تفاؤل حذر.. ما معوقات إقرار الحل السياسي "المتفق عليه" في ليبيا؟

تفاؤل حذر.. ما معوقات إقرار الحل السياسي "المتفق عليه" في ليبيا؟


01/10/2020

بين الغردقة المصرية وبوزنيقة المغربية تتعلق عيون الليبيين، أملاً في التوصل إلى حلٍّ سياسي للخروج من النفق المظلم للأزمة الممتدّة منذ نحو 10 سنوات وأكثر، وسط موجة توقعات متفائلة بنتائج المشاورات على المستويين؛ الشعبي والرسمي، والتوافق حول فشل الحلّ العسكري في إخراج البلاد من كبوتها.

مراقبون شككوا في مدى إمكانية تحقيق نتائج مفاوضات الغردقة على أرض الواقع

وفي الغردقة اختتم، الثلاثاء، ممثلون أمنيون وعسكريون عن الشرق والغرب مفاوضات حول عدة ملفات أمنية، تتعلق بتأمين سرت وحماية الحقول النفطية وحلّ الميليشيات المسلحة وإخراج المرتزقة من البلاد، وهي القضية التي كانت وما تزال حجر عثرة أمام إقرار الحلّ السياسي، بنتائج إيجابية عكست رغبة حقيقية لدى المفاوضين لإقرار حل شامل.

تفاؤل حذر

وبالرغم من خروج التوافق المتعثر أخيراً بإقرار حلول أمنية في ليبيا تدعم المسار السياسي، إلا أنّ مراقبين شككوا في مدى إمكانية تحقيق نتائج مفاوضات الغردقة على أرض الواقع، بيد أنّ اللواء خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي، عبّر عن تفاؤله ورضاه عن مسار المباحثات، موضحاً أنّ "الهدف منها هو التوصل إلى تفاهم، ونستطيع القول إنّ استقرار ليبيا أصبح قريباً".

وأكّد المحجوب أنّ الوفدين اتفقا أخيراً على عدد من الإشكاليات، لعل أبرزها التوصل إلى أفكار حقيقية لحلّ الميليشيات، وأهمية وجود الأسلحة بيد الجيش الليبي، وتوحيد مؤسسات الدولة، مشيراً إلى أنّ المرتزقة التابعين لتركيا بدؤوا فعلياً بمغادرة ليبيا".

اقرأ أيضاً: مجلس الدولة الليبي يعرقل مفاوضات بوزنيقة... ماذا فعل؟

وأعربت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن امتنانها للحكومة المصرية لاستضافتها محادثات تجمع وفوداً أمنية وعسكرية من الأطراف المتنازعة في شرق وغرب ليبيا، وقالت في بيان لها: إنّها تتوقع أن تؤدي هذه اللقاءات المباشرة إلى نتائج إيجابية، على أن تُعرض هذه النتائج على اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة (5 + 5).

أحمد جمعة: توصيات اجتماعات الغردقة تمثل بداية لنزع فتيل الأزمة وبناء جسور ثقة بين الفرقاء

يقول الباحث المتخصص في الشأن الليبي أحمد جمعة: إنّ الأزمة الليبية تشهد تحركات متسارعة خلال الأسابيع الأخيرة، قبيل اجتماع الحوار السياسي في مدينة جنيف السويسرية منتصف تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وقد أيقنت الأطراف الإقليمية والدولية أنّ توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية قاطرة للحلّ السياسي للأزمة الليبية.

ويوضح جمعة في حديثه لـ"حفريات" أنّ توصيات اجتماعات الغردقة تمثل بداية لنزع فتيل الأزمة، وبناء جسور ثقة بين وفدي الجيش الليبي وحكومة الوفاق، وهو ما تفتقده الأطراف المتنازعة بسبب الحرب التي امتدّت لأكثر من عام، وهو ما عمّق الهوّة بين معسكري الشرق والغرب الليبي.

اقرأ أيضاً: كيف تحولت حدود ليبيا إلى ساحة لتهريب الوقود والبشر؟

ومن المقرّر أن تحسم اللجنة العسكرية المشتركة بصيغة 5+5 عدداً من الملفات العالقة حول الترتيبات الأمنية التي ستجري، وتحديداً في مدينة سرت والهلال النفطي.

هل تنجح ليبيا في توحيد جيشها؟

بالرغم من الاتفاق الليبي على تشكيل "قوّة عسكرية موحدة"، تضمّ كافة الأطراف الليبية مع ضمّ أبناء القبائل في المؤسسة العسكرية، وهو ما يتفق مع توصيات مبادرة القاهرة التي أعلنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في حزيران (يونيو) الماضي، إلّا أنّ احتمالات تحقيق ذلك ما تزال محلّ شك.

ويرى أحمد جمعة أنّ فكرة تشكيل جيش ليبي موحد تصطدم بعدّة عقبات، أبرزها عدم وجود إجراءات ثقة بين الجيش الوطني وقوات حكومة الوفاق، فضلاً عن تواجد عدد من المرتزقة السوريين والعناصر المتطرّفة، بالإضافة إلى محاولات تركية وقطرية لمنع أيّ محاولات بناء جيش ليبي، والعمل على تأسيس كيانات مسلحة تضمّ عدداً من الكتائب تتولى تأمين الحدود فقط، وهو المشروع الذي يرفضه الجانب الليبي، ويدفع نحو تشكيل جيش ليبي موحد.

من المقرّر أن تحسم اللجنة العسكرية المشتركة بصيغة 5+5 عدداً من الملفات العالقة حول الترتيبات الأمنية

كما أنّ لدى بعض الدول الإقليمية والدولية أطماعاً لإقامة قواعد عسكرية، سواء جوية أو بحرية في الأراضي الليبية، بسبب الموقع الجغرافي المتميز للدولة الليبية.

والتحدّي الأكبر الذي يواجه فكرة تشكيل جيش موحد هو محاولات تقوم بها الأمم المتحدة لدمج ميليشيات مسلحة ومرتزقة في المؤسسة العسكرية الليبية، بقيادة المشير خليفة حفتر.

الحل السياسي وتواجد تركيا

ويرى مراقبون أنّ تركيا ستسعى لعرقلة أيّ محاولة لإقرار الحلّ السياسي وتحقيق التوافق بين الفصائل الليبية؛ يقول جمعة: إنّ تركيا جزء أصيل من الصراع الليبي، ولن تنسحب أنقرة من المشهد السياسي والعسكري والاقتصادي استناداً للاتفاقات التي وقعها النظام التركي مع رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، وهو ما يؤكد أنّ أنقرة باقية في المشهد الليبي، حتى وإن اختلفت الأدوات التي تستخدم في البلاد.

اقرأ أيضاً: تسريبات تكشف كيف ينظر إخوان ليبيا إلى الحوار وحكومة الوفاق

ولفت الباحث المصري أنّ أنقرة تستخدم جيشاً من المرتزقة في عدد من مناطق النزاع والصراع لخدمة الأجندة الخاصة بها والترويج لأجندتها في المنطقة، وهو ما يدفعها نحو صدام محتمل مع قوى دولية أبرزها روسيا الاتحادية.

وقال جمعة: إنّ النظام التركي لم يسحب كافة المرتزقة السوريين الذين تمّ نقلهم إلى الأراضي الليبية، بل على العكس يتمّ سحب عناصر محترفة والدفع بعناصر أخرى من المسلحين السوريين الذين يعانون من ظروف معيشية قاسية، والمعاناة التي يعيشها أبناء الشمال السوري، بسبب السياسات التركية الهدّامة في سوريا.

هل تنسحب تركيا من ليبيا مقابل تفاهمات شرق المتوسط؟

تداول عدد من المراقبين طرحاً يذهب إلى اضطرار تركيا للتخلي عن أطماعها في ليبيا مقابل تفاهمات في مياه شرق المتوسط، خاصة في ظل تضييق الخناق عليها دولياً، لكنّ الباحث المصري استبعد هذا الطرح نهائياً، معللاً ذلك بأنّ النظام التركي لا يريد حلاً للأزمات التي تعصف بالمنطقة، بل على العكس فأنقرة لديها أطماع استعمارية، وتسعى لإحياء تاريخ الإمبراطورية العثمانية التي احتلت ليبيا 3 قرون، عانى خلالها أبناء الشعب الليبي بشكل كبير.

تحدثت مصادر ليبية عن أنّ الخلاف الرئيسي بين الطرفين يتمثل حول رئاسة المجلس الرئاسي

تركيا لديها أطماع في شرق المتوسط، ونهب ثروات الغاز التي هي حقّ أصيل لتلك الدول، ولديها أطماع في كعكة النفط والغاز واليورانيوم التي تتواجد بكميات كبيرة في الأراضي الليبية، النظام التركي يلعب دوراً لصالح أجندات دولية، ويعمل "عرّاباً" لبعض الدول، عبر استخدام مرتزقة ومتطرّفين.

المناصب السيادية تؤجل جلسات "بوزنيقة"

وبالتوازي مع مفاوضات الغردقة، ينتظر الشعب الليبي عقد اجتماع الفصائل السياسية، البرلمان الممثل للشرق ومجلس الدولة عن الغرب، الذي تأجل عدة أيام، في مدينة بوزنيقة المغربية، وسط أحاديث عن خلافات حول المناصب السيادية في الدولة.

وتحدثت مصادر ليبية عن أنّ الخلاف الرئيسي بين الطرفين يتمثل حول رئاسة المجلس الرئاسي، الذي سيمنح حسب الاتفاق صلاحيات القائد العام للقوات المسلحة، ومنصب محافظ المصرف المركزي، إلا أنّ المصادر ذاتها أشارت إلى أنه تمّ التوصل إلى حلٍّ بشأن هذا المنصب، ربما يرضي جميع الأطراف.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية