تفجير أنابيب النفط في لبنان: هل هو مجرد خطأ تقني سوري؟

تفجير أنابيب النفط في لبنان: هل هو مجرد خطأ تقني سوري؟


19/11/2020

لم تكن تساؤلات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب السابق وليد جنبلاط، بخصوص التفجير الهائل والغامض الذي استهدف قبل أيام أنابيب جر النفط من العراق الى مصفاة طرابلس شمال لبنان، منقطع الصلة عن حالة الاضطراب السياسي والأمني الذي يعيش على وقعه لبنان منذ زمن بعيد.

جنبلاط سأل في تغريدة له على "تويتر": "هل صحيح أنّ انفجار الأنبوب في العبدة مردّه أنّ البعض كان يضخ النفط من مصفاة الشمال إلى سوريا؟ هل انتقلنا إلى هذا الحجم من التهريب، وهل إنّ تجار النفط يأتون بسفن غير شرعية لتهريب النفط المدعوم؟".

وتعكس تساؤلات جنبلاط شكوكاً وانعدام يقين في التصريحات الحكومية اللبنانية التي علّلت ما جرى في التفجير الذي يذكّر أهل بيروت بالتفجير الكبير الذي  جرى في الميناء في الرابع من آب (أغسطس) الماضي.

تسرب كمية من النفط الخام

تفجير أنابيب النفط الأخير نجم عنه تسرب كمية من النفط الخام وصلت الى الشواطئ البحرية بالقرب من مرفأ الصيادين في بلدتي العبدة وببنين العكاريتين، وملأت الأقنية وبعض الأراضي الزراعية المجاورة.

تسرب كمية كبيرة من النفط الخام

وعزت وزارة الطاقة سبب التفجير إلى محاولة سرقة محدودة، في الوقت الذي قال فيه سكان يقطنون بالقرب من التفجير، إنّ دوياً هائلاً سمع، وهناك آليات حفر شوهدت في المكان قبل التفجير.

وتتقاطع معلومات الجهات المحلية في الشمال مع تشخيص مصادر سياسية متابعة، على أنّ تفجير الأنبوب، بحسب الكاتب اللبناني منير الربيع، ليس عملاً فردياً، وقد لا يكون بهدف السرقة، كما قال بيان وزارة الطاقة.

اقرأ أيضاً: "حزب الله يورّط لبنان".. لبنانيون يجدّدون رفضهم لحزب الله

وبمعزل عن الغوص في التفاصيل والاحتمالات الكثيرة، وعن الكلام حول استخدام هذا الأنبوب لتهريب النفط المدعوم إلى سوريا، يقود وضع الحادثة في سياقها السياسي إلى خلاصة واحدة: الشرايين التي تربط لبنان بالخارج يجري ضربها أو تقطيعها.

انعكاسات الصراع على معابر النفط والغاز

وما يجري في لبنان يشير، في نظر الربيع، إلى أنه ينغمس أكثر فأكثر في انعكاسات الصراع على معابر النفط والغاز في المنطقة. وهذا قد يؤدي، على وقع التحولات الإستراتيجية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، إلى تغير جوهري في أساس وجود البلد الصغير ودوره التاريخي.

أكدت المديرة العامة للمنشآت النفطية، أورور فغالي، في تصريح صحفي استحالة ضخ أي مواد نفطية من لبنان باتجاه سوريا، ولا إمكانية تقنية لهذا الأمر

استغرقت إعادة إصلاح الأعطال التقنية التي تسببت بهذا التسرب الناجم عن تفجير أنابيب النفط أكثر من 36 ساعة نظراً للكمية الكبيرة المتدفقة على عمق أكثر من متر ونصف المتر تحت الأرض، ويبلغ قطره بحدود الـ16إنشاً، وسمح بتسرب كميات كبيرة من النفط الخام التي توزعت عبر أقنية المياه الشتوية في الأراضي والحقول القريبة، وصولاً إلى شاطئ البحر، متسبباً بعدة حرائق تمكّن الدفاع المدني من إخمادها، وتسبب أيضاً ببقعة نفطية كبيرة على شاطئ العبدة بلغت مدخل حرم مرفأ صيد السمك، حيث تعاملت بحرية الجيش بالسرعة المطلوبة، واستقدمت طفّافات وحاصرت البقعة وعالجتها وفق الطرق العلمية للحد من التلوث، وفق تقرير لصحيفة "النهار".

اقرأ أيضاً: تركيا و"حزب التحرير" اللبناني.. تقاطع مصالح أم دعم لأردوغان؟

وأوضحت المديرية العامة للنفط في بيان أنّ النتائج التي تم استخلاصها بعد النجاح في إصلاح جميع الأعطال على خط الأنبوب النفطي في منطقة العبدة، أن ضخّاً كبيراً ناتجاً من خطأ تقني من الجانب السوري أدى إلى اختناق الخط، والذي تبعه تسرب مباشر، وليس اعتداء بهدف التخريب أو السرقة.

وأكدت المديرة العامة للمنشآت النفطية، أورور فغالي، في تصريح لـ "النهار" استحالة ضخ أي مواد نفطية من لبنان باتجاه سوريا، ولا إمكانية تقنية لهذا الأمر، مشيرة إلى أنّ المنشأة مقفلة والمضخات متوقفة منذ 40 سنة، وهي أصبحت خارج الخدمة من دون صيانة لهذه المدة من الزمن، والأهم من ذلك أنّ هناك موقعاً للجيش داخل المنشآت يشرف على الشاردة والواردة.

استغرقت إعادة إصلاح الأعطال التقنية التي تسببت بهذا التسرب الناجم عن تفجير أنابيب النفط أكثر من 36 ساعة

ورداً على تغريدة جنبلاط، قالت: "ربما أحدهم أوصل معلومات مغلوطة لوليد بيك، وقد تواصلنا معه لشرح الموضوع"، كاشفة أنّ المديرية العامة للمنشآت تواصلت مع المدير العام للأمن اللواء عباس إبرهيم، وطلبت منه التحدث مع الجانب السوري لوقف ضخ النفط في الانبوب اللبناني، وهو فعل ذلك بسرعة والجانب السوري اعترف بالخطأ التقني من قبله.

الجانب السوري: "الخطأ تقني"

ولم تقدم فغالي إجابة مقنعة عن سبب الضخ في الخط اللبناني، خصوصاً أنه متوقف منذ سنوات طويلة، مكتفية بجواب الجانب السوري من أنّ "الخطأ تقني وهو أنهم كانوا يريدون استعمال خط آخر ربما العراقي وحدث خطأ وضخّوا في اللبناني".

النائب اللبناني السابق مصطفى علوش: هناك العديد من الشاحنات التي تنقل النفط بشكل علني إلى سوريا وكان قد تم تناقل فيديوهات وصور لها

وعما قيل عن ضخ نفط سوري عبر الأنبوب اللبناني وتهريبه لبيعه الى الخارج وإدخال دولارات الى سوريا عبر التحايل على الحصار، لفتت فغالي إلى أنّ "ما جرى ضخه هو نفط خام وليس بنزيناً أو مازوتاً، وبالتالي هو بحاجة إلى تكرير ولا منشآت تكرير في لبنان، فإذا كان الهدف هو إخراجه إلى دولة أخرى عبر لبنان فأيضاً الأمر غير متاح لأنه يحتاج إلى بواخر لإخراجه عبر البحر، والشاطئ أيضاً مراقب من قبل الجيش ولا إمكانية من إخراجه من البر".

اقرأ أيضاً: لبنان يسير إلى الخلف نحو المستقبل

ورغم "التطمينات" التي قدمتها فغالي، إلا أنّ المسؤول عن الملف الاقتصادي في الحزب التقدمي الاشتراكي، عضو مجلس القيادة محمد بصبوص، يستبعد أن يكون هذا الخطأ ناتجاً عن ضخ النفط من سوريا باتجاه الشمال، "خصوصاً أنّ دمشق تعاني من أزمة في تأمين هذه المواد"، بحسب "الشرق الأوسط" التي نقلت أيضاً تصريحاً للقيادي في "تيار المستقبل" النائب السابق مصطفى علوش، أكد فيه أنّ "التهريب من شمال لبنان إلى سوريا لا يتوقف عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية وعلى متن صهاريج في العلن أحياناً كثيرة".

على جنبلاط أن يكشف ما لديه

وشدد علوش على ضرورة أن يكشف جنبلاط ما لديه من معلومات في هذا الإطار. وقال لـ"الشرق الأوسط": "لا شيء غريباً لا على التجار ولا على النظام السوري، فالتهريب لا يتوقف بوسائل عدة. لا نعرف إذا كان قد أضيف إليها التهريب عبر الأنبوب في العبدة".

ومع تأكيده أنّ "هناك العديد من الشاحنات التي تنقل النفط بشكل علني إلى سوريا وكان قد تم تناقل فيديوهات وصور لها"، يعتبر أنّ "عدم قيام القوى الأمنية بأي خطوة في هذا الاتجاه، يعني إما تواطؤاً منها أو أنها مغلوبة على أمرها".

من جهته، قال بصبوص إنّ الكميات الكبيرة من الفيول والمازوت وغيرها تثبت حجم التهريب من لبنان، ويعطي مثالاً على ذلك بأنّ كمية الوقود التي تم استيرادها إلى لبنان لتشغيل معامل الكهرباء في عامي 2018 و2019 تساوي تقريباً أضعاف تلك التي كانت تستورد في السنوات الماضية، بينما التغذية بقيت كما هي أو حتى تراجعت في أحيان كثيرة.

اقرأ أيضاً: اللبنانيون ورحلة البحث عن الدولة في الدولة

والأمر لا يختلف، بحسب بصبوص، بالنسبة إلى مادة المازوت المدعومة بدورها من الدولة ويسجل معدل استهلاك مرتفع لها في السوق، موضحاً أنه "في عام 2011 تم استيراد مليون و117 ألف طن من المازوت، وكان المعدل الوسطي في الأعوام بين 2012 و2014 حوالي مليون و500 ألف طن، بينما وصل بين عامي 2015 و2019 إلى حوالي مليوني و500 ألف طن كمعدل وسطي".

ومع تأكيده أنّ حوالي 50 في المائة من الكمية يتم تهريبها إلى سوريا، لا سيما مع الحديث عن إمكانية رفع الدعم عنها في لبنان، يذكّر بصبوص بإقرار وزير الطاقة ريمون غجر أنّ هناك كميات من المازوت تهرّب أو تُخزن.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية