
يواجه المسار السياسي الذي خطه فريق رئيس دولة تشاد، محمد ديبي إتنو، تحديات جمة تتمثّل في غياب الشرعية عن نظام حكمه، رغم الاتفاق مع مجموعة حركات وأحزاب سياسية على المشاركة في السلطة الانتقالية، تحت دعوى اتفاق سلام الدوحة، ومجريات الحوار الوطني.
وشهد اليوم الأخير للفترة الانتقالية الأولى في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، أعمال عنف وشغب واسعة، خلفت عشرات القتلى ومئات المصابين، على خلفية إطلاق القوات الأمنية النار على المظاهرات التي خرجت في العاصمة وعدة مدن تنديداً بتمديد المرحلة الانتقالية ومخرجات الحوار الوطني بشكل عام، التي شرعنت بقاء الجنرال في السلطة، ومنحته حقّ الترشح في الانتخابات المقبلة.
50 قتيلاً
وقدرت السلطات التشادية حصيلة ضحايا الاشتباكات التي وقعت بين المتظاهرين المحتجين على مخرجات الحوار الوطني وقوات الأمن بنحو نحو 50 قتيلاً، سقطوا في مدن؛ إنجامينا وموندو وكومرا، وجرح أكثر من 300 شخص، وفرضت السلطات حظر التجول الجزئي في البلاد، ويرتفع عدد القتلى إلى 200 شخص بحسب بيانات من المعارضة، التي تهم الحكومة بقتل العشرات داخل السجون.
وخرجت المظاهرات على الرغم من رفض السلطة الإخطار الذي قدمته أحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني لتنظيم الاحتجاجات، كوّنه لم يستوفِ الإجراءات القانونية، بحسب السلطات التي تعهدت بمواجهة أي انفلات بحزم وقوة. وصرح رئيس الوزراء الجديد، صالح كيبزابو، المُعين في 14 من الشهر الجاري، تنفيذاً لمخرجات الحوار الوطني: "سنفرض النظام في كامل البلاد، ولن نتسامح بعد الآن مع أي انزلاق أياً كان مرتكبه".
ويقول الكاتب السياسي التشادي، يوسف محمد أحمد: "السبب الرئيسي لاستخدام الرصاص الحي ضد المتظاهرين السلميين في هو قمع الحريات بشكل عام وتخويف الشارع العام". وأفاد لـ"حفريات"، بأنّ المتظاهرين اقتحموا مقر حزب الاتحاد الوطني من أجل التجديد (UNDR)، الذي يرأسه صالح كيبزابو، وكذلك مقر إقامة رئيس جلسات الحوار السيادي، وأوضح أنّ "هذه العملية ليست الأولى من نوعها في الفترة الانتقالية، تم استخدام الرصاص الحي في الحراك الشعبي الذي شهدناه في مدينة أبشة شرقي البلاد، مما أدى إلى مقتل العشرات وكذلك في مدينة فايا لارجو".
ويقول الصحفي التشادي، طاهر زين: "هذه الأحداث تنعكس سلباً على الفترة الانتقالية، وعلى مسيرة ديبي الدموية، التي بدأت منذ وقت وجيز، لكنها تعاني عقبات كبيرة أمامها". وأضاف لـ"حفريات": "الأحداث خرجت من الواقع الأليم الذي يعيشه كل شعب تشاد، و تؤثر على شعبية ديبي، وتنعكس سلباً على الواقع، لهذا يجب تشكيل مخرج آمن من الأزمة، بتكاتف المجتمع الدولي".
الجنرال ديبي الابن الطامع بشدة في السلطة لن يتورع عن استخدام العنف، للفتك بخصومه المسلحين والمدنيين من أجل تثبيت أركان حكمه، مدعوماً في ذلك من فرنسا
وتتبنى السلطة في تشاد رواية تتهم المعارضة والمتظاهرين بالمخربين وإتباع أجندات دولية. وتبعاً لذلك قررت الحكومة تعليق أنشطة سبعة أحزاب سياسية، شاركت في تنظيم المظاهرات التي شهدتها البلاد، وسقط فيها ضحايا. وبحسب القرار فإنّ الحظر يستمر لثلاثة أشهر، ويشمل كلاً من (حزب المتحولون، الحزب الاشتراكي بلا حدود، حزب التقدم، الجبهة الشعبية من أجل الفيدرالية، والتجمع من أجل العدالة والمساواة بين التشاديين، حزب الديمقراطيين من أجل التجديد، وحزب الوطنيين). فضلاً عن حظر أنشطة منصة وكت تما، التي تنضوي تحتها العديد من مؤسسات المجتمع المدني، والتي كان لها الدور الأبرز منذ مقتل الرئيس السابق، إدريس ديبي.
من جانبه، أدان زعيم حزب المحولين، سكسي مسرا، عنف القوى الأمنية، وقال "غداً سنفتح صفحة جديدة لدولتنا، وسنعلن عن حكومتنا الجديدة التي تمثل الشعب، ونطالب من الشركاء الدوليين الوقوف مع الشعب التشادي"، ويُتهم الحزب من السلطات وقطاع من التشاديين بجرّ البلاد إلى الفوضى.
وعلق زعيم الحزب الاشتراكي بلا حدود، الجنرال السابق في الجيش، يحيى ديلو جيرو: "اليوم يوم مأساوي. نناشد المجتمع الدولي كالاتحاد الأفريقي والأوروبي والأمم المتحدة ودولة بريطانيا بفرض عقوبات على السلطات الحاكمة بسبب إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين".
وأثار ارتكاب متظاهرون أعمال شغب وتخريب رفضاً واسعاً بين النشطاء، وطال التخريب العديد من الممتلكات العامة والخاصة.
مصير سلام الدوحة
وبعد مقتل الرئيس إدريس ديبي إتنو في 20 نيسان (أبريل) 2021، تشكّل مجلس عسكري تولّى قيادة البلاد، برئاسة الضابط الصغير محمد إدريس إتنو، ابن الرئيس الراحل، بعد حصوله على رتبة فريق في سلسلة ترقيات غير معهودة. وحاز الجنرال الشهير بـ (محمد كاكا) على مباركة فرنسية وقبول أفريقي كواقع لمرحلة انتقالية، بينما رأى قطاع واسع من المعارضة داخل البلاد وخارجها أنّ ما حدث انقلاب على الشرعية، والتي بحسب الدستور تجعل من رئيس الجمعية الوطنية رئيساً للبلاد، بعد خلوّ منصب الرئاسة بمقتل إدريس ديبي، لحين إجراء انتخابات رئاسية في غضون 45 - 90 يوماً.
وأعلن المجلس العسكري الانتقالي برئاسة ديبي الابن عن مرحلة انتقالية مدتها 18 شهراً، تجري بعدها انتخابات حرة وديمقراطية وشفافة، وحلّ البرلمان والحكومة. ودعا محمد كاكا الذي شكل حكومة انتقالية في مايو 2021 ضمت وجوه من المعارضة السياسية إلى حوار وطني شامل، واستقبل رموز من المعارضة في الخارج.
وفي آب (أغسطس) 2021، جرى الإعلان عن تشكيل اللجنة المنظمة للحوار الوطني الشامل، بقيادة الرئيس السابق للبلاد، قوكوني وداي، وأُلحقت بها لجنة أخرى باسم اللجنة الفنية الخاصة المتعلقة بمشاركة المعارضة السياسية العسكرية في الحوار الوطني الشامل، للعمل على تسهيل مشاركة المعارضة العسكرية بصفة خاصة.
وعقب شهور من التأخير، انطلقت الجولة التمهيدية للحوار الوطني الشامل في العاصمة القطرية، الدوحة، وشاركت فيها معظم الحركات السياسية والمسلحة المعارضة، بدايةً من 13 آذار (مارس) 2022 حتى انتهاء المشاورات في 30 تموز (يوليو) الماضي، ليتبعها الإعلان عن اتفاق الدوحة للسلام، والذي وقعه كاكا مع عدد 42 من الحركات والأحزاب المعارضة، في 18 آب (أغسطس) الماضي.
الصحفي التشادي طاهر زين لـ"حفريات": تصدي السلطة للمظاهرات كان واضحاً منه رغبة في الانتقام وكأنّ السلطة رافضة تماماً لأي تحركات ومعارضة في هذه الفترة
بينما امتنعت 18 حركة مسلحة وحزباً معارضاً عن التوقيع على الاتفاق، وأعلنت عن تشكيل تجمع باسم "الإطار الدائم للتشاور والتفكير".
وعقدت جلسات الحوار الوطني الشامل والسيادي في العاصمة، إنجامينا، من 20 آب (أغسطس) حتى الثامن من الشهر الجاري، على مدار 45 يوماً، بحضور أكثر من ألف مشارك من جميع الفئات الممثلة في هذا اللقاء، بحضور؛ 217 حزب سياسي من بين 227 حزب مسجل لدى الدولة، ومئات من المراقبين الدوليين، و19 من وسائل الإعلام الدولية، وجميع الوسائل الإعلامية المحلية، بحسب تصريحات رئيس الهيئة الرئاسية للحوار، قالي قاتا قوتي.
ومن ضمن مخرجات الحوار؛ تمديد الفترة الانتقالية إلى عامين، حلّ المجلس العسكري، وتعيين الجنرال محمد ديبي رئيساً للمرحلة الانتقالية، تشكيل حكومة وحدة وطنية من السلطة والمعارضة، تشكيل المجلس الوطني، وتوزيع الحصص بين المشاركين في الحوار الوطني.
ولم تلق هذه المخرجات رضا من القوى المعارضة، سواء الحركات المسلحة أو الحزبية، والأخيرة تنشط بشكل كبير في الحراك السلمي داخل المناطق الحضرية. وتبعاً للحوار جرى تنصيب محمد كاكا رئيساً انتقالياً للبلاد، وتعيين حكومة جديدة برئاسة صالح كيبزانو، وسيتبعها تشكيل المجلس الوطني بالشراكة بين السلطة والمعارضة.
ويرى الصحفي التشادي، طاهر زين، أنّ ما حدث في الحوار "ليس مخرجات، إنما كانت خطوة لتقاسم السلطة بين المجموعة الموقعة على اتفاق الدوحة والمجلس العسكري الانتقالي، الذي نجح في مخطط إضفاء الشرعية على حكمه من خلال المؤتمر، بعد حصوله على إجماع بتمديد الفترة الانتقالية، وإمكانية ترشحه في الانتخابات".
وأوضح أنّ المعارضة استفادت بشكل محدود، ولم تنل إلا حصة بسيطة في الحكومة. وذكر أنّ "السلطة منحت حقائب وزارية لأحزاب وشخصيات موالية له، لكنها تلبس ثوب المعارضة".
العنف الأمني
ولا يحظى المسار الذي اتخذه ديبي الابن برضا الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة ودول أخرى، ومن المؤكد أنّ موقف الأمم المتحدة لن يختلف عن هذه المواقف، حيث رفضت هذه الأطراف تمديد الفترة الانتقالية، وترشيح العسكريين في الانتخابات المقبلة.
ومع وجود ثلاث من بين أربع حركات مسلحة في البلاد في صف المعارضة، وعلى رأسها حركة فاكت، إلى جانب المعارضة السياسية في الداخل، وعلى رأسها حزب المحولون، فإنّ الجنرال ديبي الطامع بشدة في السلطة لن يتورع عن استخدام العنف، للفتك بخصومه المسلحين والمدنيين من أجل تثبيت أركان حكمه، مدعوماً في ذلك من فرنسا التي لم يبق لها من حلفاء في مستعمراتها السابقة سوى القليل، كان من أهمهم الجنرال ديبي الأب، واليوم يخلفه ابنه محمد.
وبدوره أشار الكاتب السياسي، يوسف محمد أحمد، إلى أنّ حزب المحولين يعتبر "جزءاً من القوى المدنية الحية التي حركت الشارع العام ضد توريث السلطة والمطالبة بحكومة يقودها مدنيون، ورفض التوقيع على اتفاق السلام في الدوحة، ولم يشارك في الحوار السيادي ولا الحكومة الانتقالية، حيث لم ير في الحوار إلا مسرحية لتوريث السلطة، لن تجلب الاستقرار والسلام الحقيقي".
وأكد على أنّ "تنصيب ديبي الابن رئيساً للبلاد لا يساهم في الاستقرار السياسي، ويكشف أنّ الجيش الذي تهيمن عليه عائلة ديبي، وبمساندة فرنسية، هم من جعلوا ديبي الابن رئيساً"، لافتاً إلى وجود معارضة داخلية مدنية شرسة من أحزاب مدنية، ومعارضة مسلحة متمثلة في الحركات المسلحة التي تنشط في الجنوب الليبي، تعارض مخرجات الحوار اسيادي.
وبحسب الكاتب التشادي، فإنّ التحول الديمقراطي الحقيقي يتطلب الرجوع إلى النظام الدستوري، وتسليم السلطة لجهة مدنية، وإتاحة الفرصة للحياة الحزبية، وإبرام إتفاقية سلام مع الحركات المسلحة، وتكوين جيش وطني وبناء مؤسسات قوية.
ومن جانبه، أشار الصحفي طاهر زين، إلى أنّ الفترة الانتقالية تشهد انتهاكات واسعة تتعلق بحقوق الإنسان؛ حيث الاعتقالات والتعذيب والقتل بدم بارد في السجون. وأكد أنّ "تصدي السلطة للمظاهرات كان واضحاً منه رغبة في الانتقام، وكأنّ السلطة رافضة تماما لأي تحركات ومعارضة في هذه الفترة، حيث يسعى ديبي لتأمين سلطته الجديدة".
ولقي الرئيس السابق، المشير إدريس ديبي إتنو، مصرعه أثناء إشرافه على القتال بين الجيش وقوات المعارضة المسلحة "فاكت" في شمال البلاد، وتولى بعده السلطة ابنه محمد، عبر رئاسته المجلس العسكري الانتقالي.
مواضيع ذات صلة:
- الحوار الوطني في تشاد: بناء الدولة أم شرعنة التوريث؟
- ليبيا: هل وفّرت جماعة الإخوان ملاذات آمنة للمرتزقة التشاديين؟