تداعيات الحرب... الانتقال من "الربيع العربي" إلى "الخريف المسلح"

تداعيات الحرب... الانتقال من "الربيع العربي" إلى "الخريف المسلح"

تداعيات الحرب... الانتقال من "الربيع العربي" إلى "الخريف المسلح"


14/12/2023

مع الوقت تتزايد المخاوف في الغرب من ارتفاع معدلات العنف وعودة العمليات المسلحة من جانب تنظيمات جهادية تجاه المصالح والمنشآت والأفراد داخل تلك الدول، كنوع من ردّ الفعل على الحرب التي تشنها إسرائيل تجاه قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، خاصة مع صدور العديد من التصريحات والبيانات الرسمية من جانب تنظيمي (القاعدة وداعش) تم فيها إدانة الاعتداءات الصهيونية والدعم الغربي لها من جانب عدد من الحكومات خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كما تم خلالها توجيه الدعوة إلى شن هجمات ضد مصالح غربية واستهداف الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا، وقد جاءت أحداث غزة الأخيرة لتمنح حركات السلفية الجهادية الفرصة لتقوم بترويج سرديتها والتأكيد على سلامة أفكارها ومشروعية أهدافها، خاصة بعد فشل حركات الإسلام السياسي في الحكم في عدد من الدول العربية بعد ثورات "الربيع العربي"، فهل يعني ذلك أننا ننتقل من "ربيع عربي" لم يؤتِ ثماره إلى خريف دموي شعاره القوة؟

هشام النجار: تجد التنظيمات الجهادية مثل هذه الأوضاع فرصة سانحة لركوب الموجة وإعادة إنتاج نفسها ولتجنيد عناصر

العديد من التقارير الصحفية والأوراق البحثية التي تم نشرها مؤخراً من خلال العديد من المواقع الإلكترونية ومراكز الأبحاث تتناول المخاوف المتعلقة بتزايد معدلات العنف تجاه المصالح الغربية، واستعادة حركات الجهاد العالمي نشاطها بعد أن خفُت في الأعوام الأخيرة، فعلى سبيل المثال تناول تقرير منشور على موقع مركز مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي تداعيات الحرب على قطاع غزة ودورها في خلق حالة غضب اجتاحت العالم الإسلامي نتيجة الممارسات الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين بشكل غير مسبوق من حيث الوحشية والإجرام، الأمر الذي يرى التقرير أنّه ربما يؤدي إلى استغلال وتوظيف من جانب التنظيمات المسلحة، خاصة أنّه، وفق التقرير، تُعدّ القضية الفلسطينية من أكثر القضايا القادرة على تحريك مشاعر المسلمين وإثارة الحماسة بداخلهم، كما أنّها تمثل مصدراً قوياً للغضب والإحباط لديهم، وقد رصد التقرير عدة تصريحات لمسؤولين غربيين تعكس تلك التخوفات، منها تصريح مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (كريستوفر راي) في إطار شهادته أمام الكونجرس التي يقول فيها: إنّ "الحرب المستمرة في الشرق الأوسط رفعت التهديد بشن هجوم ضد الأمريكيين في الولايات المتحدة إلى مستوى آخر تماماً"، ويقول: "إننا نقدر أنّ تصرفات حماس وحلفائها ستكون بمثابة مصدر إلهام لم نشهد مثله منذ أن أطلق داعش ما يُسمّى بالخلافة قبل أعوام"، وكذلك تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي يقول فيه: إنّ "هناك عودة للإرهاب الإسلامي، وإنّ جميع البلدان في أوروبا معرضة للخطر"، ويرصد التقرير عدداً من العمليات الفردية التي تمّت بالفعل تجاه مواطنين غربيين كردّ فعل على الأحداث في غزة من جانب مسلمين يعيشون في الغرب في عدد من الدول، مثل بريطانيا وألمانيا والسويد، متأثرين بأفكار القاعدة وداعش.

وخلال السياق ذاته، يعلق هشام النجار الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية في تصريح لـ (حفريات) على مدى إمكانية قيام التنظيمات الجهادية بشن هجمات ضد مصالح غربية، ويرى أنّه "بالفعل هناك تهديدات لدول غربية وقد لوحظ وجود توترات وتحريض والعديد من المواجهات والتوقيفات خاصة في فرنسا وألمانيا طوال الشهرين الماضيين منذ بدء الحرب، كما لوحظ على الجروبات والصفحات خطاب يصب في خانة خطط تجنيد ذئاب فردية نشطة لاستهداف يهود أو مصالح يهودية في أوروبا ودول العالم".

 

النجار: الحرب في غزة تسهم في ترسيخ سردية الجماعات الجهادية بخصوص منهجها في التغيير القائم على رفض الوسائل السلمية والديمقراطية والاعتراف فقط بالقوة كأداة وحيدة في التغيير

 

 وحول الفرصة التي تمنحها مثل هذه الأحداث للتنظيمات الجهادية بشأن توظيفها لخدمة أهدافها الفكرية والحركية يقول النجار: "بدون شك تجد التنظيمات الجهادية مثل هذه الأوضاع فرصة سانحة لركوب الموجة وإعادة إنتاج نفسها ولتجنيد عناصر، ومن الوارد أن تخطط إحداها لعملية كبيرة تكون بها في الصدارة، خاصة أنّ الهجوم والعدوان غير مسبوق في وحشيته وقسوته ويمسّ العواطف بقوة وهناك حالة من الاحباط والغضب، فضلاً عن عامل مهم، وهو كون الصراع في الأساس جرى توظيفه دينياً من مختلف الأطراف، ويلعب التوظيف الديني دوراً محورياً في توجيهه وتطويره، وكل هذه العوامل تغري التنظيمات الجهادية لطرح نفسها وإثبات وجودها واستغلال ما يجري لربح نقاط واستعادة الحضور في الوجدان الإسلامي الذي يحتاج في هذه المرحلة إلى ما يشبه البطل الخارق والمنقذ الذي يدفع عنه الهجمة الصهيونية الشرسة المدعومة كليّاً من أمريكا ودول الغرب".

كما يرى النجار أنّ الحرب في غزة تسهم في ترسيخ سردية الجماعات الجهادية بخصوص منهجها في التغيير القائم على رفض الوسائل السلمية والديمقراطية والاعتراف فقط بالقوة كأداة وحيدة في التغيير، حيث يقول: "يضاف إلى ذلك عامل مهم ومحوري وهو اكتمال سقوط كل فروع الإسلام السياسي في تجربة السلطة والحكم وممارسة العملية السياسية، فالتجربة السياسية لحركات الإسلام السياسي تشهد مع حرب غزة اكتمال أفولها، وهو ما يتيح في المقابل فرصاً كبيرة لفرض الجهاديين كلمتهم تحت زعم أنّ الحل الوحيد لاستعادة الحقوق ورفع الظلم يتمثل في استخدام السلاح، ليس فقط بشكل مشروع بالداخل الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، وإنّما أيضاً بشكل موسع بتنفيذ عمليات إرهابية عشوائية وانتقامية بدول العالم ضد مصالح إسرائيل وداعميها، خاصة أنّ هناك عراقيل وعقبات تقف دون فرض تسوية سياسية عادلة في المنطقة من منطلق مبادرة حل الدولتين، ومنها هيمنة اليمين اليهودي المتشدد في إسرائيل، ووجود قوى إقليمية غير عربية فاعلة ولها أذرع وتحالفات مع كيانات إسلامية مسلحة مثل إيران التي ليس من مصلحتها التوصل لتسوية، حيث ترى ذلك خصماً من نفوذها ولا يصب في مصلحتها، فاستمرار اليمين الإسرائيلي في صدارة المشهد برؤاه المتشددة الأحادية واستمرار تدخل إيران في الشأن العربي وارتهان حركات إسلامية لها وانسداد الأفق السياسي؛ كل ذلك يعطي الجماعات التكفيرية المسلحة فرصاً كبيرة في التمدد والتجنيد والترويج لرؤاها وأفكارها العنيفة خارج سياق المقاومة الوطنية المشروعة".

ماهر فرغلي: هذه الأحداث أحيت الإسلام السياسي من جديد، وهذه التنظيمات سوف يكون لها نشاط قوي خلال الفترة القادمة

 وعن توقعاته بشأن طبيعة العمليات المتوقع حدوثها والمصالح والدول المستهدفة بصورة أكبر، يرى النجار أنّه "من الوارد حدوث عمليات فردية غير منسقة خاصة بالدول الغربية وبالولايات المتحدة، وليس مستبعداً تنفيذ عمليات ضد أهداف يغلب عليها الطابع اليهودي كمزارات أو معابد أو حتى شركات ومؤسسات اقتصادية، ولا ننسى أنّ هذا هو مخطط (القاعدة) قبل استهداف البرجين، لأنّ عملية 11 أيلول (سبتمبر) في الأساس لم تكن مخططة ضد أهداف ومصالح أمريكية، وإنّما كانت ضد يهود ومصالح وأهداف يهودية داخل أمريكا، ومن الوارد استعادة هذا الطرح مجدداً في ظل وجود تنظيمات أكثر تشدداً مثل (داعش)، ومع وجود مزايدات وتنافس بين التنظيمات التي تمثل الجهادية العالمية".

على جانب آخر، يوضح الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية ماهر فرغلي في تصريح لـ (حفريات) أنّه على الرغم من صدور العديد من البيانات عن تنظيمي (القاعدة وداعش) بشأن الحرب على غزة، إلا أنّه في الواقع يظل تنفيذ عمليات مسلحة تجاه مصالح غربية خاضعاً لحسابات دقيقة تتحكم في خيارات التنظيمات وتحركاتها، ويرى فرغلي أنّ "تنظيم القاعدة أصدر أكثر من (30) بياناً بشأن غزة، من بينها بيان يتحدث عن الإعداد لعملية ستهز العالم أكبر من تلك التي تمّت في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، إلا أنّه على المستوى العملي فإنّ قيام التنظيم بعمليات على أرض الواقع يرتبط بسياسة إيران، حيث إنّه نظراً لوجود الزعيم المحتمل للتنظيم (سيف العدل) في إيران، والذي تقول عدّة تقارير إنّه يقود التنظيم بعد مقتل الظواهري؛ فإنّ التنظيم أصبح مرتهناً لإيران وسياستها، وأصبحت تحركات التنظيم مرتبطة بالحدود والخطوط التي ترسمها إيران له، وبرأيي أنّ استخدام إيران لتنظيم (القاعدة) سوف يتم في حال تعرض إيران نفسها لخطر كبير، وأنّه لن يتم استخدامه في عمليات، كما هو الوضع مع الحوثيين، لأنّ إيران تدرك أنّه سوف يتم محاسبتها بشدة على أيّ عملية تقوم بها (القاعدة)، أمّا عن تنظيم (داعش)، فإنّه على الرغم من إصداره العديد من البيانات، فإنّه لم يصدر منه حتى اللحظة أيّ عمل مسلح، لكن بشكل عام ما يحدث في غزة وما يحدث من تفاعلات من جانب هذه التنظيمات معها يمثل بداية لربيع دموي في المنطقة، فهذه الأحداث أحيت الإسلام السياسي من جديد، وهذه التنظيمات سوف يكون لها نشاط قوي خلال الفترة القادمة، فأحداث غزة أثبتت لدى تلك التنظيمات أنّه من الممكن من خلال ثلة عسكرية قليلة تحقيق ما يعجز السياسيون عن تحقيقه". 

مواضيع ذات صلة:

ما الذي تقوله أجهزة الأمن الأوروبية عن جماعة الإخوان في أوروبا؟

نشاط مكثف لمراكز الإخوان البحثية داخل تركيا... ما الجديد؟

رحلة الإخوان نحو السقوط... من العمل الخيري إلى فخ السياسة




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية