
أنشأ تنظيم (داعش) خمسة فروع في أفريقيا، وهي: إمارة الساحل الأفريقي، وولاية غرب أفريقيا، ووسط أفريقيا، وموزمبيق، والصومال، واقترب تنظيم (القاعدة) من إعلان دولتين في الصومال ثم مالي، لكنّ الأخطر هو أن الحرب ونتائجها بالسودان تؤدي إلى فرصة في الانتقال والقيام بالتسكين للعناصر الخطرة، وتفاقم نشاط التنظيم الإرهابي بالمنطقة.
داعش تواجد قديم ومتجدد
في عام 2012م قام (7) من أعضاء خلية السلمة يتزعمهم أسامة أحمد عبد السلام ومعه وحيد عز الدين، إضافة إلى آخرين، بلغ عددهم (70)، بتشكيل ما عُرف حينها بخلية الدندر، وقاموا بمهاجمة نقطة للشرطة بمنطقة الدندر بولاية سنار، وقتلوا أحد أفراد الشرطة، واستولوا على سلاح وأزياء عسكرية، وأقاموا معسكراً للتدريب، إلى أن تم القبض عليهم، واتضح أيضاً أنّ المنضمين الجدد من أبناء قيادات الحركة الإسلامية، ووجهت لهم الكثير من المواد الجنائية من قتل عمد ونهب واستخدام الزي العسكري وغيرها من مواد عقوبتها الإعدام، فتحرك الإخوان، وتم تشكيل لجنة المراجعات الفكرية برئاسة عصام أحمد البشير وسليمان عثمان، وعبد الحي يوسف، وخالد عبد اللطيف، والشيخ عبد الجليل الكاروري، والشيخ حسن رزق، وغيرهم، وأوصوا بضرورة إطلاق سراح المتهمين، لأنّهم حسب رأي اللجنة قد رجعوا إلى طريق الوسطية وتركوا طريق التعصب والتشدد الذي يؤدي إلى التكفير والتفجير.
كانت الخلية السابقة نواة لتواجد تنظيم (داعش) في السودان فيما بعد، فتنظيم (القاعدة) في السودان، لم يعد له وجود فعلي، غير التواجد الرمزي لأبي خبيب السوداني، الذي يظهر إعلامياً كرمز للتنظيم المركزي، على اعتبار أنّه كان رفيقاً لأسامة بن لادن، ثم بعض الرسائل التي نشرها، وتحديداً في تشرين الأول (أكتوبر) 2022 حين أصدر رسالة (الآن جاء القتال... رسائل إلى المجاهدين بالسودان)، مطالباً فيها الشباب السوداني بالحاجة لعقلية استراتيجية ذكيّة، والعمل على صياغة استراتيجية للصراع، ودراسة واقع (المجاهدين) وقدراتهم وإمكاناتهم العسكرية والسياسية.
أمّا القيادي الآخر "أبو حذيفة السوداني"، فقد نشر رسالة عن مذكراته في السجن عقب الإفراج عنه، وفعلياً ظهر تنظيم (داعش) عام 2021 حين تم الوصول إلى خلية كبيرة بعض عناصرها من مصر، وسبق ذلك إعلان الأجهزة الأمنية في 7 شباط (فبراير) من العام نفسه عن الكشف عن إحدى الخلايا النائمة التابعة للتنظيم في منطقة "صوامع الغلال" بولاية القضارف الواقعة شرقي البلاد، وذلك بعد أن رصدت قيام عدد من العناصر النشطة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بنشر مقطع فيديو يرفعون فيه علم تنظيم (داعش)، ويعلنون عزمهم بإنشاء إمارة جديدة تحت إمرة وولاية زعيم واحد لكل دول العالم، وهو المسار نفسه الذي سعى التنظيم إلى تكراره عبر رسالة نشرها بالعدد (479) بصحيفة (النبأ).
يحاول تنظيم (داعش) الاقتراب من المناجم والبحار في إطار استراتيجية القتال عبر البحار والممرات الملاحية.
وقد تم تسليم بعض عناصر تنظيم (داعش) للقاهرة، وحاول التنظيم نفسه قتل رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وأبدى اهتماماً متزايداً بالسودان عقب سقوط نظام البشير، وقد أشار أبو بكر البغدادي، أمير التنظيم حينها، في نيسان (أبريل) 2019 إلى السودان باعتباره ساحة معركة مستقبلية، وتحدثت تقارير أخرى عن نية التنظيم إقامة ما سمّاه "إمارة الحبشة"، التي تضم السودان ودول شرق أفريقيا.
أصدر فريق العقوبات والرصد التابع للأمم المتحدة تقريراً في تموز (يوليو) 2023، أشار فيه إلى أنّ شبكة تنظيم (داعش) في السودان تضم ما بين (100 و200) شخص ويرأسها جهادي عراقي مخضرم، هو "أبو بكر العراقي"، وهي شبكة قاعدة لوجستية ومالية يتم من خلالها العبور والاستثمار، مؤكداً أنّ العراقي يدير مجموعة من الشركات في أفريقيا.
الحرب الداخلية ونمو التنظيم
تُسهم الحرب الداخلية السودانية في عمل سيولة تساعد الجماعات الإرهابية (داعش ـ القاعدة) في النمو داخل دولة السودان، بعد أن كان كلا التنظيمين لا يمتلكان قوة ذات أهمية بالمقارنة مع التنظيمات في الدول الأخرى، واتخاذهما الدولة الأفريقية في جعلها محطة انتقال لـ (ساحة الخارطة السوداء)، وهي قارة أفريقيا، وفق التعبير الذي أطلقه زعيم تنظيم (داعش) "أبو حفص الهاشمي".
قال أبو حفص: "إنّ السودان توفرت فيه الشروط الموضوعية لقيام حرب عصابات ناجحة، إضافة إلى أنّه بلد شاسع مترامي الأطراف متنوع التضاريس والمناخات من جبال وغابات وصحارٍ، ممّا يتيح مجالاً واسعاً للحركة والمناورة، وطرح (3) طرق عملية لكيفية إدارة حرب العصابات باعتبارها مهاداً لمراحل متقدمة على النحو التالي: مرحلة الوخز (اضرب واهرب)، مرحلة التوازن، مرحلة الحسم والتمكين.
وعاد التنظيم عبر صحيفة (النبأ)"، في 23 كانون الثاني (يناير) 2025، إلى الحديث عن السودان، تحت عنوان "السودان المنسي"، والتي دعا فيها عناصره في دول الجوار السوداني إلى إعادة الارتكاز والتموضع وتفعيل نشاط التنظيم والتواجد في الداخل السوداني.
ما تنبغي الإشارة إليه أنّ نقاط الإرهاب الواضحة في منطقة شرق أفريقيا تبدو كالتالي: تصاعد لنشاط حركة شباب الإسلام بالصومال، وتمددها إلى كينيا ومحاولات قليلة إلى أثيوبيا، وفي المقابل محاولات لتنظيم (داعش) للتواجد في الصومال وكينيا، وتمدده في بحيرة تشاد، ونشاط كبير وإمارة في دولة مالي، ويقع السودان وجنوبه في المنتصف، من هنا يحاول تنظيم (داعش) تعزيز نفوذه في كلٍّ من الصومال واليمن وجيبوتي وكينيا، ومن هنا تظهر أهمية السودان في تلك العملية في نقل التمويل والأسلحة والدعم اللوجستي.
يحاول تنظيم (داعش) الاقتراب من المناجم والبحار، ويتنافس مع تنظيم (القاعدة) في أفريقيا على ذلك، وفي إطار استراتيجية القتال عبر البحار والممرات الملاحية، تبدو أهمية السودان في قطع طرق الملاحة وخطوط المواصلات العالمية، وبشكل خاص ناقلات النفط، لذا فإنّه يسعى إلى تعزيز نشاطه في الداخل السوداني بهدف الاقتراب من البحر الأحمر.