تمرد فاغنر في روسيا... الحقائق والمآلات

تمرد فاغنر في روسيا... الحقائق والمآلات

تمرد فاغنر في روسيا... الحقائق والمآلات


25/06/2023

طرح التمرد العسكري الذي قاده (بريغوجين) قائد مجموعة (فاغنر) الروسية على الجيش الروسي ممثلاً بوزارة الدفاع وقائد أركان الجيش الروسي الكثير من التساؤلات المفتوحة، أكثر ممّا طرح من إجابات، على خلفية إخماد هذا التمرد خلال أقل من (24) ساعة، عبر وساطة قادها حليف الرئيس الروسي رئيس بيلاروسيا، أنتجت اتفاقاً يتضمن "نفي" بريغوجين إلى بيلاروسيا، وهو ممّا يعني تخليه عن قيادة (فاغنر)، مقابل سحب الدعاوى الجنائية بحقه لدى القضاء الروسي، والعفو عن عناصر وكوادر (فاغنر) ممّن شاركوا معه بالتمرد.

انطلاق التمرد بما فيه من سيطرة (فاغنر) على مقر القيادة العسكرية الروسية التي تدير العمليات الحربية في أوكرانيا في مدينة (روستوف)، والتحرك برتل عسكري ضخم باتجاه موسكو العاصمة، وإنهاء هذا التمرد "سلمياً" قبل وصول الرتل العسكري إلى موسكو، يطرح جملة من الحقائق والتساؤلات، تفتح الأفق أمام سيناريوهات مستقبلية، يمكن إجمالها فيما يلي:

إنّ الخط البياني لتصاعد العلاقة السلبية بين قيادات فاغنر والقيادات العسكرية كانت تؤشر إلى أنّ الصدام بين الجانبين مسألة وقت، لذا لم يكن التمرد بحد ذاته مفاجأة

أوّلاً: أظهر التمرد الذي قاده (بريغوجين) أنّه لم يكن  في إطار سيناريو "خدعة" روسية تم الاتفاق عليها بين القيادة الروسية وقائد (فاغنر)، وثبت أنّ الانتقادات العلنية التي كان يوجهها قائد فاغنر لقادة الجيش وتهديدهم واتهامهم بالخيانة كلها كانت حقيقة، بمعزل عن صحة ادعاءات (بريغوجين) حول قيام الجيش بقصف قواعد وتشكيلات فاغنر في أوكرانيا، والامتناع عن تزويدهم بالذخائر، ممّا تسبب في خسائر جسيمة بصفوف فاغنر، وبمعزل عن نتيجة التمرد، فقد أظهر ضعف قيادة الرئيس بوتين، وأنّ ما تعانيه روسيا على مستوى إدارة الدولة ومؤسساتها، لا يمكن إخفاؤه، إذ إنّ ما جرى لا يختلف عمّا تشهده دول تنتمي للعالم الثالث، وليس دولة عظمى تتطلع لدور في صياغة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب.

(بروغوجين) قائد مجموعة (فاغنر) الروسية

ثانياً: إنّ الخط البياني لتصاعد العلاقة السلبية بين قيادات فاغنر والقيادات العسكرية كانت تؤشر إلى أنّ الصدام بين الجانبين مسألة وقت، لذا لم يكن التمرد بحد ذاته مفاجأة، لكنّ التسارع في انطلاق هذا التمرد كان هو المفاجأة، ويبدو أنّ (بريغوجين)  استند إلى جملة عوامل في "تسريع" إطلاق التمرد؛ من بينها: أنّه كان يعتقد أنّ الرئيس بوتين سينحاز له في صراعه مع وزارة الدفاع، بحكم العلاقة الخاصة بينهما، ثم الانتصارات التي حققتها فاغنر في باخموت، وما حققه (بريغوجين) من شعبية في أوساط الرأي العام الروسي، لا سيّما أنّ تلك الانتصارات كشفت "ضعف" الجيش الروسي، الذي انسحب من حدود كييف في بداية الغزو، كما انسحب من خاركوف، ومناطق الجنوب في خيرسون.

ثالثاً: لا شكّ أنّه تم إخماد حركة التمرد بصيغتها العنيفة، ولكن المرجح أنّ الحراك داخل روسيا لم يتوقف، فمصير (بريغوجين) غير معروف، هل سينتهي فقط بالنفي أم ستتم تصفيته؟ ثم هل ستشهد القيادات العسكرية الروسية حركة إحالات للتقاعد، لا سيّما وزير الدفاع الروسي ورئيس الأركان؟ ثم إنّ (بريغوجين) كشف كثيراً من المعلومات التي لم يتم التثبت من صحتها، تضرب مصداقية السردية الروسية حول مبررات الحرب، والحيلولة دون انضمام أوكرانيا للناتو، وهي قضية موضع شكوك عميقة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام الروسي، هذا بالإضافة إلى ما كشفه حول إخفاء خسائر الجيش الروسي في أوكرانيا وفشل الخطط العسكرية، ومن المرجح أنّ كل ذلك سيبقى قائماً في الداخل الروسي، رغم إنهاء التمرد.

تُطرح، على نطاق واسع، تساؤلات حول تداعيات غياب فاغنر وحركة التمرد على الداخل الروسي، وعلى المعارك التي يخوضها الجيش الروسي في أوكرانيا، بوصفها حرباً ليست مع أوكرانيا بل مع الغرب كله الذي يستهدف روسيا

رابعاً: أصبح مؤكداً أنّ فاغنر بصيغتها القائمة قبل التمرد ستغادر المشهدين؛ العسكري والسياسي، على مستوى الداخل الروسي، ووفقاً لاتفاق الوساطة سيتم وقف أيّ ملاحقات قانونية لعناصر فاغنر، وتم تقسيمهم إلى قسمين؛ الأوّل: الذين شاركوا بفاعلية في التمرد، ومن المقرر تسليم أسلحتهم وعودتهم إلى الحياة المدنية، والثاني: العناصر التي رفضت المشاركة في التمرد لأسباب مختلفة، سيتم الاحتفاظ بهم في إطار فاغنر، وبعقود يتم إبرامها مع وزارة الدفاع، ومن غير المستبعد أن يلتحق عناصر القسم الأوّل بتشكيلات فاغنر المنتشرة خارج روسيا، وتحديداً في الدول الأفريقية، إذ تنتشر فاغنر في (9) دول أفريقية، ويتردد أنّ مصالح روسيا عبر فاغنر في أفريقيا تتعرض لتهديد في ظل محاصرة أمريكية وأوروبية لوجودها واختراقاتها في أفريقيا.

أصبح مؤكداً أنّ فاغنر بصيغتها القائمة قبل التمرد ستغادر المشهدين" العسكري والسياسي" على مستوى الداخل الروسي

خامساً: تُطرح، على نطاق واسع، تساؤلات حول تداعيات غياب فاغنر وحركة التمرد على الداخل الروسي، وعلى المعارك التي يخوضها الجيش الروسي في أوكرانيا، بوصفها حرباً ليست مع أوكرانيا بل مع الغرب كله الذي يستهدف روسيا، ويبدو أنّ الجيش الشيشاني سيحل محل قوات فاغنر في الجبهات التي كان تشغلها فاغنر في الدونباس ومناطق أخرى في الجنوب، ومع ذلك فإنّ القوات الروسية أصبحت أمام تحدٍّ جديد بعد غياب فاغنر، لأنّ أيّ خسارات جديدة ستكلف وزارة الدفاع وقيادة الجيش ثمناً باهظاً، وهو ما يرجح معه توسع المعارك في أوكرانيا، وباستخدام كثافة أكبر في استخدام منظومات الصواريخ والطائرات المسيّرة، وتوسيع جبهات المواجهة لتشمل أكبر مساحة في أوكرانيا، وبما يرسل رسالة بإلغاء الخطوط الحمراء لدى الجيش الروسي، فيما ستترك الخطوط الأمامية في المواجهات للجيش الشيشاني وتشكيلات عسكرية أخرى موالية للجيش الروسي.

سادساً: ما بعد حركة التمرد وإنهاء وجود فاغنر، يجعل كل الاحتمالات مفتوحة على سيناريوهات متعددة ومتضادة، قاسمها المشترك أنّ روسيا ظهرت بصورة أضعف ممّا كانت عليه، وربما تتوسع دائرة معارضة الحرب داخل روسيا، وبمرجعية تساؤلات حول حقيقة أهدافها، وما تم إنجازه بعد عام ونصف من الحرب، بالإضافة إلى إمكانية ظهور تداعيات العقوبات الاقتصادية على روسيا، وستزداد الشكوك داخل أوساط الجيش وأوساط في مفاصل الدولة الروسية، وربما كان في تسارع إعلانات الولاء للرئيس بوتين بالتزامن مع انطلاق الرتل العسكري لفاغنر إلى موسكو، ما يؤكد تلك الشكوك التي عززها استطلاع للرأي العام يكشف أنّ حجم التأييد لفاغنر ربما كان مساوياً للتأييد للجيش.

مواضيع ذات صلة:

توترات بين أمريكا وروسيا في سوريا: ما علاقة ميليشيات إيران؟

تبادل فتح الجبهات بين أمريكا وإيران وروسيا.... شرق الفرات السوري نموذجاً

أوكرانيا "تعاقب" إيران بسبب تحالفها الاستراتيجي مع روسيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية