرة.. ألا يتعظون؟!

هل اختطف الإخوان حركية الجماهير العربية؟

هل يقوم الإخوان بتزوير الأعمال الكاملة للقرضاوي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية