تركيا: ماذا بعد "من صفر مشاكل" إلى "صفر أصدقاء"؟

تركيا: ماذا بعد "من صفر مشاكل" إلى "صفر أصدقاء"؟


23/02/2022

يتداول المراقبون مقاربات لسلوك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد سلسلة من التحديات التي خاضها الزعيم التركي "المغامر" الذي يحلم باستعادة مجد الإمبراطورية العثمانية.

ويعتقد هؤلاء أنّ سياسة أردوغان باستخدام المجابهات الخشنة باستخدام القوة العسكرية قد أنهكت الاقتصاد التركي، وأضرت بالسياسات المالية لأنقرة، لذا حاول الرئيس التركي إعادة ترميم العلاقات مع دول الجوار، إذ كانت آخر هذه المحاولات الزيارة التي وصفت بـ"التاريخية" إلى دولة الإمارات العربية المتحدة التي يرى كثيرون أنها ستكون بمثابة طوق نجاة تقدمه أبوظبي لإنقاذ أردوغان، وتعميق الرغبة بـ"فتح صفحة جديدة" وتعلُّم أردوغان من أخطاء الماضي.

اقرأ أيضاً: زيارة أردوغان إلى الإمارات ودوافع الاقتصاد والسياسة والأمن

تركيا اضطرت إلى اعتماد مقاربة جديدة في الخارج، مما يوفر فرصة قيّمةً، يجب على الولايات المتحدة وأوروبا انتهازها بسرعة، كما يقول الباحثان ريتش أوتزن وسونر جاغابتاي، في مقال مشترك بعنوان "العصر الثالث للسياسة الخارجية لأردوغان" نشره معهد واشنطن.

ريتش أوتزن ( كولونيل متقاعد) وهو مستشار جيوسياسي يعمل حالياً كزميل أقدم في "مؤسسة جيمس تاون". أما سونر جاغابتاي فهو زميل "باير فاميلي" ومؤلف كتاب "سلطان في الخريف: أردوغان يواجه قوات تركيا التي لا يمكن احتواؤها".

محور أردوغان المحبَط

ويرى الكاتبان أنّ السياسة الخارجية التركية في عهد الرئيس رجب طيّب أردوغان مرّت بعددٍ من التحوّلات الحادة منذ عام 2003، إذ عمد أردوغان إلى تقييم الديناميات العالمية والمحلية وتغيير اتجاه البلاد بصورة متأرجحة بين أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط.

 ويبدو أنّ تركيا تشرف الآن على منعطفٍ آخر في السياسة الخارجية، مستندةً إلى محور أردوغان المحبَط في الشرق الأوسط منذ عام 2011، أي بالتحديد فشله في استغلال الثورات العربية، والاقتصاد التركي المتباطئ، الذي يزعزع قاعدة أردوغان ويرغمه على إدارة وجه تركيا نحو أوروبا والغرب، اللذين تتكامل معهما اقتصادياً. أما هدفه فهو: إعادة إرساء العلاقات مع بلدان الخليج الغنية وإسرائيل، وإنشاء سرد من العلاقات الطيبة مع الغرب من أجل جذب الاستثمار، والعودة إلى النمو الاقتصادي، وإعادة بناء قاعدته للفوز في انتخابات عام 2023

اقرأ أيضاً: أردوغان في العاصمة الأوكرانية: هل يحمل طوق نجاة أم يبحث عنه؟.

وفي أعقاب زيارته الأولى من نوعها إلى الإمارات منذ نحو 10 سنوات، وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الزيارة بأنها ناجحة، وكتب في حسابه عبر تويتر "أنهينا اليوم بنجاح الزيارة التي أجريناها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة".

يعاني الاقتصاد التركي حالياً من ضغوط هائلة ومن انخفاض في قيمة الليرة بشكل كبير خلال العام الماضي، وارتفاع معدلات التضخم بنسبة 25 في المئة

وقال أردوغان: "خلال الاجتماعات التي عقدناها، أظهرنا إرادة مشتركة قوية فيما يتعلق بتطوير العلاقات وزيادة الاستثمارات، ووقعنا 13 اتفاقية تعاون".

وأوضحت قناة TRT عربي، التركية الرسمية أنّ البلدين وقعا اتفاقيات في مجالات الصناعات الدفاعية والصحة وتغير المناخ والصناعة والتكنولوجيا والثقافة والزراعة والتجارة والاقتصاد والنقل البري والبحري والشباب وإدارة الكوارث والأرصاد الجوية والاتصالات والمحفوظات.

اقرأ أيضاً: تظاهرات واعتقالات.. أزمة الليرة التركية تتفاقم والبنك المركزي ينتهج سياسات فاشلة

وأشارت "TRT" إلى أنّ الاتفاقيات الموقعة، تشمل مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الاستثمار، وخطاب نوايا بشأن بدء اجتماعات التعاون في الصناعات الدفاعية.

 ويبلغ حجم التعاون التجاري بين البلدين 8 مليارات دولار، حسب تصريحات سابقة لأردوغان.

ماذا تتوقع وكالة "الأناضول"؟

وتتوقع وكالة "الأناضول" الرسمية أن يؤدي تطوير علاقات أنقرة وأبوظبي إلى "مساهمات مهمة في الاقتصاد التركي كون الإمارات تعد العاصمة التجارية والاقتصادية للشرق الأوسط وجنوب آسيا وحتى أفريقيا. وسيؤدي وصول البضائع التركية بسهولة للسوق الإماراتية، إلى تعزيز القوة التنافسية الاقتصادية لتركيا في مناطق الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا".

ولفتت الوكالة التركية إلى أنه "يمكن التوقع بأنّ المشاكل الاقتصادية التي سببها التراجع الحاصل خلال السنوات الأخيرة في الاستثمارات المباشرة في تركيا ستقل مع الاستثمارات التي ستأتي من الدول الغنية بالنفط مثل الإمارات..".

 

اقرأ أيضاً: الميليشيات التابعة لتركيا ترتكب جرائم وانتهاكات بحق السوريين.. هذه أبرزها

وصل أردوغان إلى السلطة في تركيا قبل 19 عاماً، فكان رئيساً للوزراء حتى عام 2014 ورئيساً منذ ذلك الحين. ويمكن تقسيم سياسته الخارجية حتى الآن إلى مرحلة ابتدائية اتسمت بالتعددية الطموحة على صعيد الأطراف مع ميل قوي إلى موالاة "الاتحاد الأوروبي"، وحقبة لاحقة متجذرة في القوة الصلبة والمساومة الحازمة، ودعم جماعة الإخوان المسلمين، والميل إلى الشرق الأوسط. وشكّل كلا النهجين استجابتين منطقيتين إزاء تبدّل الديناميات الدولية والمحلية والإقليمية. وتغيّرت هذه الديناميات مجدداً في عام 2022، مشيرةً إلى حدوث تطوّر ثالث.

اقرأ أيضاً: كم كبش فداء يحتاج أردوغان لتبرير انهيار الاقتصاد؟

وبحسب أوتزن وجاغابتاي، تواجه تركيا حالياً مشهداً متغيراً في عام 2022، وبالتالي يبدو أنها تُحوّل اتجاهها للمرة الثالثة، بعيداً عن السياسة الواقعية الأحادية الجانب، وتعود إلى اتباع نهجٍ أكثر دقة ومتعدد الأطراف. وهناك ستة عوامل رئيسية تقود عملية التكيف الحالية وهي: تقليص النفقات الأمريكية؛ والحاجة إلى تعزيز الصادرات والاستثمار الأجنبي من أجل إنعاش النمو الاقتصادي؛ والحاجة إلى التعزيز الدبلوماسي للمكاسب المحققة في الانتصارات العسكرية الأخيرة في ليبيا وسوريا وجنوب القوقاز؛ والحاجة إلى عكس اتجاه التحالفات المناهضة لتركيا في المنطقة؛ وازدياد المنافسة الإقليمية لأنقرة مع روسيا وإيران؛ والانتخابات الرئاسية الوشيكة في عام 2023.

ماذا أنتجت القوة الصلبة التركية؟

وأدى التطبيق الناجح للقوة الصلبة التركية إلى ظهور مجموعة جديدة من المشاكل هي: زيادة التعاون الأمني ​​بين اليونان والعرب وإسرائيل حول تركيا، واتخاذ الولايات المتحدة خطوات تحوطية وتعاونها المستمر مع "وحدات حماية الشعب"، وممارسة روسيا للقوة الصلبة الخاصة بها في سوريا وأوكرانيا؛ وإعادة إثبات الوجود الإيراني في بلدان المشرق؛ وحالة الفوضى في أفغانستان.

 والأهم من ذلك هو أنّ الدَيْن الخارجي الهائل لتركيا وليرتها الضعيفة استدعيا اللجوء إلى المزيد من التجارة والاستثمار والمجاملة مع أوروبا والولايات المتحدة. وتُشكّل أوروبا جزءاً مهماً بشكل خاص من هذا التوافق الجديد: فتبقى تركيا متكاملة اقتصادياً بشكلٍ تام مع "الاتحاد الأوروبي"، بفضل "الاتحاد الجمركي" القائم منذ عام 1996، فضلاً عن العلاقات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية الثنائية التي تعود إلى قرونٍ من الزمن، رغم الجهود التي بذلها أردوغان في السنوات الأخيرة لإضفاء طابع إسلامي أكبر على هوية تركيا في الداخل، وطابع شرق أوسطي أكبر على هويتها على الصعيد الدولي. وتُنبئ جميع هذه العوامل بالعودة إلى سياسة خارجية متعددة المحاور ومتسمة بقدرٍ أقل من المشاكسة.

بعد أن كان مبدأ "صفر مشاكل مع دول الجوار" من أكثر المبادئ التي يشار إليها في السياسة الخارجية التركية، تشكّل الآن نهجٌ جديد أساسه "صفر أصدقاء"

ويعني "قدر أقل من المشاكسة" أن يعيد أردوغان الاعتبار إلى سياسة صديقه الذي صار خصمه أحمد داود أوغلو، رئيس الوزراء السابق الذي نشرعندما كان وزيراً للخارجية مقالاً في مجلة "فورين بوليسي" تحت عنوان ''سياسة صفر مشاكل في المرحلة الجديدة'' بتاريخ 21 آذار (مارس) 2013، حسبما نشر موقع وزارة الخارجية التركي.

واقترح مقال أوغلو ستة مبادئ أساسية للسياسة الخارجية التركية: "التوازن في معادلة الأمن والحريات، صفر مشاكل مع دول الجوار، سياسة خارجية متعددة الأبعاد، سياسة إقليمية استباقية ونشطة، أسلوب دبلوماسي جديد ودبلوماسية إيقاعية".

"صفر أصدقاء"

وبعد أن كان مبدأ "صفر مشاكل مع دول الجوار" من أكثر المبادئ التي يشار إليها في السياسة الخارجية التركية، تشكّل الآن نهجٌ جديد أساسه "صفر أصدقاء"، وهو ما أدى إلى انشقاق داود أوغلو عن حزب العدالة والتنمية في 2019، بعد خلافات عاصفة مع رفيق دربه أردوغان، وأسس حزب المستقبل الذي يعارض الرئيس حالياً.

 

اقرأ أيضاً: حقيبة زوجة الرئيس التركي تزجّ بالصحفيين خلف القضبان

وانتقد داود أوغلو ما وصفه بميل أردوغان إلى الاستبداد في ظل نظام الرئاسة التنفيذية الجديد في تركيا، واتهم الحكومة بإساءة إدارة سلسلة من التحديات من بينها الاقتصاد وتفشي فيروس كورونا والتوتر المتصاعد في شرق البحر المتوسط.

ويعاني الاقتصاد التركي حالياً من ضغوط هائلة ومن انخفاض في قيمة الليرة بشكل كبير خلال العام الماضي، وارتفاع معدلات التضخم بنسبة 25 في المئة، مع تضاعف أسعار بعض السلع في الأشهر الأخيرة.  

اقرأ أيضاً: اقتصاديون يجيبون لـ"حفريات": هل ينجح تحدي أردوغان لليد الخفية؟

وتناول مقال، نشرته الشهر الماضي صحيفة الإندبندنت للكاتب بورزو دراغي، الأزمة الاقتصادية في تركيا وتأثير التضخم على حياة العائلات والأفراد. فتحت عنوان "الحقائق الاقتصادية في تركيا تُبدد الأحلام"، وصف دراغي المشهد التركي عبر شهادات أشخاص يعانون الأثر المباشر للتضخم وتراجع الأجور وتهاوي سعر صرف العملة المحلية أمام الدولار.

وقال الكاتب إن "الوضع تسبب في شعور باليأس وإفقار العمال في أحياء وقرى مدن وريف تركيا، وإلى تلاشي تطلعات الكثير من المواطنين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية