تشاؤم ليبي بشأن جمع الفرقاء: التغيير لا يتم إلا بالقوة

تشاؤم ليبي بشأن جمع الفرقاء: التغيير لا يتم إلا بالقوة

تشاؤم ليبي بشأن جمع الفرقاء: التغيير لا يتم إلا بالقوة


02/11/2022

جاء قرار مجلس الأمن الدولي الأخير بشأن ليبيا ليؤكد على الثوابت الأممية نحول الحلّ السياسي، وهي خطوة لاقت إعجاب الكثير من الليبيين، وخضعت لتوظيف الفرقاء السياسيين؛ حيث اعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، أنّ القرار يقطع الطريق على جهود مجلس النواب والدولة لاستبداله بحكومة جديدة.

ويبدو أنّ المجتمع الدولي أمام الفرصة الأخيرة لحلحة الجمود السياسي الذي يهدد بالعودة إلى الصراع المسلح، في ظل إخفاق جهود التوصل إلى تسوية دستورية للذهاب نحو الانتخابات العامة، التي باتت محل اتفاق واجماع الليبيين.

تمديد ولاية البعثة

ونجح مجلس الأمن الدولي في اعتماد قرار بالاجماع رقم (2656) ينصّ على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) لعام آخر، حتى 31 تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2023، بعد الإخفاق في جلسات سابقة على ذلك، وتمديد ولاية البعثة لمدد قصيرة.

وشهد الاجتماع الذي عقد في 28 من الشهر الماضي، تقديم الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم، عبد الله باتيلي، أول إحاطة له أمام المجلس منذ توليه منصبه مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي.

عبد الله الديباني: خطة عمل منهجية

وأكد مجلس الأمن الدولي في قراره على التزامه القوي بعملية سياسية شاملة بقيادة ليبيا وملكيتها، تيسرها الأمم المتحدة، بما في ذلك إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وطنية حرة ونزيهة وشفافة وشاملة في جميع أنحاء البلاد في أقرب وقت ممكن.

وأعرب المجلس عن أسفه لأنّ عدداً من النتائج التي تمخض عنها منتدى الحوار السياسي الليبي لم تتحقق بعد، وأكد أنّ الأهداف والمبادئ الحاكمة لخريطة طريق المنتدى لا تزال مقترنة بالعملية السياسية.

وشدد مجلس الأمن على أهمية إجراء حوار وطني وعملية مصالحة شاملة وجامعة تستند إلى مبادئ العدالة الانتقالية، ورحب بالجهود التي يبذلها المجلس الرئاسي لبدء عملية المصالحة الوطنية، بدعم الاتحاد الأفريقي، بما في ذلك تسهيل اجتماع حول المصالحة الوطنية في ليبيا في الأشهر المقبلة.

المجتمع الدولي أمام الفرصة الأخيرة لحلحلة الجمود السياسي الذي يهدد بالعودة إلى الصراع المسلح، في ظل إخفاق جهود التوصل إلى تسوية دستورية للذهاب نحو الانتخابات العامة

ودعا المجلس جميع الأطراف إلى تنفيذ اتفاق 23 تشرين الأول (أكتوبر) 2020 لوقف إطلاق النار بشكل كامل، بما في ذلك خطة العمل التي وافقت عليها اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) في جنيف، والتي من المفترض أن تنفذ بشكل متزامن ومرحلي وتدريجي ومتوازن. كما حث الدول الأعضاء على احترام ودعم تنفيذه الكامل، بما في ذلك من خلال انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة من البلاد دون مزيد من التأخير، والاحترام الكامل لسيادة ليبيا واستقلالها وسلامة أراضيها ووحدتها الوطنية.

ويرى الباحث القانوني والسياسي الليبي، عبد الله الديباني، أنّ التراتبية التي جاءت بها فقرات القرار بمثابة "خطة عمل منهجية". وأضاف لـ"حفريات" بأنّ الفقرة الثانية من القرار نصّت على إنشاء آلية بقيادة ليبية لتحديد أولويات الإنفاق وضمان إدارة عائدات النفط والغاز بطريقة شفافة وعادلة وخاضعة للمساءلة، ما يعني أنّ هناك مبادرة ستعود من جديد ولكن بإدارة ليبية محايدة، وستكون مدعومة بقرار دولي، من مهامها تحديد أوجه الإنفاق وإدارة الحسابات الخاصة بعوائد النفط والغاز، وستكون برقابة دولية مهمتها المساءلة والعقاب.

وأشار إلى أنّ هناك دلالة للتوجه نحو تعديل خريطة الطريق الصادرة من ملتقى الحوار السياسي، وهذا التعديل يتطلب إعادة تشكيل لجنة الحوار، خصوصاً أنّ عدداً من أعضائها تقلدوا مناصب سياسية وآخرين تورطوا في شبهات رشاوى.

المشري وبوريطة وعقيلة صالح في بوزنيقة

وشدد الديباني على أنّ قرار مجلس الأمن اعتبر خريطة الطريق المنبثقة عن الحوار السياسي في جنيف بمثابة "مرجعية المرحلة التمهيدية، ولا يجوز تجاوز بنودها".

وحث قرار مجلس الأمن الدولي المؤسسات السياسية الليبية وأصحاب المصلحة الرئيسيين على الاتفاق على "خريطة طريق" لإجراء الانتخابات في أقرب وقت ممكن في جميع أنحاء البلاد، على أساس دستوري وقانوني، من خلال الحوار والتسوية والمشاركة البناءة، بطريقة شفافة وشاملة، بهدف تشكيل حكومة ليبية موحدة قادرة على الحكم في جميع أنحاء البلاد وتمثيل الشعب الليبي بأكمله.

الباحث الليبي عبد الله الديباني لـ"حفريات": جاءت الفقرة رقم (7) من القرار الدولي بشأن الانتخابات فضفاضة، ما يعني أنّ عقد الانتخابات غير وارد قريباً

ومن جانبه، قال المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: "بيان مجلس الأمن الدولي أشار في أحد نصوصه للمادة السادسة في الفقرة (10) منها لاتفاق جنيف بمنع الحكومة من توقيع اتفاقات دولية طويلة الأمد تترتب على الدولة الليبية، يشير تماماً لعدم شرعية إتفاقية العار التي وقعها الدبيبة مع تركيا ورفض الاعتراف الدولي بها".

وأوضح قشوط لـ"حفريات" أنّ "هذا النصّ لم يأت حباً في ليبيا، بل يعكس حالة التوتر التي شعرت من خلالها كل دول المتوسط بالضرر الذي سيطال مصالحها نتيجة محاولة تركيا فرض حدود بحرية لا قانون ولا تاريخ لها مع ليبيا".

إجراء الانتخابات

وأفاد الباحث الليبي، عبد الله الديباني بأنّ قرار مجلس الأمن في فقرته الخامسة نصّ على إعداد قاعدة دستورية بالتوافق بين المؤسسات الليبية وأطراف المصلحة. وأوضح أنّ هذا يعني "ضرورة التوافق ما بين مجلس النواب ومجلس الدولة على تعديل الإعلان الدستوري، وهو مانصت عليه الفقرة (12) من المبادئ الحاكمة للاتفاق السياسي الموقع عام 2015".

وتابع الديباني بأنّ القرار الدولي جعل عملية المصالحة الوطنية مقصورة على المجلس الرئاسي الليبي برعاية الاتحاد الأفريقي فقط. ولفت إلى أنّ "منح الاتحاد الأفريقي الرعاية والإشراف على هذا المسار دلالة على فشل كل محاولات البعثة الأممية والاتحاد الأوروبي في وضع أدبيات هذا المسار واستراتيجيته، واعتراف بأنّ الاتحاد الأفريقي يستطيع وضع ذلك لقربه من الخريطة الديموغرافية الليبية وتركيبتها القبلية".

محمد قشوط: لم يحدث أي تغيير للمشهد السياسي في ليبيا منذ 2014 إلا بالقوة

ومن جانبه، رحب المجلس الرئاسي الليبي بقرار مجلس الأمن الدولي، ووصفه بأنّه يحث الأطراف الليبية كافة على "إعلاء مصلحة الوطن، ووضعها فوق كل الاعتبارات، والتعاون مع البعثة الأممية لاستكمال مقررات الحوار السياسي الليبي، وصولاً إلى تحقيق الاستقرار السياسي، وإنهاء المراحل الانتقالية، وتقريب اليوم الذي تقام فيه الانتخابات، تحقيقاً لخطوات استكمال بناء الدولة الديمقراطية المدنية، وجعلها واقعاً معاشاً في ليبيا".

ورحبت الحكومة المُكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، بالقرار، وقالت في بيانها، إنّ القرار نصّ على "خطوات تساعد الليبيين في إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت حكومة موحدة قادرة على بسط سلطتها على كامل التراب الليبي وعبر اتفاق ليبي ليبي".

وفي السياق ذاته، اعتبر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، المُنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، أنّ دعوة القرار لإجراء الانتخابات على أساس دستوري سريع ضمن تمسكه بخريطة الطريق، يعني بكل وضوح أنّ "السلطة التنفيذية الحالية هي جزء أساسي في آخر مرحلة انتقالية ما قبل الذهاب للانتخابات". وهي تصريحات تأتي في سياق صراعه مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، بعد اتفاقهما في بوزنيقة في المغرب على تشكيل حكومة جديدة، بدلاً عن حكومتي الدبيبة وباشاغا.

ولا يتفاءل الباحث القانوني والسياسي، عبد الله الديباني، بقدرة البعثة الأممية على إنجاح عقد الانتخابات في وقت قريب، وقال: "جاءت الفقرة رقم (7) من القرار الدولي بشأن الانتخابات فضفاضة، ما يعني أنّ عقد الانتخابات غير وارد قريباً؛ حيث لم تقترن بوقت محدد".

جمود سياسي

وأكد على أنّ "الاستحقاق الانتخابي مازال بعيد المنال؛ بسبب عدم التوافق على ذلك بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، كما أنّ الوضع السياسي سيكون على نفس الوضع الراهن مع إثارة بعض الموضوعات منها إعادة تشكيل لجنة الحوار وخلق جو توافقي ما بين مجلس النواب والدولة حول المناصب السيادية".

وذكر أنّ ما يمكن تحقيقه برعاية البعثة الأممية خلال الفترة المقبلة لن يتجاوز "احتمال التوافق على حكومة جديدة تنهي الانقسام السياسي في السلطة التنفيذية، حتى تضع الحرب الروسية الأوكرانية أوزارها، مع استمرار إدارة إيرادات النفط ليبياً في الظاهر، وبيد المجتمع الدولي حقيقةً".

ولا يتفق المحلل السياسي، محمد قشوط، مع النهج الدولي الذي يرى حلاً للأزمة بشكل سلمي، وقال: "لم يحدث أي تغيير للمشهد السياسي في ليبيا منذ 2014 إلا عن طريق القوة؛ بدايةً من سيطرة ميليشيات فجر ليبيا على العاصمة، وإعادة المؤتمر الوطني للواجهة وتمكين حكومة الغويل بعد طرد مجلس النواب المنتخب والحكومة المنبثقة عنه، كما أنّ تحرك القوات المسلحة نحو العاصمة في عام 2019 كان سبباً في تغيير حكومة فائز السراج، ونفس الأمر مع الدبيبة الذي لن يسلم السلطة لأي حكومة حتى لو كانت مدعومة دولياً".

وأفاد بأنّ "رفض الحل العسكري دولياً بسبب الخوف من سيطرة القوات المسلحة على كامل التراب الليبي، بما يعني نهاية لنفوذهم وإدارتهم للملف الليبي".

وتولى المبعوث الدولي، عبد الله باتيلي مهامه رسمياً في 25 أيلول (سبتمبر) الماضي، ووصل إلى طرابلس في 14 تشرين الأول (أكتوبر). وفي بيان صدر فور وصوله، قال باتيلي إنه سيبدأ بالانخراط مع الأحزاب الليبية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والنساء والشباب. كما أشار إلى أنّ أولويته هي "تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين."

مواضيع ذات صلة:

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة

باشاغا يعلن بدء عمله في سرت... هل تتجه ليبيا إلى الانقسام؟

الإخوان المسلمون: انتهازيّة في تونس ومراجعات في المغرب وانقسام في ليبيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية