تهديدات إيران في مياه الخليج: هل ستظل واشنطن تتوعد؟

تهديدات إيران في مياه الخليج: هل ستظل واشنطن تتوعد؟

تهديدات إيران في مياه الخليج: هل ستظل واشنطن تتوعد؟


29/05/2023

التفاهمات الجديدة بين السعودية وإيران إثر الاتفاق الذي رعته الصين، من المرجح أن تظهر انعكاساتها في اليمن، وذلك عبر إيجاد وسائط مرنة وقنوات سياسية دبلوماسية لحل الصراع وطي صفحة الحرب. بيْد أنّ التوترات تتصاعد بين طهران والولايات المتحدة، بشأن التهديدات المتواصلة في مياه الخليج، وتأثيراتها السلبية على الملاحة الدولية، ومضيق هرمز.

انخرط المسؤولون بإيران والولايات المتحدة، مؤخراً، في تصريحات عنيفة بشأن الأمن البحري. لكنّ الناطق بلسان وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، نفى التصريحات الأمريكية، ووصفها بأنّ "لا أساس لها".

وعقّب كنعاني على ما اعتبره "مزاعم" الناطق بلسان مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، قائلاً إنّ بلاده لديها الإمكانيات للحفاظ على أمن مياه الخليج.

ووفق بيان الخارجية الإيرانية، فإنّ إيران "لعبت الدور الأكثر فاعلية لضمان سلامة حركة الملاحة البحرية في الخليج العربي، وكذا المياه الإقليمية والدولية". بل كانت "تضمن دائماً المرور الآمن للسفن عبر مضيق هرمز".

لكنّ كيربي أوضح أنّ الولايات المتحدة ستشرع في تعزيز "موقفها الدفاعي" في الخليج العربي، بعد أن استولت البحرية الإيرانية التابعة للحرس الثوري على ناقلتي نفط في المياه الإقليمية، في مضيق هرمز، مشدداً على أنّ واشنطن لن تسمح "للقوى الأجنبية والإقليمية بتعريض حركة الملاحة عبر الممرات المائية الإقليمية للخطر".

وحول الاتهامات الأمريكية، التي لا تبدو جديدة بل متكررة وتقليدية في ظل وقائع عديدة موثقة كشفت عن استهداف الحوثي وقوات الحرس الثوري للسفن في مياه الخليج، ثم احتجازها وتعريضها للخطر، قالت الخارجية الإيرانية إنّ واشنطن "تواصل إتهام إيران بينما سياسة (الولايات المتحدة) في منطقة الشرق الأوسط تؤدي إلى تفاقم الأزمات، ومنها انعدام الأمن وعدم الاستقرار في منطقة الخليج".

الدكتور محمود أبو القاسم: تهديد الحوثيين للممرات البحرية خطير

وقال كنعاني: "الاتهامات الجديدة الموجهة لإيران ليست سوى ذرائع، تهدف إلى تبرير استمرار ودعم الوجود الأمريكي في المنطقة. إيران تعتبر استمرار وجود القوات العسكرية للولايات المتحدة في مياه الخليج (الفارسي) تهديداً لأمن حركة الملاحة البحرية في هذا الجزء من المياه. دول المنطقة قادرة على تحقيق سلام وأمن الملاحة من دون أيّ حاجة لوجود أطراف خارجية".

اصطفافات جديدة بقيادة واشنطن

وفي ما يبدو أنّ طهران تتخذ من الوجود الأمريكي بالمنطقة حجة مباشرة لانبعاث هذه التوترات، واستمرار القرصنة البحرية، فضلاً عن سياستها التي تقوم على عسكرة الملاحة الدولية. ولم تنفِ الحكومة الإيرانية التهديدات التي تواجهها الممرات المائية الدولية، إنّما اعتبرت التدخلات الخارجية للأطراف "الأجنبية" ومنها الولايات المتحدة، مسؤولة عن كل ذلك الوضع القلق.

وبحسب كنعاني، فإنّ الحكومة الأمريكية تعرض "أمن الملاحة والتجارة الدولية للخطر من خلال اللجوء إلى الإجراءات التي تنتهك قوانين الملاحة البحرية الدولية، والاستيلاء على بعض شحنات النفط الإيراني".

رغم أنّ الولايات المتحدة لا تعطي أولوية ضمن استراتيجيتها العالمية لمنطقة الشرق الأوسط في ظل انشغالها المحموم بمواجهة الصين وروسيا، وهو ما جعل أوروبا وجنوب شرق آسيا محور استراتيجيتها وانتشارها العسكري وجهودها الدولية، إلا أنّ منطقة الشرق الأوسط ما تزال لديها أهميتها، لا سيما أنّ تأمين تدفقات النفط في ظل الصراع مع روسيا قد عادت له أهميته، حسبما يوضح مدير تحرير مجلة دراسات إيرانية بالمعهد الدولي للدراسات الإيراني (رصانة) الدكتور محمود أبو القاسم.

سبق أن شهدت المنطقة مواجهة بحرية واسعة النطاق بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، وتحديداً في 2019، وحتى رحيل ترامب نهاية 2020

ووفقاً لابو القاسم، فإنّ التوجهات الأمريكية ما تزال تحافظ على تأمين حضورها العسكري البحري، خاصة في منطقة الخليج وفي منطقة البحر الأحمر. ويوضح لـ"حفريات" بأنّه في هذه المنطقة تمر أعداد كبيرة من التجارة العالمية، والعالم في ظل الحرب الأوكرانية غير مستعد لتعطيل سلاسل الإمداد أو ضرب طرق التجارة الرئيسية.

ويردف أبو القاسم: "تهديد الحوثيين للمرات البحرية يعد بمثابة تهديد خطير تأخذه الولايات المتحدة على محمل الجد. بل إنّ تأمين الاستقرار في اليمن، والجهود الأمريكية التي يبذلها المبعوث الأمريكي باليمن من أجل إنهاء الصراع، تعكس في مضمونها تأمين منطقة خليج عدن والبحر الأحمر".

استراتيجية الردع

ولعل احتجاز إيران ناقلة نفط في خليج عمان كانت ترفع علم جزر مارشال وقد كانت في طريقها نحو الولايات المتحدة، ثم اتجاه الأخيرة لنشر غواصة نووية، دعماً للأسطول الأمريكي الذي يتخذ من البحرين مقراً له، تعد خطوة في إطار تعزيز "استراتيجية الردع ضد إيران وحماية الملاحة البحرية في المنطقة"، خاصة بعد تنامي تهديدات إيران. ولا تنفصل تهديدات الحوثيين عن توجهات إيران في هذا الصدد؛ فهي "أوراق ضغط من أجل تحسين شروط إيران، سواء في ما يتعلق بمفاوضات اليمن، أو بشأن خلافاتها مع الولايات المتحدة"، بحسب أبو القاسم.

وسبق أن شهدت المنطقة مواجهة بحرية واسعة النطاق بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، من الاتفاق النووي، وتحديداً في 2019، وحتى رحيل ترامب نهاية 2020، وهي مواجهة استدعت تشكيل الولايات المتحدة "تحالف دولي لحماية أمن الممرات البحرية وشاركت فيه العديد من الدول لحماية مصالحها وتجارتها في المنطقة أو عبر ممراتها المائية".

في كلمة بمناسبة انتهاء البحرية الإيرانية من مهمتها، التي استمرت ثمانية أشهر، بالقرب من مضيق هرمز الاستراتيجي، قال اللواء محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، إنّ "إيران ودول جنوب الخليج قادرة على التعاون لضمان أمن الخليج ومضيق هرمز وبحر عمان".

الدكتور كمال الزغول: الملف النووي في بؤرة النقاش عشية الانتخابات الأمريكية

وتعد تصريحات باقري رسالة مباشرة لما ذكره قائد الأسطول الخامس بالبحرية الأمريكية، براد كوبر، وقد التقى الأخير، قبل أيام، مع قادة البحرية الفرنسية والبريطانية لتحديد موقف موحد بشأن الدفاع عن الممرات المائية عبر مضيق هرمز.

ووفق موقع "الحرة" الأمريكي، فإنّ قائد الأسطول الخامس في البحرية الأمريكية، تفقد برفقة نظيريه البريطاني والفرنسي، نهاية الأسبوع الماضي، مدمرة "يو أس أس هاميلتون" العاملة في مضيق هرمز. وتابع: "وعبَر قادة البحرية الثلاثة المضيق، على متن المدمرة بحسب بيان الأسطول الخامس، واطلعوا على عمليات المراقبة والدوريات التي تقوم بها القوات التابعة للتحالف الدولي البحري".

نووي إيران والاستقطاب الأمريكي

وفي حديثه لـ"حفريات" يقول المراقب الدولي السابق لدى الأمم المتحدة، الدكتور كمال الزغول، إنّ الولايات المتحدة تثير مسألة الأمن البحري في مضيق هرمز والبحر الأحمر لتأمين مصالحها في المنطقة، خاصة بعد اشتعال الأزمة السودانية والتي وجدتها فرصة لمتابعة خطة المراقبة البحرية في البحر الأحمر.

كما أنّ الولايات المتحدة قد تتخذ "إجراءات صارمة" وتنفذ عمليات تفتيش بحرية للبواخر، بغية البحث عن تهريب الأسلحة للحوثي، وتحديداً من خلال لبنان وسوريا وأيضاً تهريب المخدرات، حسبما يوضح الزغول.

المراقب الدولي السابق بالأمم المتحدة، كمال الزغول لـ"حفريات": الإجراءات قد تكون زيادة عدد الدوريات بالبحر الأحمر لجمع المعلومات عن التحركات بالبحر الأحمر

ومن المحتمل التركيز على الطائرات المسيّرة الإيرانية المهربة لروسيا، ولذلك صرحت واشنطن بأنّ الإجراءات والخطط سيعلن عنها في الأيام القادمة.

ويردف الزغول: "هذه الإجراءات قد تكون زيادة عدد الدوريات في البحر الأحمر، واستخدام الزوارق غير المأهولة وطائرات الاستطلاع بدون طيار لجمع المعلومات عن التحركات في البحر الأحمر، واحتجاز السفن المخالفة، خاصة بعد تواجد قطع بحرية في بورتسودان لمنع وصول الأسلحة إلى الحوثي".

لقد شهدنا "تحركاً أوروبياً" بعد التصريحات والاتهامات الأمريكية للضغط على إيران، للعودة إلى طاولة المفاوضات، ومن ثم الوصول إلى اتفاق نووي. ومع بدء الحديث عن الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستعود مسألة الملف النووي إلى بؤرة النقاش في ظل الاستقطاب السياسي والانتخابي بين معارضي الرئيس، جو بايدن، من الجمهوريين ومؤديه، يقول الزعول.

وكل ذلك، سوف يتطلب مجموعة "خطط في البحر الأحمر للوقوف بجانب إسرائيل، والضغط على إيران لتوقيع الاتفاق لنووي، ثم بعث رسالة لطهران مفادها أنّ نشاطها السياسي والميداني في سوريا لن يكون أمراً سهلاً، خاصة بعد مبادرة التقارب العربي مع سوريا، وأنّه لا حل بدون أمريكا".

مواضيع ذات صلة:

إرهاب الحوثي ضد منشآت نفط السعودية.. رسائل إيرانية للغرب

متى تدرك واشنطن مغزى هجمات الحوثيين على السعودية؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية