بعدما استخدمت حركة النهضة التونسية الشارع لاستعراض عضلاتها، في ظلّ تأزم سياسي واضح، عاد زخم التظاهر إلى المشهد التونسي، ما يرفع فرص التصادم ويعمّق الأزمات، مقابل انسداد فرص الحل، فقد دعت جبهة سياسية معارضة للنهضة إلى التظاهر تحت شعار "أطلق سراح تونس".
قوى ديمقراطية ومدنية تجهّز لتظاهرة يوم السبت المقبل، وفي الوقت نفسه حركة النهضة تواصل التصعيد ضدّ الرئيس التونسي، مؤكدة أنها تصطفّ خلف رئيس الحكومة هشام المشيشي.
تتواصل الدعوات للتظاهر رغم الوضع الوبائي الحرج وارتفاع عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا
وقال الناطق باسم حركة النهضة الإخوانية فتحي العيادي: "إنّ الحركة تدعم المشيشي، ولن تسحب الثقة منه"، متحدّياً كلّاً من الرئيس سعيد والمعارضة البرلمانية، وأضاف: "إذا أراد الرئيس أن يسحب الثقة، فلديه آلية دستورية، ليتقدّم إلى البرلمان للمطالبة بتصويت على ثقتها، وكذلك المعارضة، أمّا الحركة، فلن تتنازل عن دعم المشيشي.
وكانت اقتراحات قد طفت فوق السطح على مدار الأيام الماضية بتشكيل حكومة تونسية جديدة، لتكون مخرجاً للمأزق السياسي الذي يتمثل في تعطيل عمل الحكومة، في ظلّ عجز 11 وزيراً عن تولي مهامّ عملهم، ورفض الرئيس التونسي قيس سعيد استقبال الوزراء لحلف اليمين الدستوري تمهيداً لمزاولة عملهم.
ويُرجع سعيد رفضه إلى وجود شبهات فساد حول عدد من الوزراء الجدد، فضلاً عن مخالفة التعديل للقواعد الدستورية، وحصول الوزراء على ثقة البرلمان أمر ليس واجباً في التعديل، حسب الرئيس.
اقرأ أيضاً: هل يفقد الغنوشي عرش البرلمان التونسي؟
وعملياً، فإنّ التعديل الأخير استبعد من الحكومة الوزراء المحسوبين على قصر قرطاج، تعميقاً لحالة الزواج السياسي بين الحكومة وحركة النهضة التي تمثل هي وحلفاؤها الأغلبية البرلمانية؛ أي إنها تملك الضمانة لاستمرار الحكومة.
المئات من أنصار حركة النهضة الإخوانية تظاهروا السبت الماضي في توجّه واضح لاستعراض القوّة
ويرى مراقبون أنّ الأطراف السياسية المتصارعة في تونس تتجاهل حالة الغليان في الشارع، الناتجة عن تأزم الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، فضلاً عن تفشي جائحة كورونا، بالإضافة إلى صراع سياسي على السلطة والنفوذ.
وفي غضون ذلك، أفاد النائب في مجلس نواب الشعب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد، منجي الرحوي، أنّ مجموعة من المنظمات والجمعيات والأحزاب الديمقراطية تدعو إلى تنظيم مسيرة يوم السبت المقبل الموافق 6 آذار (مارس) الجاري "ضدّ السلطة الحاكمة والمنظومة القائمة على تفقير الشعب وتجويعه وقهره" تحت شعار "سيب تونس"، أو "أطلق سراح تونس".
الرحوي في تصريح لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء دعا عائلات الشباب الموقوفين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية الأخيرة، والشباب المحتج ضدّ المنظومة القائمة، للالتحاق بهذه المسيرة، قائلاً: إنّ تونس مسجونة ورهينة لعصابات حاكمة متنفذة تحاصر البلاد من كلّ الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقضائية، إلى جانب مجال الحرّيات.
اقرأ أيضاً: لماذا تريد حركة النهضة عزل الرئيس التونسي؟
ونفى أن تكون هذه الدعوة للتظاهر ردّاً على خروج أنصار حركة النهضة إلى الشارع نهاية الأسبوع المنقضي، أو أن تكون استعراضاً للقوى، موضحاً أنّ هذه المسيرة "هي مواصلة للتحركات الاحتجاجية السلمية التي انطلقت منذ بداية كانون الثاني (يناير) الماضي وتواصلت تقريباً بصفة أسبوعية ضدّ منظومة الحكم القائمة على الاستبداد والقهر الاجتماعي والاقتصادي والتضييق على الحرّيات وعلى حقّ المواطن في الاحتجاجات السلمية".
اقرأ أيضاً: في الأزمة التونسية.. فتش عن "النهضة"
وتتواصل الدعوات للتظاهر في وسط العاصمة، بالرغم من الوضع الوبائي الحرج وارتفاع عدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا، وظهور الفيروس المتحول سريع الانتشار الذي تمّ تسجيله في المملكة المتحدة ورصد أول حالات الإصابة به في تونس مؤخراً، وآخر هذه التجمعات المسيرة التي دعت إليها حركة النهضة، وشارك فيها عشرات الآلاف من أنصارها الذين قدموا من كافة الجهات، رغم الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لوقف انتشار الفيروس، ومن بينها منع التظاهر والتجمّعات والتنقل بين الجهات.
وكان المئات من أنصار حركة النهضة قد تظاهروا يوم السبت الماضي في توجّه واضح لاستعراض القوّة، وردّاً على استناد الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الشعبوية في صدامه مع الحكومة والأغلبية البرلمانية.
وبالتزامن، انطلقت تظاهرة أخرى دعا إليها الحزب الدستوري الحر، ويزيد المشهد التظاهري المنقسم في تونس من التحديات، وينذر بإمكانية حدوث صدامات شعبية، أو تظاهرات غير مسيّسة منطلقة من المعاناة المعيشية.
أوضاع متردّية
وبحسب ما أورده موقع "ميدان"، فإنه من المنتظر أن يتوجّه وزير المالية التونسي علي الكعلي مطلع شهر نيسان (أبريل) المقبل إلى واشنطن للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وللبحث عن موارد مالية عبر الاقتراض الخارجي لتحصيل موازنة البلاد لهذا العام، والتي تحتاج إلى اقتراض 18.5 مليار دينار لتمويلها.
دعت جبهة سياسية معارضة للنهضة إلى التظاهر تحت شعار "أطلق سراح تونس"
ومن جانبه، قدّم صندوق النقد توصيات لتونس لإنقاذ اقتصادها، والتقدّم في المفاوضات مع المموّلين الدوليين خلال العام الحالي، ومن بينها: الدعوة إلى تنفيذ إصلاحات واسعة النطاق للمؤسّسات العمومية، وخفض العجز المالي كهدف سياسة المالية العمومية، وتركيز السياسة النقدية على التضخم عن طريق توجيه أسعار الفائدة قصيرة الأجل، مع الحفاظ على مرونة سعر الصرف.