تصدير الأعباء: كيف يوظف نتنياهو أحداث الشيخ جراح؟

تصدير الأعباء: كيف يوظف نتنياهو أحداث الشيخ جراح؟


10/05/2021

ما يحدث في حيّ الشيخ جراح على مدار الأسبوعيين الماضيين، ليس بجديد على الاحتلال الإسرائيلي وسياساته في القدس، وكذلك فيما يخص ردود فعل أهل المدينة وخاصة هذا الحيّ، الذي شكل منذ نشأته مسرحاً يومي لمقاومة منهجية الإحلال والاستيطان التي تتبعها تل أبيب.

لكن الجديد هو ركون الحكومة الإسرائيلي إلى توظيف الصراع المستدام في المدينة، وفي هذا الحيّ تحديداً في حزمة توجهات منها اعتياد مشاهد التهجير القسري وانتزاع الملكية، بل واستثمارها وتوظيفها لأغراض متعددة على مستوى الداخل والخارج.

ماهو حي الشيخ جراح؟

يقع الحيّ على مساحة حوالي 2 كم مربع، ويتبع إداريا شرق القدس، لكنه بمثابة نقطة ربط بين شرق وغرب المدينة، وذلك كونه قام على أنقاض حيّ القطمون، أولى الأحياء التي نشأت خارج أسوار البلدة القديمة، وسُميَ كذلك نسبة لأحد أطباء صلاح الدين الأيوبي المدفون فيه، ويقطنه حالياً حوالي 3000 نسمة حالياً.

دشن الحيّ (رسمياً) عبر اتفاق الحكومة الأردنية ووكالة الإنروا على تسكين عدد من اللاجئين الفلسطينيين فيه وتحديداً عام 1956، واجتاحته القوات الإسرائيلية في 1967 ضمن احتلالها لشرق القدس.

وبين 1948 و1967، شكلت هذه الرقعة الجغرافية الصغيرة خط التماس العسكري بين القوات الأردنية والقوات الإسرائيلية، وذلك كامتداد لكونها خط التماس بين الكتل الاستيطانية الصهيونية من بدايات موجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين منذ القرن التاسع عشر.

مثّل حيّ الشيخ جراح بين سنوات النكبة والنكسة جبهة متقدمة للجيش الأردني، حيث كانت القدس تابعه إدارياً لعمان، وبعد 1967 كرمز لمقاومة منهجية الاحتلال في الإحلال والاستيطان، وانتزاع الملكيات والتغيير الديموغرافي القائم على اعتبار أراضي ومباني ومنازل الحيّ مشاع للمستوطنين الصهاينة، وذلك عبر حزمة من القوانين والأحكام القضائية التي تقضي بأحقية المستوطن بإشغال أي مساحة أو مبنى في الحيّ، أي اعتبار سكانه الأصليين غير موجودين!

لماذا الأن؟

بخلاف عسف وقمع الاحتلال الإسرائيلي الذي حول الحيّ على مدار العقود الماضية إلى ما يشبه سجن مفتوح بكافة الطرق من تشريعات وتقنيات مراقبة وتضييق ممنهج حده الأدنى خشية سكانه الخروج من منازلهم لأي غرض مثل العمل أو الزيارة ومن ثم استيلاء المستوطنين عليه، فإن التصعيد المتزايد في الأسابيع الأخيرة يشي بأن هناك أبعاد أخرى أكثر من استمرارية حركة الاستيطان المعتاد، وخاصة من حيث التوقيت والوتيرة التي ترتبط بمجريات السياسة في تل أبيب وأزمة طبقتها السياسية المتفاقمة على مدار السنوات القليلة الماضية.

وتحاول حكومات نتنياهو المتعاقبة خلال العقد الماضي توظيف هذه الأزمات سياسياً بشكل شعبوي، وخاصة فيما يتعلق بتعويض القيمة الانتخابية لجمهور اليمين الصهيوني والديني منه على وجه الخصوص، حيث امتلاكهم تاريخياً للنسبة الحاسمة لتشكيل الحكومة، وهي الأهمية التي تآكلت لصالح الكتلة العربية في السنوات الأخيرة، وكذلك مؤخراً لصالح “الحركة الإسلامية في إسرائيل” وخاصة جناحها الشمالي -الإخوان المسلمون- التي حسمت تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأخيرة لصالح نتنياهو وائتلافه الانتخابي.

ماذا عن التطبيع؟

التناقض الظاهري بين الطفرة غير المسبوقة في علاقة إسرائيل بدول عربية مؤخراً، وبين التصعيد في القدس وحيّ الشيخ جراح، يدل على أن هناك أهدافاً خارجية وراء سعى تل أبيب لإحراج واستفزاز حلفائها الجدد وبالحد الأدنى على مستويات شعبية، لاسيما مع اجهاض ما عُرف بـ”صفقة القرن”، ومجيء بايدن بأولويات على صعيد استئناف عملية السلام، قد تكون معرقلة لتوجهات نتنياهو المستقبلية الخاصة بتجاوز حل القضية الفلسطينية كشرط للتطبيع مع إسرائيل.

تتنوع هذه الأهداف بين استغلال إسرائيل للخلاف الواقع بين الدول العربية عموماً وتوظيفه لصالحها، وبين توسيع التباين في رؤى واتجاهات الدول العربية المطبعة بالفعل معها حول كيفية تسيير وتطوير وتعميم هذا التطبيع، والتي تمحورت بشكل أساسي بين اتجاهين:

الأول: هو حل القضية الفلسطينية كخطوة نحو التطبيع الشامل بكافة أشكاله، سواء عبر المبادرة العربية للسلام أو بإشراف أميركي والعودة لعملية السلام أو غيرها.

الثاني: تجاوز حل القضية الفلسطينية وتحقيق التطبيع بدرجات متقدمة غير مسبوقة لاعتبارات تجعل فلسطين ككل أمراً هامشياً لا يعيق تحقيق السابق، وخاصة إذا كان متعلق بالشق الاقتصادي كاتفاقيات الغاز والاستثمارات طويلة الأمد.

وشغلت هذه المراوحة مساحة واسعة من التباين واختلاف الأولويات بين هذه الدول العربية، ومن المتوقع أن تظل كذلك في المستقبل القريب، وبالتالي وربطاً بالأحداث الحالية فإن ذلك يشي باستمرار نتنياهو في حصد مزيد من المكاسب استغلالاً لأجواء التنافس بين هذه الدول كما حدث في السنوات القليلة الماضية.

ماهي علاقة الأردن؟

علاقة الأردن بحيّ الشيخ جراح تتخطى الجانب التاريخي المتعلق بكونه الحيّ نشأ وأزدهر تحت الإدارة الأردنية للقدس وخاصة في الفترة ما بين 1948 و1967، حيث لاتزال عمان تحظى بالإشراف على المقدسات الإسلامية فيها، وهو الأمر الذي حدث في الآونة الأخيرة تدهوراً في التنسيق بينها وبين تل أبيب لتسييره وصل إلى حد منع ولي العهد الأردني من دخول المدينة، ورفض عمان مرور طائرة نتنياهو في الأجواء الأردنية قبل أكثر من شهر، وهو ما يعكس خشية الأردن على دور وظيفي يتعلق بالسابق، بالإضافة إلى احتمالية إحياء سيناريوهات صهيونية قديمة متعلقة بتهجير ما تبقى من فلسطيني القدس إلى الأردن وذوبانهم في جغرافيا وديموغرافيا ليست غريبة عنهم، ومن ثم تموضع الأردن وباقي الدول العربية المطبعة كمستقبل لتناقضات وأعباء أزمات إسرائيل الداخلية المزمنة، وتحمل كُلفة بقاء نتنياهو في الحكم.

عن "مركز الإنذار المبكر"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية