تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل... ما الحقائق والتوقعات؟

تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل... ما الحقائق والتوقعات؟

تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل... ما الحقائق والتوقعات؟


20/06/2023

كثفت أوساط إعلامية ومراكز بحث وتفكير استراتيجي في أمريكا وإسرائيل تسريبات مركزة تدور حول إمكانية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، بوصفها هدفاً لإدارة بايدن ولحكومة إسرائيل بقيادة نتنياهو، وقد أصبح واضحاً أنّ قضية التسريع بهذا التطبيع لم تعد مجرد تسريبات، بل تعكسها تصريحات علنية لمراكز صنع القرار في واشنطن وتل أبيب، بالإضافة إلى زيارات علنية وأخرى سرّية لمسؤولين أمريكيين إلى الرياض.

الرياض تدرك سياقات الضغوط والعروض الأمريكية وهي وإن كانت لا تمانع التطبيع مع إسرائيل من حيث المبدأ، إلّا أنّها وضعت شروطاً، إذ تربط أيّ تطبيع محتمل بحلّ للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإنجاز اتفاقية أمنية جديدة مع واشنطن

فقد كان موضوع التطبيع بين الرياض وتل ابيب أحد الموضوعات الرئيسة التي حملها وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في زيارته قبل أسابيع للرياض، وتردد أنّ بريت ماكغورك، أحد كبار مستشاري الرئيس بايدن، قام بزيارة غير معلنة إلى الرياض للغاية نفسها، ولا شك أنّ هذا التحرك الأمريكي يأتي في سياق توسيع إدماج إسرائيل في الشرق الأوسط، لا سيّما بعد المصالحة بين الرياض وطهران، التي تم إنجازها بوساطة صينية، قوبلت بـ "هواجس" أمريكية وإسرائيلية ترى في سياسات الرياض، ومعها الإمارات، ابتعاداً عن واشنطن واقتراباً من الصين وروسيا، لا سيّما بعد تعمق الخلافات بين واشنطن وعواصم خليجية بقيادة الرياض، بمرجعية تساؤلات وشكوك من الدول الخليجية تجاه حقيقة ما يوصف بعلاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن.

 خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن قبل أسابيع للرياض

واضح أنّ الهدف الأمريكي من التطبيع بين الرياض وتل أبيب لا يتوقف عند إدماج إسرائيل في الشرق الأوسط، لا سيّما بعد اتفاقات تطبيع تم إنجازها مع مصر والأردن بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، بل إنّ تسريع إنجاز هذا التطبيع مرتبط بالحملة الانتخابية للرئيس بايدن، الذي يتطلع لورقة تشكّل إنجازاً للإدارة الديمقراطية يتم استثمارها في أوساط اللوبيات اليهودية الأمريكية، على غرار ما أنجزه الرئيس السابق ترامب باتفاقات إبراهام مع الإمارات والبحرين، ولاحقاً مع المغرب والسودان. ويشكّل أيّ إنجاز بهذا الخصوص ورقة انتصار يرفعها نتنياهو بوجه خصومه، لا سيّما أنّ السلام مع السعودية شكّل أحد أبرز عناوين حملته الانتخابية، ويبدو أنّ الجهود الأمريكية الحالية غير بعيدة عن وعود قدمتها واشنطن لتل أبيب لتحقيق إنجازات بالسلام مع السعودية، مقابل قبول تل أبيب باتفاق نووي جديد، يبدو أنّه أصبح أقرب إلى الإنجاز بين واشنطن وطهران.

الرياض من جانبها تدرك سياقات الضغوط والعروض الأمريكية، وهي وإن كانت لا تمانع التطبيع مع إسرائيل من حيث المبدأ، إلّا أنّها وضعت شروطاً، إذ تربط أيّ تطبيع محتمل بينها وبين تل أبيب بحلّ للقضية الفلسطينية، يضمن إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإنجاز اتفاقية أمنية جديدة مع واشنطن، عناوينها ومضامينها الشراكة الدفاعية الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، بالإضافة إلى مساعدة أمريكية في برنامج نووي سعودي سلمي، ولا شك أنّ شروط الرياض يتم طرحها في اللقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، بصيغة تكشف عن توفر بدائل لديها، خاصة في بناء مفاعلات نووية سلمية، وتحديداً بالاتفاق مع بكين أو موسكو، وهو ما تتحفظ عليه واشنطن بشدة، حيث سيشكّل أيّ اتفاق مع الصين أو روسيا بهذا الخصوص تأكيداً لابتعاد الرياض عن أمريكا.

السيناريو الأرجح أنّ التطبيع بين الرياض وتل أبيب غير وارد في المدى المنظور، وأنّ أقصى ما يمكن أن يتم إنجازه هو إبقاء الباب مفتوحاً أمام مباحثات تدور حول التطبيع دون تحقيق إنجازات تذكر، لا سيّما أنّ توقيت مثل هذا التطبيع وسياقات إنتاجه غير متوفرة حالياً

ورغم أنّه من غير الواضح ما هي الحدود التي يمكن أن تصل إليها جهود التطبيع بين الجانبين، لكنّ المؤكد أنّ السعودية اليوم بموقف مختلف، في ظل قيادة ولي العهد السعودي، ولم يعد ممكناً لواشنطن استخدام أساليب الإملاء على الرياض، وتبدو السعودية دولة تجيد بناء سياسات براغماتية بمرجعية المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وعليه فإنّ الرياض لا تشعر بأنّها في حالة استعجال لإنجاز هذا التطبيع، وأنّها قدمت مواقف جديدة أكدت فيها وقف حالة العداء مع إسرائيل، والسماح للطيران المدني الإسرائيلي بعبور أجواء المملكة، دون أن يعني ذلك تطبيعاً مجانياً، ثم هي تدرك أنّها بموافقتها على التطبيع تقدّم خدمة لبايدن ونتنياهو، وهو ما لا تحبذه في هذه المرحلة، في ظل علاقات متوترة مع الإدارة الديمقراطية، رغم الخطابات الدبلوماسية  التي تؤكد على العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن والرياض، كما تدرك الرياض قدرتها على إدارة علاقات متوازنة ومتزامنة مع طهران وتل أبيب في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، على غرار علاقات الإمارات مع تل أبيب وطهران، وربما تتحول الرياض، في حال إنجاز تطبيع مع إسرائيل، إلى نافذة تحتضن مفاوضات سرّية بين طهران وخصومها، بدلاً من النوافذ التي تمثلها عواصم عربية وخليجية.

السيناريو الأرجح هو أنّ التطبيع بين الرياض وتل أبيب غير وارد في المدى المنظور

 تتعدّد سيناريوهات التوقعات بخصوص مآلات الوساطة الأمريكية لإنجاز هذا التطبيع في المدى المنظور، إلّا أنّ السيناريو الأرجح هو أنّ التطبيع بين الرياض وتل أبيب غير وارد في المدى المنظور، وأنّ أقصى ما يمكن أن يتم إنجازه هو إبقاء الباب مفتوحاً أمام مباحثات تدور حول التطبيع، دون تحقيق إنجازات تذكر، لا سيّما أنّ توقيت مثل هذا التطبيع وسياقات إنتاجه غير متوفرة حالياً، فمطالب السعودية الخاصة بإنشاء مفاعلات نووية سعودية سلمية قوبلت بتحفظات من قبل واشنطن وتل أبيب، ثم إنّه ليس لدى السعودية دوافع مقنعة لإنجاز تطبيع سيشكّل خدمة لبايدن قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية العام القادم، ولا لنتنياهو الذي يقود حكومة يمينية متطرفة تفرط في عقوبات جماعية ضد الفلسطينيين، وتتوسع في عمليات قتل المدنيين، بالإضافة إلى ضربها عُرض الحائط بحلّ الدولتين، وممارسة انتهاكات مكررة وممنهجة ضد الأماكن الإسلامية المقدّسة وفي مقدمتها المسجد الأقصى.

مواضيع ذات صلة:

بين الأسد وزيلينسكي... عناوين السعودية الجديدة

هل تقبل السعودية بفرنجية لتجاوز الفراغ الرئاسي في لبنان؟

عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية... ما أبعادها وانعكاساتها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية